جورج آدامز.. نهاية مأساوية لسكّير أراد توطين اليهود في فلسطين

جورج آدامز.. نهاية مأساوية لسكّير أراد توطين اليهود في فلسطين

مثل كثير من المسيحيين البروتستانت في بدايات القرن التاسع عشر، تملك جورج آدامز رغبة التوجه إلى فلسطين وتوطين اليهود بها بهدف إعداد العالم لاستقبال المسيح الذي سيحكم العالم ألف عام ويعم الخير والرخاء وفق المعتقدات البروتستانتية.

ولد جورج آدامز بولاية نيو جيرسي الأمريكية عام 1811 أو 1813، وكان ابناً لمزارع، وتدرب ليكون خياطاً، ولكن عندما بلغ الثلاثين من عمره نبذ مهنته وعمل في مسرح شكسبير، وابتعد عن موطنه كثيراً.

وصفه معارفه بأنه يبدو ذكياً ومشاكساً، وكان أيضاً مدمناً للخمر، وبعد ظهوره المتكرر ثملاً أثناء العروض المسرحية، مُنع تماماً من الظهور على خشبة المسرح.

الاعتقد بعودة اليهود لفلسطين

في عام 1844 تحول آدامز إلى المورمونية (طائفة مسيحية)، وجمعته صداقة باورسون هايد أول مبعوث من المورمون إلى القدس، وكان يحلم بتكرار وتقليد رحلة حج «هايد» إلى الأراضي المقدسة، ولكن قبل مغادرته كان قد طرد من الكنيسة، بسبب مخالفاته واختلاسه لبعض الأموال.

أسس كنيسة المسيح الخاصة به، ومن منبره وعلى صفحات نشرته الشهرية «سيف الحق ورسول السلام» تنبأ آدامز بالعودة الثانية أثناء عصر الإخاء والازدهار المالي، وكان شرط ظهور هذا العصر الذهبي من وجهة نظره هو إعادة اليهود إلى فلسطين.

بداية الرحلة

توجه إلى فلسطين وأخذ معه مدير مكتب بريد المدينة أبراهام ماكنزي لتقييم مدى تقبله ومعايشته لفكرة الاستيطان، وكان تقريرهما متخماً بالثناء، فقد ادعى آدامز أن تربة فلسطين ممتازة، وأن جوها مشابه تماماً لجو ولاية كاليفورنيا، وبمساعدة الاختراعات الامريكية الحديثة فإنه بإمكان هذا البلد أن يستقبل سنوياً آلاف المستوطنين وجماعات من السياح، وتعليم اليهود الزراعة والفلاحة.

وبسبب هذه المعلومات تمكن آدامز من تجنيد 156 أمريكياً لمساندة قضيته كانوا من الفنانين والصيادين والمزارعين والتجار مع زوجاتهم وأولادهم، وركبوا السفينة «نيللي تشابين» المتجهة إلى فلسطين، ونصح أتباعه بوضع مدخراتهم معاً، وكان مجموعها 42 دولاراً لسداد مصاريف السفر.

استغرقت الرحلة 42 يوماً أي نحو ضعف المدة المقررة، ومع ذلك رفض أي من الحجيج أن يشتكي. ولكن محناً أكثر قسوة كانت بانتظارهم بعد رسو السفينة على خلفية قرار الحكومة العثمانية بعدم السماح بتأسيس أية قواعد أو مستوطنات بروتستانتية جديدة بعد هجوم تعرضت له إحدى المستوطنات وتسبب في خلاف سياسي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك اضطر الحجاج المرافقون لآدامز إلى إقامة مخيم على الشاطئ بين أكوام نفايات الجزارين وقبور ضحايا وباء الكوليرا الذى كان قد ضرب البلاد قبل مجيئهم.

الخطوة الأولى

رغم هذه المنغصات خطط آدامز لإنشاء مدينة على النمط الأمريكي بها كنائس وفنادق وكليتان إضافة إلى إعادة بناء المعبد.

بدأت الخطوة الأولى نحو تحقيق هذه الرؤية أوائل عام 1867، عندما منح نائب القنصل الأمريكي هيرمان لوفنتال وهو ألماني يهودي متحول إلى المسيحية، المجموعة عشرة أفدنة من الأرض الصالحة للزراعة خارج نطاق المدينة.

ومع أن ذلك كان أقل بكثير من الثلاثة ملايين فدان التي وعدهم آدامز بها، فإن المستوطنين شرعوا في العمل فوراً، وفي أيام كان 17 منزلاً سابقة التجهيز مستوردة من ماين (ولاية تقع شمال شرق الولايات المتحدة) قد أعيد تركيبها، وشيد مبنى للاجتماعات.

لكن سرعان ما هاجمت العصابات محصول المزارعين، وعندما حل الشتاء كانوا مهددين بمجاعة، وبعد أقل من ستة أشهر كان 17 أمريكياً قد لقوا حتفهم ضحايا للدوسنتاريا والتعرض للأجواء غير الملائمة.

وصلت تقاير متناقضة بشأن بؤس المسستوطنين إلى الولايات المتحدة، تحدث بعضها عن أن أتباع آدامز يمارسون الحب الحر بدون قيود.

نهاية الحلم

النقطة الفارقة حدثت في الصيف عندما وصلت الوفيات بين أتباع آدامز إلى ستين شخصاً، وبسبب انهيارهم ويأسهم نشر 22 منهم «نداءً إلى القلوب الخيرة والإنسانية جمعاء» في الصحافة الأمريكية، وتوسلوا إلى الحكومة الفيدرالية أن تنقلهم، وكتبوا كثيراً من المخاطبات لعدد من المسئولين اتهموا فيها آدامز بالنصب عليهم وقالوا إنهم فقراء للغاية ولا يملكون أي طعام أو دواء، وأن ممتلكاتهم سرقها «النصاب الشرير آدامز».

أثرت تلك التوسلات في وزارة الخارجية، فخصصت 3000 دولار لنقل المستوطنين، وكان ذلك المبلغ يكفي فقط ستة عشر منهم، ولكن آخرين وجدوا أماكن في سفن تابعة للبحرية الأمريكية، وحذرهم آدامز من أن حالهم سيتدهور وسيصبحون شحاتين وفقراء، لكنه في النهاية رحل معهم تحت ادعاء أنه سيجمع تبرعات للمجموعة في بريطانيا.

وهكذا كُتبت نهاية أليمة لإحدى تجارب الأمريكيين البروتستانت لتأسيس مستعمرة مخصصة لعودة اليهود إلى فلسطين، ولخّص القنصل البريطاني في يافا نويل تمبل مور الموقف قائلاً «فشل المستوطنة الأمريكية في يافا، هو تكرار لمصير تجارب سابقة مشابهة، ولا يبدو أن هناك أملاً في نجاح مثل هذه التجارب».

المصدر

  • كتاب «القوة والإيمان والخيال.. أمريكا في الشرق الأوسط منذ 1776 حتى اليوم». مايكل بي أورن. ترجمة آسر حطيبة.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية