التلحين ليس للرجال فقط.. هؤلاء النساء خُضْن التجربة بنجاح
ارتبط مجال التلحين في أذهاننا دائمًا بأنه مقتصر على الملحنين الرجال مثل محمد عبد الوهاب، محمد القصبجي، رياض السنباطي، وغيرهم من كبار الملحنين. ولكن هل مجال التلحين بالفعل للرجال فقط؟ التراث الغنائي يحفل بملحنات كن يُلحن الأغاني داخل القصور وفق ما ورد في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
وهناك أيضًا بعض الملحنات ظهرن في العصر الحديث ولكن برغم ذلك نجد أن الملحنات النساء «يتعدوا على الصوابع» مقارنة بالرجال. وهذا يجعلنا نطرح هذا السؤال: لماذا توجد ندرة في النساء الملحنات؟.. هذا ما سوف نجيب عنه بعد أن نستعرض سويًا تجارب بعض النساء مع التلحين.
لور دكاش
مطربة وملحنة من بيروت درست التلحين منذ أن كان عمرها 8 سنوات وكان والدها يدعمها دائمًا لتأخذ خطوات في هذا المجال. وبالفعل أصبحت ملحنة لها بصمة بجانب كونها مطربة وقامت بتلحين أغانِِ كثيرة لنفسها منها لحن أغنيتها الشهيرة «آمنت بالله».
وتلك الأغنية اشتهرت بشكل كبير ولكن لحن الأغنية لم يكتب باسم «لور» وتم كتابته باسم الملحن فريد غصن، الذي أعطى لها تلك الكلمات لتقوم بتلحينها.؛ وطلب منها أن يتم كتابة اللحن باسمه لأنه في ذلك الوقت كان عضو بجمعية المؤلفين والملحنين في باريس. ولم تشعر «لور» وقتها بأي ضيق لأن الأغنية من غنائها وبالتالي فقد حققت بذلك مكسب كبير وقد أحب صوتها الجمهور.
أم كلثوم
لم تستمر «أم كلثوم» في تلك التجربة، فبعد أن قامت بتلحين أغنيتين لنفسها وهما «على عيني الهجر» من كلمات أحمد رامي وأغنية «يا نسيم الفجر» رأت أن من الأفضل أن تركز في الغناء ولم تلحن أي أغاني أخرى.
هذه حكاية أم كلثوم مع الأغاني «الإباحية»!
أسماء حمزة
أسماء حمزة في الأصل هي ملحنة من السودان ولم تخض تجربة الغناء، وقدمت على مدار تاريخها حوالي 90 لحنا ولقبتها قنوات Mbc بأنها أول ملحنة في الشرق الأوسط عام 2002.
عشقت «أسماء» التلحين، والعود بالنسبة لها كان بمثابة صديق عزيز، وأول لحن قدمته كان لقصيدة بعنوان «ياعيوني» من ديوان «ليالي الملاح التائه» للشاعر المصري علي محمود طه. وغنى من ألحانها عدد كبير من المطربين والمطربات منهم خالد عبد الرحمن، وعبد الكريم الكابلي.
وتأثرت أسماء بالطرب المصري سواء أغاني شادية، ومحمد عبد الوهاب، وبالأخص أم كلثوم التي كانت تعشق أغانيها وتحفظها عن ظهر قلب.
كاميليا جبران
يمكن القول إن المطربة الفلسطينية كاميليا جبران كان حب التلحين يجري في دمها، وقد ورثت هذا الحب من والدها صانع الأعواد إلياس جبران وبجانب حبها للتلحين فهي أيضًا تعشق الغناء وطالما غنت وهي صغيرة لأم كلثوم، والشيخ إمام، وسيد درويش.
تجربة «كاميليا» مع التلحين كانت تجربة ناجحة وهذا يتضح من خلال الأغاني التي قدمتها وكانت تحتوي على موسيقى لحنية مختلفة وقد جعلها هذا لها طابع خاص في أغانيها.
وقدمت «كاميليا» بعض تلك الأغاني في فرقة «صابرين» التي انضمت إليها والتي أسسها الموسيقار سعيد مراد وتعتبر تلك الفرقة من التجارب الغنائية والموسيقية التي لها بصمة خاصة في مسيرتها الفنية.
عايدة الأيوبي
أيضًا عايدة الأيوبي بجانب أنها مطربة فهي خاضت تجربة تلحين عدة أغنيات من خلال آلة العود التي تعلمت العزف عليه بمهارة شديدة ونرى ذلك واضحًا في أغنية «يا الميدان»، والتي ظهرت فيه تحمل آلة العود وتقوم بالغناء مع فريق كاريوكي. كما لحّنت أيضًا عدة أغاني أخرى لنفسها نذكر منها أغنية «على بالي»، «مكتوبلي» وبعض الأناشيد الدينية.
هناك بالطبع ملحنات أخريات ساهمن في تقديم ألحان مختلفة داخل التراث الغنائي ولكننا رأينا أن نستعرض سريعًا بعض النساء اللاتي خضن تجربة التلحين عبر الأزمنة المختلفة. وبرغم أن هناك ملحنات أخريات فهذا لا يمنع أن هناك ندرة في وجود الملحنات النساء مقارنة بالرجال.
الكوميديان سعيد صالح.. أضحكنا ودخل السجن
انعدام الجرأة لدى المرأة
تطرق كتاب «المنسي في الغناء العربي» للكاتب زياد عساف إلى الأسباب وراء ندرة وجود الملحنات النساء. وقد وردت تلك الأسباب على لسان بعض الموسيقين والفنانين الذين يرون أن تلك الندرة سببها انعدام الجرأة لدى المرأة وضعف الخيال لديها قياسًا بالرجل.
لكن هذا الأمر - وفق عساف - ليس مقنعا حيث أن المرأة وقفت تغني على المسرح أمام الجماهير الغفيرة فبالتالي هي لديها الجرأة الكافية لتواجه الجميع. كما أنها أبدعت في نظم الشعر والقصائد الذي يعتمد في الأساس على الخيال.
التلحين يحتاج لتفرغ ودراسة
يحتاج التلحين لمجهود وتفرغ ودراسة وربما هذا السبب هو الأكثر إقناعًا وراء ندرة الملحنات النساء. فالمرأة التي تريد أن تصبح ملحنة عليها أن تتعلم بالطبع العزف على العود والتدوين الموسيقي، وتطلع على المخزون الغنائي العربي الأصيل بالإضافة الى أنها لا بد من أن يكون لها علاقات واسعة لكي تتفق مع المطربين وتشرف على تحفيظ الأغاني لمن سيغنيها.
كما أنها تبذل مجهود أيضًا في التوزيع الموسيقي وإدارة الفرقة الموسيقية. وكل تلك الأمور تحتاج كما قلنا إلى مجهود وتفرغ ودراسة لذلك ابتعد الكثيرات عن خوض تجربة التلحين واستسهلن العزف والغناء فقط.
تلحين المشاعر من المحرمات
من الأسباب الأخرى التي تطرق لها الكتاب أن التلحين يعتبر بالنسبة للمرأة هو تعبير عن المشاعر ومكامن النفس الداخلية وهذا الأمر بقى من المحرمات بالنسبة لها لمئات السنين. فالتلحين سوف يكون بمثابة تفريغ الرغبات التي تشعر بها ولن يقبل المجتمع هذا الأمر من امرأة لذا أصبح محرم.
وقد ولد بالطبع هذا رهبة بداخل النساء من خوض تجربة التلحين، وفضلن خوض تجربة الغناء كون كلماتها تعبر عن مشاعر شاعر غنائي أو ملحن آخر.