بعد العنصرية والاضطهاد الديني.. كيف عبَرت هذه الدول للديمقراطية؟
عنصرية وتمييز على أساس الدين وكثير من الضحايا عرفتهم تلك البلاد التي اشتعلت فيها الطائفية التي كانت كفيلة بتمزيقها للأبد لولا أن تدخلت حكوماتها بسياسيات الإصلاح.
لم تعالج حكومات سنغافورة وماليزيا والهند، مشكلة الصراع الديني بمزيد من فرض العقوبات أو الإجراءات الأمنية الاستثنائية؛ بل وضعت برامج إصلاح ديمقراطية واقتصادية وتعليمية، تستهدف القضاء على التمييز، ونشر قيم التسامح.
سنغافورة والإصلاح السياسي
كانت سنغافورة تلك الجزيرة الصغيرة التي تقع في قلب المحيط الهادي، محط هجرات لمواطنين من الصين وماليزيا وهنود وأروبيون وعرب.
وبتنوع هذه الأعراق تنوعت الديانات في سنغافورة، حتى وصلت إلى عشرة؛ أهمها هي البوذية والمسيحية والهندوسية والإسلام واليهودية والطاوية والبهائية.
خليط يقول أن بإمكانها أن تصبح مثالا في التعدد الثقافي والعرقي، أو أن تشتغل بها حربا أهلية لا تنتهي.. وهذا الأخير ما حدث بالفعل.
يحكي «ديفيد مارشال» وهو أول رئيس وزراء لسنغافورة «1955-1965»: «لم تكن لدي نية لاقتحام عالم السياسية، حتى رأيت بإمكاني أن أحدث تغيير وأقلل من حجم العنصرية، بعد أن كان من الطبيعي أن تجد رجلا أبيض يطلب من اليهودي أن يمسح له الحذاء لمجرد أنه يهودي من أصول آسيوية». كان «مارشال» نفسه من أصول عراقية يهودية، وفقًا لـ«National Archives of Singapore».
15 حاجه عاديه خالص ممكن توقعك في فخ قانون الطوارئ
إصلاحات سياسية
لم يدم الوقت طويلا حتى حققت الحكومة إنجازات سياسية سمحت لها بالعديد من الإصلاحات، فعندما جاء العام 1963 استقلت عن بريطانيا، ولم يمضِ عامان آخرين حتى صوت البرلمان في العام 1965 لانفصالها عن الاتحاد الماليزي، وأصبحت جمهورية مستقلة.
بدأت الحكومة الجديدة في العمل بجد لمواجهة أزمات كثيرة تعاني منها سنغافورة مثل الفقر والبطالة وانحدار التعليم والعنصرية والصراع العرقي.
لم تلجأ سنغافورة لخطابات مثل استيعاب الأقليات وعدم اضطهادهم الذي تتبعه بعض الدول، فطبيعة المجتمع ألزمت الحكومة بالاعتراف بالتعددية وعدم السعي لإذابتها في كيان واحد، ومنح الحق لكل فئة عرقية في التعبير عن نفسها وعن حقها في التواجد ونشر ثقافتها وفكرها، مع قانون يكفل المساواة لجميع الفئات، وفقا لكتاب «بناء سنغافورة.. النخبوية والإثنية ومشروع بناء الأمة» لمؤلفاه «زلاتكو إسكربس.. ومايكل دي. بار».
في 4 أسئلة نشرح لك ملخص قانون الطوارئ وتبعات تنفيذه
ماليزيا.. الأغلبية المسلمة وإصلاح الاقتصاد
لا تبتعد ماليزيا كثيرا عن سنغافورة، ولا تختلف عنها كذلك في الطبيعةالدينية والعرقية، غير أن الأغلبية هنا للديانة الإسلامية، تليها المسيحية ثم الهندوسية.
شبح الانقسام الطائفي الذي ساهم في تأخر ماليزيا لسنوات، يطاردها حتى الآن، حتى اللحظة التي يخرج فيها مسئول ماليزي كل فترة ليعلم بأن البلاد لن تسمح بالاستفزاز الديني أو الإساءة لأي دين مهما كان، حتى وإن كان باسم حرية التعبير، حتى لا تنجر البلاد لفتنة طائفية تعيد البلاد للماضي.
في عام 1975 كانت ماليزيا دولة مستقلة عن الاحتلال البريطاني، لكنها غارقة في الجهل والمرض والفقر والحروب الأهلية التي سببتها الانقسامات العرقية والدينية، والتي أشعل فتيلها من البداية الهيمنة الصينية على الاقتصاد على حساب الغالبية الماليزية المسلمة.
إصلاح اقتصادي
وبعد استقلال ماليزيا بدأت في اصطلاحات اقتصادية واجتماعية حجمت كثيرا من الخلافات العرقية والطائفية. وتعتبر فترة رئيس الوزراء «مهاتير محمد» أكثر الفترات التي شهدت اصلاحات واسعة.
ماليزيا الآن واحدة من الدول الآسيوية التي نقلت نفسها إلى مصاف العالم الأول، بإصلاحات اقتصادية وسياسية وتعليمية، وإصلاحات اجتماعية تستهدف القضاء على الطائفية والتمييز على أساس الدين أو العرق.
دولة ذات غالبية مسلمة، ولكن الأحكام الإسلامية لا تطبق إلا على المسلمين فقط في المحاكم الشرعية، ويترك لأصحاب الديانات الأخرى الحق في الاحتكام إلى شرائعهم، كما تضع الحكومة جائزة لنشر قيم التسامح بين الأديان في المجتمع الماليزي.
هذه أدلة المتشدّدين لإباحة القتل والتفجير
الهند وإصلاحات غاندي
بلد العجائب التي تجد فيها مزيجا مشابها من الأديان، الهندوسية، والإسلام، ثم السيخية والمسيحية والبوذية واليهودية.
الهند في أغلب تاريخها الحديث تمتلئ بصراع طائفي، يصل إلى إراقة الدماء، بلغ ذروته بالطبع في ظل الاستعمار البريطاني الذي بدأ منذ عام 1858 وانتهي في 1947.
كانت أكثر المجموعات المتصارعة في الهند هم الهندوس والمسلمون؛ الهندوسية باعتبارها ديانة الأغلبية، والإسلام باعتباره أكبر دين للأقلية؛ وفقا لـ«Religious Harmony Foundation».
فما إن يبدأ خلافا صغيرا للغاية بين هندوسي ومسلم حتى يتحول إلى معركة طائفية يقتل فيها المئات وتحرق فيها المباني.
بدأ الأمر في الاعتدال قليلا بعد المبادئ التي دعا إليها «الماهتما غاندي» الذي كان يمتلك رؤية فريدة للأديان في ذلك الوقت؛ فالاعتراف بحقوق الأقليات هو أحد المبادئ الأسياسية التي دعا إليها في معركته للاستقلال بالهند.
انتكاسة بعد غياب الإصلاح
إيمان «غاندي» بمبدأ المساواة بين الأقليات الدينية، دفعه إلى أن يبدأ إضرابا لفترة طويلة عن الطعام، احتجاجا على فتنة طائفية، ولم ينه إضرابه حتى انتهت هذه الفتنة.
لكن الزعيم الهندي نفسه لم ينجو من هذه الصراعات الدينية، وإن كان قد حاول تحجيمها قليلا، فقد قُتل على يد أحد الهندوس المتعصبين الذي أطلق عليه النار، لأنه ضد دعوات احترام حقوق الأقليات.
قد تكون الهند قد مرت بفترات من الاستقرار السياسي والديني بعد استقلالها عن بريطانيا، لكن هناك تقارير تقول إن الصراع الطائفي في الهند بدأ للعودة بشكل حاد مؤخرا؛ ففي العام 2014 اشتعلت اشتبكات بين الهندوس والمسلمين فى مدينة «جوجارات» توفي ألف شخص أغلبهم من المسلمين، وهجرت عشرات الأسر المسلمة من مساكنها، وتحول بعضهم إلى الهندوسية قسرا.