أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم.. لماذا لم يأت «أبوتريكة»؟ (مقال)
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ .. ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم!.. أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
هكذا رثى أمير الشعر أحمد شوقي، أباه.. فهل يعلم «اللُّوّامُ» لما لم يأت «أمير القلوب» محمد أبو تريكة، لحضور عزاء والده؟.. قد تقفز إلى رؤوسكم الإجابة سريعا أن اسمه في «قوائم الإرهاب»؛ فهل هذه هي الإجابة الصحيحة؟
الكتابة عن «أبوتريكة» صعبة، وفي نفس الوقت لا يجوز «الفُرجة» وعدم تقديم شيئا للقاريء عن هذا اللاعب، الذي توفى والده، صباح الأحد، ولا يستطيع الحضور لتلقي عزاه.. وفي ذات الوقت لن نعطيك إجابة على آخر سؤال طرحناه.. لأنها «صعبة»!
سنختار الكتابة الأسهل..
مؤسسة «يوجوف» العالمية للدراسات الاستطلاعية والأبحاث التسويقية تجري منذ العام 2014 استطلاعات تُعد على أساسها قوائم بأكثر شخصيات محبوبة في العالم.. في المركز الثاني خلف جرّاح القلب الشهير مجدي يعقوب، جاء «أمير القلوب»، متقدما على رئيس الجمهورية، في قوائم العام 2016.
في مطلع العام 2017، وضع «أبوتريكة» في «قوائم الإرهاب» بعد 4 أعوام، شهدت مواقف وقرارات وتقلبات عديدة، نبدأ من أبرزها الذي وقع في فجر 2 فبراير من العام 2012، بعد ساعات من مذبحة إستاد بورسعيد، عندما رفض مصافحة المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري آنذاك، والذي كان يدير شئون البلاد..
عن هذا الموقف قال أبو تريكة: « نعم رفضت مصافحته، لأننى لست راضيا عن الأحوال فى البلاد حاليا»..
يقول الصحفي الرياضي محمد عطالله، مدير تحرير موقع «EuroSport»: «وفاة 72 مشجع عذر كاف لأبوتريكة» يبرر عدم مصافحته لـ«طنطاوي»، وذلك «باعتبار المشير مسؤول عن البلد كلها وقتها، والبلد بشكل عام كان وضعها سيء فعلا».
موقف «أمير القلوب» وفق الصحفي الرياضي هاني عبدالصبور «زاد من شعبيته خاصة انه كان بيمثل وجهة نظر قطاع عريض من الشعب، كان يري أن المشير مسؤول عن مذبحة بورسعيد ، وهو ما جسده الالتراس في دخلة بملعب برج العرب في احد مباريات الاهلي الافريقية وحمل المشير مسؤولية المذبحة».
كان «أبوتريكة» الذي شارك في ثورة 25 يناير، من ضمن المؤيدين للرئيس الأسبق محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت في العام 2012.
عقب الإطاحة بـ«مرسي» في 3 يوليو2013، هاجم إعلاميون يحسبون على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك «لاعب الأهلي»، وانتشرت شائعات بزيارته لاعتصام أنصار جماعة الإخوان في ميدان رابعة العدوية.. ومع هذا؛ ظل أبوتريكة «أمير القلوب»، والسبب في هذا وفق عبد الصبور: «عشان الناس بتحبه لمواقفه الرياضية، أبو تريكة ياما اسعد الشعب المصري مع المنتخب، وياما حقق بطولات للنادي الاهلي اللي جماهيره بتمثل اغلبية في الشارع المصري».
عماد متعب، مهاجم الفريق الأول بالنادي الأهلي، قال إن زميله السابق في القلعة الحمراء والمنتخب الوطني محمد أبوتريكة، «حر في الإعلان عن ميوله السياسية».
في العام 2013، تُوج الأهلي ببطولة دوري أبطال أفريقيا بمشاركة أبوتريكة، ورفض وقتها مصافحة وزير الرياضة طاهر أبوزيد، واستلام الميدالية منه.. ومن جديد هاجم عدد من الإعلاميين نجم الأهلي، وقالوا إنه رفض مصافحة «أبوزيد» لأنه من «حكومة الانقلاب» في وجهة نظره باعتباره من المؤيدين لـ«مرسي»
نجم الأهلي أكد أنه رفض مصافحة طاهر أبو زيد لوجود خلافات شخصية بينهما.. وقال: «لو أنى رفضت التعامل مع كل من يرى من وجهة نظر الإخوان أنه انقلابي لخاصمت معظم أصدقائي!».. وذلك وفق الصحفي الرياضي أحمد جلال، في مقال بموقع «كورابيا».
«موقف أبو زيد لم يترك اثر كبير بسبب ان الجميع كان مركز في الاحتفال بالبطولة اللي فاز بها الاهلي وكان ابو تريكة عامل اساسي في الفوز بالبطولة دي .. وكانت اخر بطولة افريقية للاهلي في دوري الابطال».. هكذا يقول الصحفي الرياضي هاني عبد الصبور.
فى 23 سبتمبر 2013 قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر جماعة الإخوان والتحفظ على أموال مؤسساتها وشركاتها.. كانت إحدى الشركات المملوكة لـ«أبوتريكة» ضمن هذه الشركات.. واتخذت لجنة التحفظ وإدارة أموال الإخوان، قرارا بالتحفظ على أموال أبوتريكة، وكان اسمه ضمن عدد من المتهمين المحالين إلى النيابة العامة.
انتصر القضاء الإداري للاعب الأهلي السابق في منتصف العام 2016، وألغى قرار التحفظ على أموال «أبوتريكة»، وقالت المحكمة: «حتى لو ارتكب أبوتريكة جريمة جنائية- وذلك فرض جدلي لا دليل عليه- فإن ذلك لا يبرر للجنة التحفظ على أموال الإخوان بقرار منها إدراجه في عداد المنتمين للإخوان، والتحفظ على أمواله ومنعه من التصرف فيها وإدارتها، لأن إقرار ذلك لا يكون إلا بحكم قضائي أو كأثر، للإدراج على قائمة الكيانات الإرهابية أو قائمة الإرهابيين، الأمر غير المتحقق في الدعوى الماثلة».
في منتصف يناير الماضي، فوجئ المصريون بقرار من محكمة جنايات القاهرة بإدراج نجم الأهلي، في قوائم الإرهابين، فيما كان اللاعب خارج البلاد..
أصوات عديدة طالبت أبوتريكة بعدم الرجوع حتى لا يُلقي القبض عليه.. وقالوا :«كل شيء جائز»، بيتما تتعالى مرة أخرى بعض الأصوات الإعلامية المهاجمة للاعب الأهلي السابق، وبالرغم من هذا لا يكره المصريون أبوتريكة.
4 سنوات شهدت موجات هجوم شديد على «أبوتريكة» لمواقف عدة قام ببعضها ولم يقم بالبعض الآخر، لم تنجح أي موجة منها، في زحزحة الحب الساكن في قلوب الملايين لهذا اللاعب، ليظل «أمير القلوب»..
يقول الصحفي الرياضي بصحيفة «روزاليوسف» سيد علي: «دفاع الملايين عن أبو تريكة سواء مؤيد أو معارض لموقفه السياسي - اللي هو المفروض حق شرعي لأي مواطن في بلده - يؤكد حب المصريين ليه حتي لو إيه حصل معاه أو إيه اتقال عليه.. المصريين عمرهم ما بينسوا حد فرحهم وأبو تريكه أكتر وزاحد فرح مصر في الـ15 سنة اللي فاتت دي».
«تعلمت منه الكثير فقدت قدوتي في الكفاح والعمل . رحم الله والدي وغفر له واسكنه فسيح جناته».. يكتب «أبوتريكة» في الخامسة و51 دقيقة من مساء الأحد، بعد علمه بنبأ وفاة والده، الذي حاولت أسرته إخفاءه عنه حتى لا يعود إلى مصر.
يقول المعلق الرياضي محمد الكواليني: «كنت مع أبوتريكة عندما علم بخبر وفاة والده، كان منهارا تماما، وأخذ قراره بالنزول إلى مصر على الفور، وبالفعل حجزنا تذاكر الطيران له وكان من المقرر أن يصل فجر اليوم، لكن إنهاء أسرته لمراسم الدفن والجنازة سريعا، جعله يتراجع عن النزول، خاصة بعد مكالمة أهله له لإقناعه بذلك».
بالتأكيد أسرة أبوتريكة أقنعته بألا يعود حتى لا يُلقي القبض عليه.. وإذا سألت كيف؟ ربما تكون الإجابة في البديهيات التي أكدها «أمير الشعراء»:
يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ.. كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين
هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى.. وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين
غايَةُ المَرءِ وَإِن طالَ المَدى.. آخِذٌ يَأخُذُهُ بِالأَصغَرَين
المقال بقلم: مؤمن إسلام