عندما تُحرم بهجة العيد.. قصائد تبكي واقع البلاد العربية قديما وحديثا

عندما تُحرم بهجة العيد.. قصائد تبكي واقع البلاد العربية قديما وحديثا

عندما نقلب في الشعر العربي القديم، وبالتحديد هذه القصائد الذي قالها الشعراء في العيد، لن نجد الفرحة أو البهجة التي ننتظرها، ولكن سنجد قصائدا تعبر عن أزمات البلاد العربية التي حرمت أهلها من الشعور بهجة العيد.. مدن عربية عريقة يتم تدميرها ونهبها لتسقط بالكامل في أيدي الأعداء، وملوك وأمراء تُنزع عنهم مناصبهم، ويصبحون فقراء معدمين، وأبرياء يلقى بهم في السجون، وطموح سياسي تكون نتائجه وخيمة على صاحبه، الذي يقضي ما تبقى من عمره هاربا لينجو بنفسه من بطش السلطان.

وكأن التاريخ يعيد نفسه منذ عصر الخلافة العباسية، ثم تدمير القيروان وسقوط الأندلس، وحتى احتلال فلسطين في القرن الماضي، ثم الديكتاتورية والفقر الذي تعيشه بعض البلاد العربية في العصر الحديث.

فماذا تكشف لنا قصائد العيد عن هذا الواقع المترابط؟  

شعراء العيد وتدمير الممالك العربية

  • المعتمد بن عباد ورثاء الأندلس

كانت الأندلس شاهدة على الاضطراب والصراع السياسي الذي لم يرحم أهلها وشعراءها حتى في الأعياد.

ففي القرن الخامس الهجري، نجد ملك إشبيلية وقرطبة، المعتمد بن عباد، وقد تبدل حاله، أصبح هاربا في مدينة «أغمات» بالمغرب، بعد أن سقطت مملكته في يد المرابطين، وتتحول بناته من أميرات مُنعّمات إلى فقيرات معدمات.

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا .. فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة .. يغزلن للناس، ما يملكن قطميرا

يطأن في الطين والأقدام حافية .. كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا

لقد أصبح الملك ذليلا، وبناته متسولات، بعد أن كان يأمر الجميع فيمتثلون لأمره:

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا .. فردك الدهر منهيًا ومأمورا

من بات بعدك في ملك يسر به .. فإنما بات بالأحلام مغرورا

  • ابن عميرة المخزومي وسقوط «شَقْر»

تمر السنوات، وتسقط مدينة أخرى من مدن الأندلس وهي «شقر»، لكنها تسقط في يد المملكة المسيحية، ويبكيها الشاعر ابن عميرة المخزومي بقوله:

قد عاد قلبي من شرق أندلس .. عيد أسى فتّه وما فتّر

الروم حرب لنا وهم وشل.. سالمه الواردون فاستبحر

ابن رشيق ورثاء القيروان

وفي تونس، وفي مدينتها العريقة القيروان، يقف الشاعر ابن رشيق، وهو يبكي حال البلاد وسكانها، بعد أن جاء العيد، وقد تدمرت المدينة وشُرد أهلها، على يد الفاطميين، عام 909 م.

كانت صدمة سقوط القيروان عنيفة، وهي أول عاصمة للدولة الإسلامية في أفريقيا، والتي خرجت أهم الفتوحات للبلاد المجاورة مثل المغرب والأندلس، وكان بها أول جامعة علمية في أفريقيا وهي «بيت الحكمة»، إضافة إلى مبانيها الباهرة ومساجدها العريقة.

نُهبت المدينة وقتل أبناءها وهرب منها السكان والعلماء والشعراء، الذين رثوها ورثوا حاكمها المعز بن باديس، بقصائد حزينة للغاية.

تجهم العيد وانهلت مدامعه.. وكنت أعهد منه البشر والضحكا

كأنما جاء يطوي الأرض من بُعد.. شوقا إليك، فلما لم يجدك، بكى

ولابن رشيق قصيدة أخرى شهيرة يصف فيها أهل القيروان خلال تدميرها:

ما بين مضطر وبين مُعذب.. ومُقتل ظلما وآخر عانٍ

يستصرخون فلا يغاث صريخهم.. حتى إذا سئموا من كلأ رنانٍ

بادوا بأنفسهم فلما أنْفَذوا.. ما جمَّعوا من صامت وصوانٍ

العيد وشعراء في الحبس والمنفى

  • أبو فراس الحمداني في السجن

وبسبب هذه  الصراعات دفع الشعراء أنفسهم الثمن؛ فها هو الفارس والشاعر العباسي، أبو فِراس الحمداني يقع في أسر الدولة البيزنطية، ويكتب قصيدة تمتلئ بالشجن عندما يحل عليه العيد وهو داخل الحبس.

يا عيد ما جئت بمحبوب .. على معنى القلب مكروب

يا عيد قد عدت على ناظر .. عن كل حسن فيك محجوب

كانت أحزان أبو فراس في محبسه مضاعفة؛ وهو ابن عم سيف الدولة، أمير الدولة الحمدانية بالشام.. لقد أصبح مثل العبد الذليل، بعد أن كان سيدًا:

يا وحشة الدار التي ربّها  .. أصبح في أثواب مربوب

قد طلع العيد على أهلها .. بوجه لا حسن ولا طيب

ما لي وللدهر وأحداثه .. لقد رماني بالأعاجيب

هناك روايات تقول إن سيف الدولة نفسه، قد تباطئ في السعي للإفراج عنه، حتى ظل بالحبس سبع سنوات، فقد كان يخشى على عرشه، من طموح ابن عمه.

أبو فراس الحمداني له أيضا الكثير من قصائد الغزل، التي عرفت بطابعها الرومانسي، وأشهرها هي قصيدة «أراك عصي الدمع» التي غنتها أم كلثوم

  • المتنبي وطموحه السياسي

ويأتي العيد ليكون ثقيلا على شاعر له طموحات سياسية مرهقة، مثل أبي الطيب المتنبي؛ فهو الشاعر الذي طالما أرهقه الطموح السياسي فكان يتنقل من بلد إلى بلد، ليمدح الحكام، ويخوض الحروب، لعله ينال منصبا يوما ما.

فبعد سنوات يقضيها المتنبي في مصر يمدح حاكمها كافور الأخشيدي، الذي أخلف وعده معه، ولم يعطه أي منصب. يهجره المتنبي، ويحل عليه العيد وهو كالضائع اليائس من تحقيق آماله.

عيد بأية حال عدت يا عيد .. بما مضى أم لأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهم .. فليت دونك بيدا دونها بيد

وما أسوأ أن يأتي العيد، ويصبح الشاعر الطموح، كالروح الممزقة الذي لم يترك الزمن فيها شيئا لتستطيع الفرح بالعيد مثل الآخرين:

لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي.. شيئا تُتيمه عين ولا جيد

يا ساقييّ أخمر في كؤوسكما.. أن في كؤوسكما هَمٌّ وتسهيد

أصخرة أنا مالي لا تُحركني.. هذه المُدام ولا هذي الأغاريد

  • ابن زيدون.. الوزير الهارب

وفي جنة الأندلس يقضي الوزير والشاعر ابن زيدون، العيد هاربًا، بعد أن أوشى به البعض لدى حاكم قرطبة، أبي الوليد بن جهور، وأقنعوه أن الشاعر موالي لحاكم إشبيلية المعتضد بن عباد؛ في الوقت الذي تقسمت فيه الأندلس إلى ممالك صغيرة، كل مملكة تحارب الأخرى.

سُجن بن زيدون، ثم نجح في الهرب من محبسه، وذهب إلى حاكم إشبيليه يحتمي فيه، لكنه لم ينسَ موطنه قرطبة، وظل يراسل ابن جهور لعله يعفو عنه:

يا هل أجالس أقواما أحبهم.. كنا وكانوا على عهد فقد ظعنوا

أو تحفظون عهودا لا أضيعها.. إن الكرام بحفظ العهد تمتحن

إن كان عادكم عيد فرب فتى.. بالشوق قد عاده من ذكركم حزن

وأفردته الليالى من أحبته.. فبات ينشدها مما جنى الزمن

بم التعلل لا أهل ولا وطن.. ولا نديم ولا كأس ولا سكن

اقتبس ابن زيدون البيت الأخير في القصيدة، من قصيدة للمتنبي تحمل اسم «بم التعلل»، وقد غنتها المطربة الجزائرية سعاد ماسي:

العيد والشعر والسياسة في العصر الحديث

  • فدوى طوقان واحتلال فلسطين

ومن سقوط الأندلس والقيروان في الزمن البعيد، تسقط فلسطين بيد الاحتلال الإسرائيلي في العصر الحديث؛ وتكتب شاعرة مثل فدوى طوقان – والتي وصفها الشاعر محمود درويش بأنها أم الشعر الفلسطيني-  قصيدة  تحكي فيها مأساة بنات فلسطين، عندما يحل عليهن العيد وهن لاجئات في المخيمات.

تقول في قصيدة بعنوان «لاجئة في العيد»:

وأراكِ ما بين الخيام قبعتِ تمثالا شقيًا

متهالكًا، يطوي وراء جموده ألمًا عتيّا

يرنوا إلى اللاشيء.. منسرحًا مع الأفق البعيد

أختاه، مالك إن نظرت إلى جموع العابرين

ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفين

أطرقت واجمة كأنك صورة الألم الدفين؟

إنها تطلب من اللاجئات ألا يحلمن بالفرحة، حتى لا يزددن بؤسا، فعندما يغيب الأهل والوطن، ولا يفعل أحد شيئا من أجل فلسطين، فإن العيد يصبح «عيد الميتين»:

فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعور

أختاه، لا تبكي، فهذا العيد عيد الميّتين

  • أحمد مطر والديكتاتورية

ويختار الشاعر الفلسطيني، أحمد مطر، زاوية أخرى ليتحدث عن أزمات  البلدان العربية، فهو يستخدم شعره للسخرية من تمزق العرب والديكتاتورية.

فجميع الأعياد تصبح لديه بلا لون أو طعم، والإنسان لا يستطيع أن ينال حريته، يقول في قصيدة «أعياد»:

قال الراوي:

للناس ثلاثة أعياد

عيد الفطر

وعيد الأضحى

والثالث عيد الميلاد

يأتي الفطر وراء الصوم

ويأتي الأضحى بعد الرجم

ولكنّ الميلاد سيأتي

ساعة إعدام الجلاد

...

قُتل الراوي.

لكنّ الراوي يا موتَى

علمكم سر الميلاد

شعراء العيد والفقراء

  • معروف الرصافي والبكاء على الفقراء

ويختار الشاعر العراقي المعاصر، محمود الرصافي، زاوية أخرى للتعبير عن آلام البلاد العربية، عندما  يبكي على حال الفقراء الذي يأتي العيد ليزيدهم بؤسا.

فالعيد يأتي ليصبح بهجة للأغنياء فقط، أما للفقراء، فهو تجديد للأحزان وتذكير بفقرهم، فالأطفال لا يستطيعون شراء الملابس الجديدة، والآرامل يبكين حظهن المتعثر.

صباح به يكسو الغنيّ وليده ثيابا.. لها يبكي اليتيم المضيَّع

صباح به تغدو الحلائل بالحُلى.. وترفض من عين الأرامل أدمع

ألا ليت يوم العيد لا كان إنه.. يجدد للمحزون حزنا فيجزع

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال