«بيزنس الكتب».. شباب الكتّاب يحكون معاناتهم مع دور النشر
مكتبات وأرصفة تمتلئ بمئات الكتب من روايات وقصص قصيرة وأشعار، مجهود ضخم يبذله الكاتب مع دار النشر التي تعلن دائما «الانحياز للشباب ودعم المواهب الحقيقية في نشر أعمالها».
لكن الواقع ليس ورديا لهذه الدرجة. فخلف كل كاتب شاب قصة من المعاناة مع دور النشر الصغيرة التي تتخذ في معظمها -وبحسب مجموعة كتّاب- من حرفة نشر الكتب وسيلة للمكسب المادي دون النظر للقيمة الأدبية، إلا إذا كنت محظوظا بالتعامل مع إحدى الدور التي تدعم المواهب الحقيقية.
الكثير من اللامبالاة
في جعبتها الكثير والكثير من التجارب السيئة. لم تجد «حنان العسيلي» في البداية دار نشر جادة في عملها أو تعطي الكتاب حقه من التقدير.
تحكي لـ«شبابيك»: «أول دار نشر روحت لها كان عندها مشاكل في الطباعة وقالوا لي احتمال الكتاب يتأخر صدوره، والناشر قالي بالحرف الواحد :«دي حظوظ» ورفض يحدد موعد للنشر. شعرت «حنان» بعدم الجدية تجاه عملها الأول التي تعتبره كالحلم.
دور نشر ثانية وثالثة تعرض عليها الكتاب ولا تجد إلا التسويف وعدم الرد على العمل بالقبول أو الرفض. «الدار الثانية قالت لي هنرد عليك بعد أسبوعين، وفات شهر بدون أي رد، وعدم اهتمام بقراءة العمل من الأساس».
ابتسم الحظ لـ«العسيلي» بعد رحلتها المرهقة تلك، فأخيرا وجدت دار نشر تهتم بالرد عليها.
تتابع لـ«شبابيك»: «تجاربي السيئة مع دور النشر علمتي أني بذاكر «دار النشر» اللي هتعامل معاها حرفيا، واسأل عن تعاملها مع الكتاب الشباب قبلي وأتفرج على نوعية الكتب اللي بتقدمها وكمان أتابع إزاي بيسوقوا للكاتب أو يهتموا بدعم الكتاب بعد النشر».
لكن تظل هناك مشكلة تؤرق «العسيلي» وهي التأخر في إعطائها مستحقاتها المالية.. تقول:«في البداية كنت بفكر هل الناشر بيتهرب؟ لكن بعد ما سألت عرفت أن المشكلة بتكون بسبب المكتبات اللي بتتأخر في الجرد أو بسبب مشاكل إدارية في دار النشر نفسها».
المال يحسم الأمر
ولأن صاحب دار النشر زميله في «الجورنال»، لم يواجه «عدي إبراهيم» العقبات المعتادة في نشر كتابه الأول «فستانيزم».
«كل شيء محكوم بالفلوس» هكذا يصرح لـ«شبابيك»، فأولا وأخيرا دار النشر تريد أن تكسب، وفي الواقع لا تسمح دارالنشر لنفسها بأن تخسر أبدا.
يقول عُدي: «دار النشر مش هتنشر للكاتب الشاب إلا في حالتين؛ لو عنده متابعين كتير على «فيس بوك» أو لو هيتحمل تكلفة الكتاب كليا أو جزئيا».
«الفولورز» تبدو الكلمة السحرية في نظر مؤلف «فستانيزم» لكي توافق دور النشر على كتابك فورا، «شهرة الكاتب على فيس بوك هي اللي هتضمن إن الكتاب هيحقق مكسب كبير، لكن لو أنت كاتب مبتدئ أو غير معروف بتدفع تكلفة النشر كنوع من الإغراء للناشر، لأنه هيبقى خد المكسب بتاعه حتى لو الكتاب منجحش».
بعد حوالي عام على نشر «فستانيزم» كانت تجربة «عدي» مع كتابه مرضية بنسبة 50% فقط، تبدو علاقته جيدة مع الناشر ولكن: «بعد عام من الخبرة في مجال النشر هتفق معه على ضوابط أفضل، كنت بضطر لتوزيع الكتاب بنفسي لأن مكنش فيه الاهتمام الكافي من الدار بتوزيع الكتاب».
في البددء تخيل الأدباء.. هذه العلوم كانت كلام روايات
السوشيال ميديا تحكم
كان الوضع بالنسبة لـ«محمود بكري» مؤلف رواية «مالك» مختلفا كثيرا. هو واحد من الكتاب الشباب الذين حققوا نجاحا كبيرا ومع دور نشر صغيرة للغاية.
ففي خلال عامين وصلت فيهما «مالك» لطبعتها الأربعين، فكان هذا نجاحا كافيا لدار النشر بأن تلتزم مع الكاتب بنسبة الأرباح المتفق عليها.
كان «بكري» مثل غيره من الكتاب الشباب المبتدئين، لا يملك أي شهرة تزكيه عند دور النشر الكبيرة، وأمامه فقط أن يسأل ويستقصي عن دار نشر تعطي فرصة للمواهب الشابة: «وافقت دار النشر على العمل، واتفقنا أني هتحمل نصف التكلفة» بداية تبدو عادية لأي كاتب ناشئ عانى كثيرا للحصول على حقوقه المادية، كان الناشر يتهرب منه في أحيان كثيرة.
لكن ما إن بدأت رواية «مالك» تحقق تلك الشهرة وتتوالى طبعاتها التي تنفذ بسرعة مهولة واحدة تلو الأخرى حتى وجد «بكري» أن دار النشر تلتزم بمستحقاته المالية التي وعدته بها.
«بكري» هو واحد أيضا من الكتاب الشباب الذين حققوا لأنفسهم قاعدة صلبة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يتجه لدور النشر. يحكي لـ«شبابيك»: «كنت متواجد بقوة على جروب «عصير الكتب» أول لما بدأ. الناس كانت عارفاني وعارفة كتاباتي وأسلوبي.. كل ما الجروب يكبر كنت بكبر معاه».
لا ينكر مؤلف رواية مالك أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تحقق شهرة كبيرة لكتابات رديئة، لكن «بكري» ينصح الكتاب الموهوبين، فيقول: «لازم الكاتب يهتم بالسوشيال ميديا ويبدأ في نشر أجزاء من أعماله إلكترونيا،عشان لما ينزل ورقي يبقى عنده جمهوره، مش نازل والناس لسه هتبدأ تتعرف عليا».
التماس الأعذار لبعض دور النشر
بالنسبة لـ«صافي الهنداوي» مؤلفة كتاب «يسلم إلى مالك» فالأمر كله يتلخص في كلمة واحدة هي «مفاجئة».. فاجئها الأصدقاء بالاتفاق مع إحدى دور النشر على طبع الكتاب.
لم تكن تعرف الكثير وقتها عن عالم النشر. تحكي لـ«شبابيك»: «تحملت تكاليف الكتاب بالكامل، لأني لسه في البداية، لكن لو أنت كاتب كبير الدار بتتحمل تكاليف النشر لأنها عارفة أنه هيجيب مكسبه، بعض الكتاب الكبار بيأخذوا حقوقهم المادية مقدما قبل النشر».
تلتمس الكثير من العذر لدار النشر التي تعاملت معها ربما لأن الدار نفسها لا تزال في بدايتها. تقول «الهنداوي»: «الدار عملت دعاية كويسة وحفلات توقيع، لكن كان فيه اتفاق أن الكتاب نزل فيه مكتبات معينة ومنزلش فيها. وكان لازم أبذل جهد عشان أسوّق الكتاب بنفسي وأعوض العجز».
لكنها تعود وتؤكد أن الدار في الحالتين لن تخسر شيئا سواء اهتمت بتوزيع الكتاب أم لا: «لو الكتاب اتباع كويس هتحصل على ربح، ولو متبعش هي كدا كدا حصلت على تمنه من الكاتب وقت التعاقد».
تجد «صافي» نفسها محظوظة بالتعامل مع تلك الدار: «الدار بتدعم الكتاب الموهوبين بعكس دور تانية هدفها تجاري فقط وممكن تنشر أي حاجة عشان المكسب المادي.. في حين أني اتكرمت مرتين عن كتابي في الأكاديمية المصرية للعلوم والتكنولوجيا وجمعية رسالة، بترشيح من الدار».
باولو كويلو الأكثر إلهاما.. 5 روايات تغنيك عن كورسات التنمية البشرية
اخدم بنفسك بنفسك
قررت «مي قوتشي» مؤلفة المجموعة القصصية «أحمر شفايف» أن تختصر الطريق. طبعت في البداية الكتاب على حسابها لتتجنب رفض دور النشر.
كل شيء كانت تتابعه «مي» بنفسها. الطباعة والتوزيع وحفلات التوقيع ومتابعة نسبة المبيعات. عمل مرهق بعض الشيء لكنه جنبها عناء الرفض من دور النشر.
توزيع الكتاب اقتصر على محافظتها «أسيوط» حتى حقق مبيعات جيدة وصلت صداها إلى إحدى دور النشر الشبابية التي قررت شراء حقوق ملكيته وطباعته. يبدو نجاحا حالما، لكن تظل «مي» في نظر هذه الدار أو غيرها مجرد كاتبة مبتدئة.
الكاتب الموهوب سيتعب كثيرا حتى يصل، وسيحتاج منه الأمر سنوات وسنوات حتى يصل للناس. تضيف «مي»: «لكن لما يوصل هيوصل بجد. القراءة والكتابة أصبحت موضة، والموضة بتاخد وقتها وبتروح، وساعتها مش هيفضل غير الكاتب الموهوب بجد».
تعترف مؤلفة «أحمر شفايف» أنها لا تزال في البدايات المبكرة لدرجة تجعلها «تخجل» من المطالبة بحقها المادي، تقول: «حتى لو متفقة مع الناشر على نسبة من الأرباح.. موصلتش لمرحلة أني أقول للناشر هات فلوس، وأنا لسه متعرفتش. اهتمام دور النشر بإعطاء الكاتب جزء من الأرباح بيكون على حسب شهرة الكاتب».
لم تستطع «قوشتي» أن تشارك بكتابها هذا العام في معرض الكتاب. المتهم الآن في رأيها هو أزمة الدولار وارتفاع تكاليف الطباعة. «الناشر قال أنه هيقلل عدد الكتب المشاركة بالمعرض، وهيختار الكتاب المشهورين أو الكتب اللي حققت مبيعات عشان ميخسرش».
أصل المشكلة
أحمد مدحت مؤلف رواية «ثلاثة فساتين لسهرة واحدة» يرى عقبات دور النشر بشكل مختلف. يعترف أن العديد من المشاكل قد تحدث معه هو شخصيا خلال رحلة نشر الكتاب. لكنه يفرق في ذات الوقت بين إذا كان الأمر متعمدا أو ناتجا عن خطأ إداري أو بسبب مشكلات السوق نفسه.
دور النشر في رأيه هي جزء من منظومة المؤسسات المصرية.. يؤكد لـ«شبابيك»: «في مصر سهل جدا آخد تصريح دار نشر بدون أي شروط ضمن أن الدار عندها خبرة في إدارة العمل الأدبي بدءا من معايير قبول العمل لتنسيق الكتاب وطباعته انتهاء بالمبيعات والتسويق».. عدم وجود ضوابط وقوانين في رأيه يسمح بالكثير من التجاوزات الناتجة عن سوء الإدارة أو الاستغلال.
هذا الاستغلال ورغبة دار النشر في الربح مهما كان التعسف الذي تمارسه ضد الكتاب الشباب هو الذي جعل «مدحت» محجما عن النشر لسنوات طويلة.. يحكي لـ«شبابيك»: «بكتب من سنة 1998 لكن بسبب كل اللي بسمعه كنت بخاف أنشر، لحد ما فهمت السوق ولقيت فرصة كويسة مع دار دوّن التي تهتم بأدق التفاصيل فنيا وتجاريا».
يلخص «مدحت» مشاكل دور النشر مع الكتاب الشباب في اقتصار الشهيرة منها على الكتاب الكبار، وامتلاء السوق بدور نشر صغيرة لا يهمها سوى الربح المادي ولو على حساب المستوى الأدبي أو التعدي على حقوق الكاتب.
رحلة إلى الذات.. روايات صوفية تغوص في روحك