رئيس التحرير أحمد متولي
 متضيعش ابنك.. هكذا تدعم طفلك الموهوب

متضيعش ابنك.. هكذا تدعم طفلك الموهوب

يأتي الطفل إلى هذا العالم وبداخله بذرة موهبة تتفتح شيئا فشيئا كلما تعرض للتجارب والأنشطة، حتى تصبح موهبة مرئية للجميع، تنتظر فقط المزيد من التعلم والتدريب.. فهذا طفل يمتلك صوتًا بارعًا، وهذا يرسم لوحات جميلة وذلك مهووس بكرة القدم، وغيرها من المواهب.

لكن الأمر لا يسير دائما بتلك الطريقة المثالية.. فالطفل الموهوب في نظر الخبير التربوي، الدكتور كمال مغيث معرض لخطأ من اثنين يقع فيهما الآباء، إما التجاهل التام لموهبته واعتبارها نوعًا من «الشقاوة» أو «التهرب من المذاكرة».. وإما الضغط على الطفل بأكثر مما يتحمله في سن صغيرة، حتى يصنع منه الأبوان طفلا خارقة أو عبقريا.

خطأ الآباء

هناك مقولة يلخص بها «مغيث» مشكلة الأطفال الموهوبين وهي.. «الآباء والأمهات لا يستطيعون التعامل مع الأطفال بالفطرة.. التربية الآن أصبحت علمًا متكاملا يُدرس في جامعات العالم الكبرى وتؤلف فيه الكتب.. على الأم أن تكون واعية بالطرق الصحيحة لاكتشاف موهبة الطفل وقدراته».

«لا يوجد لدى الآباء والمعلمين على السواء وعي بالطفولة وحقوقها وإمكانيتها وقدراتها».. هكذا يؤكد الخبير التربوي بالمركز القومي للبحوث التربوية.

الاهتمام يدمر أحيانا

لكن الاهتمام بموهبة الطفل ليس كله جيدًا؛ أحيانا يعتقد الآباء أن بإمكانهم أن يصنعوا منه شيئا عظيما؛ لكن الطفل يكره أي شيء يأتي بالإلحاح.

«من الحب ما قتل».. كلمة تشير إلى حادث ليس ببعيد عندما انتحرت ريم مجدي، بطلة المصارعة التي تبلغ من العمر 15 عاما، وألقت بنفسها من سيارة والدها، بسبب توبيخه وضربه لها لعدم تركيزها في التدريبات الرياضية، وانشغالها بمواقع التواصل الاجتماعي؛ وفقا لما نشرته الصحف والمواقع الإلكترونية، ومنها موقع «أصوات مصرية».

يعلق نائب رئيس جامعة عين شمس وأستاذ علم النفس، الدكتور فتحي الشرقاوي، «أن الاهتمام المبالغ فيه بموهبة الطفل يأتي بنتائج عكسية».

عندما يصر الأبوان على أن يصنعا من ذلك الطفل الموهوب شخصا بارعا في الغناء أو كرة القدم أو غيرها من الهوايات؛ تتحول الموهبة إلى شيء ضاغط كثيرا على نفسية الطفل.

يحاصر الأهل الطفل الصغير.. «يجب أن تصبح طبيبا متميزا، يجب أن تصبح مغنيا شهيرا.. يجب أن تتدرب كثيرا.. كثيرا جدا حتى تصبح مثل هذا اللعب الشهير أو ذاك»..

يتابع «الشرقاوي» لـ«شبابيك»: «هذا الضغط والإلحاح يؤدي إلى كره الطفل التام لهذه الموهبة وإن كان يحبها في الأساس».

«لو مروحتش التمرين همنع عنك المصروف.. لو مفوزتش في  المسابقة هزعل منك».. عبارات يصفها أستاذ علم النفس بأن الهدف منها هو تشجيع الطفل، لكن في النهاية يشعر الطفل أن تلك الموهبة التي يحبها أصبحت شيئا إجباريا وتقيد حريته في اللعب، فيكرهها تماما ويتهرب منها».

هل أجعل منه طفلا عبقريا؟ 

أن يسمع الآباء كثيرا عن أطفال يتمتعون بمواهب خارقة.. طفل يغني كالمحترفين وهو في العاشرة من عمره، طفل يرسم لوحات فنية ككبار الفنانين.. كل هذا يمثل إغراء للآباء لتوجيه الطفل منذ نعومة أظافره ليكون عبقريا أو خارقا.. لكن هذا شيء لا يراه الخبراء صحيًا على الإطلاق.

الموهبة الفنية أو العبقرية العلمية ليست كل شيء.. هكذا يؤكد «الشرقاوي».

يضرب أستاذ علم النفس أمثلة عديدة.. طفل يحصل على الدكتوراة في عمر الـ14 عاما، أو حتى طفل صغير يعمل في التمثيل.. أطفال يبدون خارقون للغاية،  لكنه يؤكد أن هذا الطفل أو ذاك «يهتم بتنمية نفسه في جانب واحد فقط وهو الجانب العلمي أو الفني؛ وفي سبيل هذا يهمل الجوانب الأخرى التي تحقق له التوازن النفسي، مثل الجوانب الاجتماعية، فيصبح انطوائيا أو لا يستطيع التعبير عن نفسه ومشاعره للآخريين.. يتم وضعه في مسئولية وضغوط أكبر من سنه ونضوجه النفسي».

المتزوجين لازم ينتبهوا.. هذه التصرفات ممنوعة أمام الأطفال

الاهتمام الصحي

ينصحك أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي، بالكثير من المرونة.. فلا يجب أن تفرض أي شيء على الطفل.

مراعاة الحالة النفسية والمزاجية للطفل الصغير هي أساس التوجيه السليم لموهبته.. يقول الشرقاوي: «الاهتمام بهواية الطفل يجب أن تكون شيئا مشتركا بينه وبين الأهل، يجب أن تترك الحرية للطفل حتى في اختيار توقيت ممارسة هذه الهواية، لا تفرض عليه مثلا أن يغني أمام الناس أويشارك في المسابقات دون أن يكون مستعدا نفسيا لذلك، حتى لا يتوتر أو يحرج فيتكون حاجز بينه وبين تلك الهواية».

تريد أن تدعم موهبة طفلك بطريقة صحية إذا؟.. هناك خطوات أخرى يقدمها لك الخبراء التربوييون، وهي:

  • الحرية

الحرية في رأي «مغيث» هي أساس تنمية أي موهبة.. يجب أن نترك للطفل حرية أن يكتشف نفسه وقدراته.. نتركه يلعب أو ينطلق في المكان و«يتشاقى» كما يحلو له.

ويضيف الخبير التربوي لـ«شبابيك»: «لا مانع أن نترك الطفل الموهوب في لعب الكرة، أن يلعب في الشارع ولا نخاف من تلويث ثيابه. أن نترك الحرية للطفل في ممارسة هوايته كيفما شاء وفي أي وقت شاء، يساعده على تنمية قدراته وعدم الشعور بالضغط والتقيد».

  • الاستعانة بخبير

الخطوة التالية عند «مغيث» هي الاستعانة بالخبراء.. «إذا كان الطفل يحب الغناء، يجب أن نعرضه على فنان يسمعه ويوجه موهبته في الطريق السليم».

ويضيف: «الورش والكورسات أصبحت الآن في كل المجالات، إذا أراد الطفل أن يتعلم عزف العود مثلا، يجب أن أوفر له التدريب على يد المتخصصين».

  • الدعم النفسي

موهبة الطفل يجب أن تكون مثل لعبته المفضلة، لا يكون الأمر بالتهديد أو الإجبار أو وضع الطفل في منافسة أكبر من سنة.

يقول الخبير التربوي لـ«شبابيك»: «إذا فشل الطفل أو أخطأ، لا ينبغي لومه على الإطلاق.. يجب أن أدعمه نفسيا وأثني على موهبته حتى في حالة الخطأ، لكي يتشجع ويتعلم».

  • العبقرية بشروط

يتفق الخبير التربوي على رفض مصطلح «الطفل العبقري» فالطفل ليكون سويا نفسيا يجب ألا تبنى حياته على محور واحد، ويهمل مهارات التواصل الاجتماعي والمحور النفسي والمحور الوجداني والعصبي.

يضرب «مغيث» مثالا ببرامج اكتشاف المواهب للأطفال التي تضع الطفل تحت تنافس عالي وضغط شديد، وتصيبه باضطرابات نفسية سواء في حالة المكسب أو الخسارة؛ فإذا خسر يشعر بالفشل وبخيبة أمل وإحباط شديد. وفي حالة الفوز وتحقيق الشهرة أو المكسب المادي الكبير، فهذا يسبب للطفل شعور بتضخم الذات.. يضيف مغيث ساخرا: «الشهرة والفلوس بتبوظ نفسية الكبار لو هم في الأساس مش أسوياء، فما بالك بالأطفال»؟
 

لا مانع عند الخبير التربوي أن يشارك الطفل في هذه البرامج بشرط أن يعده الأبوان نفسيا بشكل جيد، وألا يتعاملان مع الأمر كأنه مكسب أو خسارة، أو تحدي، لكن على أنه لعبة يمارسها الطفل مع زملائه ولا مشكلة في الخسارة، وأن الخسارة لا تغني أنه فاشل أو لا يتمتع بالموهبة».

ماذا يخبرك التعليم المنزلي؟

«التوجيه الفطري» كلمة تبدو عند أخصائية تنمية مهارات الأطفال وتبسيط العلوم، إسراء أبو الدهب؛ مبدءًا يجب أن يسير عليه الآباء في تنمية موهبة الطفل.

تعمل «أبو الدهب» كخبيرة في التعليم المنزلي أو الـ«Home Schooling» وهو وسيلة للتعليم الحر بعيدا عن أسوار المدرسة أو مناهج التعليم التقليدية.

 يركز التعليم المنزلي في الأساس على مراقبة ميول الطفل في كل مرحلة ودعمه بجميع الوسائل التي تنمي مهاراته من رحلات تعلمية وترفيهة وكورسات وورش فنية.
«التوجيه الفطري» هنا سيعني أن يراقب الأبوان هذه الاهتمامات التي يظهرها الطفل، دون أن يوجهها الطفل أو يلزماه بتعلم شيء بعينه.. في التعليم المنزلي لا مجال لأن يقول الأبوان للطفل مثلا «ستصبح طبيبا رغما عنك» أو «أريدك أن تكون مطربا مشهورا».. هنا الطفل وحده من يريد.

«قرار صعب جدا أن أرى طفلي مميزًا في مهارة معينة ولا أريد استغلالها وأوجه لها كل طاقته».. هكذا تعترف «أبو الدهب» التي تؤكد «الأفضل للطفل بالتأكيد أن أدعمه في كل خطوة، فبعض الأطفال بعد أن يظهروا تفوقا في نشاط معين يملون منه ويجربون غيره وهكذا، وقد تظهر له هواية أو موهبة جديدة كل فترة، حتى تتكامل شخصيته ويصبح قادرا على تحديد ما يريد».

التعليم المنزلي.. علم أولادك بدون معلم

  • الكثير من التجارب

لا يهم ما هو المجال الذي يحبه طفلك الأهم أن تفتح له المجال واسعا ليجرب كل ما يحبه.. تقول «أبو الدهب»: «يجب على الأبوان أن يفتحا الباب واسعا أمام الطفل ليجرب كل شيء يريده، وأن يمارس موهبته بدافع من المتعة وتجربة الأنشطة المختلفة دون خوف من الفشل».

هذا ما يحتاجه طفلك حقا

التعليم كما تراه أخصائية تنمية مهارات الأطفال وتبسيط العلوم، هو في الأساس رحلة نقدم فيها للطفل كل ما ينمي جوانب حياته النفسية والاجتماعية والعلمية.

مسارات كثيرة يحتاج الطفل أن يمر بها حتى تتكامل شخصيته.. يحتاج لخبرة حياتية كبيرة، ولتعامل مع أطفال في أعمار مختلفة، ولمهارات التواصل التي تمكنه من التعبير عن نفسه ومشاعره جيدا وتكوين الأصدقاء، يحتاج ليتعلم كيف يتعامل ويتكيف مع المتغيرات في حياته.. كل هذه الأشياء يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع موهبة الطفل والمجال الذي يحب أن يبرع فيه.

دور الأم

الأم بطبيعتها تكون الأقرب والأكثر التصاقا بالطفل في سنواته الأولى. وهنا تخبرنا الخبيرة التربوية، الدكتورة بثينة عبد الرؤوف أن الأم ستقع عليها مسئولية ملاحظة الطفل، وطرح جميع الاختيارات أمامه، من لعب وأنشطة ورحلات ترفيهية، وتراقب ماذا يحب الطفل أكثر، ثم تبدأ بالتركيز عليه ودعمه.

دور الأب

الأب بحكم عمله أيضا يكون بعيدا عن الطفل لوقت أطول، لكن «عبد الرؤوف» تؤكد لـ«شبابيك» أن هذا البعد قد يكون دافعا للطفل لتتعلق بوالده أكثر، وبالتحديد عندما يصل لسن السابعة أو الخامسة، فيكون الطفل مرتاحا للحديث واللعب مع والده أكثر من والدته التي يراها طوال اليوم.

سيكون دور الأب هنا أن يستغل هذ الوقت القليل الذي يقضيه مع ابناءه في الحديث مع الطفل وسؤاله عما يحبه من اللعب أو الأنشطة وأن يحضرها له أو يذهبا معا إلى النادي ويمارسا الألعاب الرياضية معا على سبيل المثال، أو يشجعه بالطريقة نفسها في أي هواي يحبها.

زواج الأقارب سبب رئيسي لإعاقة الأطفال.. هل هناك حل؟

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال