«مهووسون في السلطة.. تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011» زين العابدين بن علي
في السابع من نوفمبر 1987 توجه رئيس الوزراء التونسي زين العابدين بن علي برفقة فريق من الأطباء إلى القصر الرئاسي، ليعلن للرئيس الحبيب بو رقيبة ذي الـ86 عاماً أنهم سيخرجونه من السلطة نظراً لعجزه الجسماني والذهني.
وأعلن «بن علي» في أول خطاب رسمي له بعد الإنقلاب أنه سيتولى السلطة مؤقتاً، بحسب ما ينص عليه الدستور متعهداً بإصلاحات بعيدة المدى، والأهم من ذلك إلغاء الرئاسة مدى الحياة.
لم يكن ذلك سوى مقدمة لـ23 عاما، شهد فيها الشعب التونسي تزواجاً فاحشاً بين المال والسلطة، ولم يكن ذلك ليتم دون مباركة من السيدة الأولى ليلى بن علي طرابلسي. فما هي حكايتها مع السلطة؟ وكيف كتبت نهاية زوجها مع كرسي الحكم؟
بداية فقيرة
تحمل ليلى بن علي طرابلسي التي حلت عليها اللعنة في 2010 باعتبارها المرأة الأكثر كرهاً في تونس مؤشرات السيرة الذاتية النموذجية للشخص النرجسي.
وُلدت في 1957 في عائلة فقيرة جداً من 11 ولداً، وامتلك والدها متجراً يبيع الفاكهة المجففة والحناء والحلوى. توفى الوالد في 1970 واضُطرت أمها إلى العمل لبعض الوقت في أحد الحمامات العامة.
وحالت الرقابة التي سادت عهد بن علي دون نشر المطبوعات لتفاصيل خاصة بطفولتها، إلا أن الحقيقة الوحيدة المؤكدة التي سُمح للصحافة بنشرها هي أنها أصبحت مصففة للشعر.
اللقاء الأول
بالرغم من عدم اتضاح التواريخ بدقة إلا أن اللقاء الأول بين «ليلى» و«بن علي» كان قبل 1986 عندما ولدت طفلتهما الأولى نسرين من خارج رابطة الزوجية. في ذلك الوقت كان الرئيس التونسي الأسبق متزوجاً من نعيمة الكافي ابنة الجنرال محمد الكافي.
احتفظ «بن علي» بـ«ليلى» خليلة له في فيلا مجاورة وترك زوجته بعدما أصبح رئيساً للبلاد في 1987، وفي عام 1992 تزوج بليلى عندما ولدت له ابنته الثانية حليمة، وفي 2005 ولدت ابنهما الأول محمد وأطلق عليه اسم «ولي العهد».
ورغم أن «بن علي» جلب «ليلى» إلى القصر الرئاسي بوصفها الزوجة التي اقترن بها قانوناً، إلا أن الشعب التونسي اعتبرها من مكانة اجتماعية أدنى من مكانة زوجها، ما دفعها لمحاولة تعويض ذلك بالحصول على شهادتي البكالوريا والجامعة عن طريق المراسلة.
نفوذ متزايد
أخذ وجه «ليلى» يبرز باضطراد في القصر وهو مقر القيادة في عملية اتخاذ القرار. وبدا في المرحلة الأولى من وصوله للكرسي الرئاسي أنها لم تمارس أي دور على الإطلاق بالرغم من كونها عشيقة «بن علي»، وهو ما تناسب مع تقديمه لنفسه كرّب أسرة تقليدية مع زوجته وبناته.
ولم يتحول «بن علي» من مصلح مزعوم إلى متسلّط يزيد من سيطرته الرئاسية إلا بعد انفصاله عن امرأته وزواجه بـ«ليلى» في عام 1992.
عقب تحولها إلى زوجة شرعية للرئيس، بات شغل ليلى طرابلسي الشاغل هو ضمان موقع اقتصادي سياسي واجتماعي مأمون، ليس لنفسها وحسب بل لعائلتها أيضاً، وبدا الأمر كما لو أن الفتاة التي تحدّرت من عائلة فقيرة ومرت بالعواقب الاجتماعية السلبية المرتبطة بهذه الخلفية المتواضعة، أخذت على نفسها عهداً ليس ببلوغ موقع بارز وحسب بل بأن تصبح القائد الأعلى، وبأن تكون أفضل وأجمل وأقوى وأكثر عرضة للحسد من أي شخص آخر، وهذا ما يمثل نموذج المرأة النرجسية بامتياز.
تحركت «ليلى» بلا رحمة مستخدمة الوسائل المتوافرة كافة لضمان السلطة على المدى البعيد. وتضمنت هذه الوسائل السحر الذي أخذته على محمل الجد.
وكشف أحد طباخيها في كتاب نُشر بعد الثورة أن الشعائر اليومية قضت بحرق حرباء حية في «الكانون» (موقد بدائي يتألف من أحجار) من أجل الرئيس. كانت «ليلى» تقول له: «عليك بذبح الحرباء، وبتغطيس إصبعك بدمها، وبرسم دائرة حول كاحل الرئيس، كما لو أنك تصنع خلخالاً، ولكن بهدوء، بحيث لا تترك أي فراغ إلى أن تكتمل الدائرة».
الطباخ الذي تلقى الأوامر بشق بطن الحرباء بالطول علّق على هذه الممارسات بقوله «إرادة الرئيس أخذت تتضاءل شيئاً فشيئاً في كل يوم منذ بدأت ليلى بشعائرها، وأخذت توازنات القوى تنتقل تدريجياً إلى معسكر ليلى التي تظهر في كل مرة أكثر قوة وسطوة، فليس عندها من أمر مستحيل. وفي المقابل أخذ عجز الرئيس يصبح أكثر بروزاً».
شبكة عنكبوتية
يشكل هذا النوع من الجنوح إلى السلطة الدافع الأساسي لسلوك الزعيم السياسي الفاسد الذي يُظهر عليه في معظم الأحيان جنون العظمة والسمات لمعادية للمجتمع، وهو ما أضحت عليه السيدة التونسية الأولى.
فقامت مع زوجها بتوزيع أقاربها وأقاربه والأصهار كموظفين في الشبكة الواسعة التي تشمل نشاطات الدولة الحيوية كلها والاقتصاد الوطني. وتضم «العائلة الموسعة» آل بن علي وآل طرابلسي إضافة إلى أقاربهم.
آل طرابلسي، بمعنى «ليلى» وأخوتها وآل مطرب، وهي عائلة نسرين بن علي وزوجها محمد صخر، إضافة إلى آل شيبوب، ومبروك، وزرّوق، وقد تزوج أفراد منهم ببنات بن علي من زوجته الأولى. وضمت الشبكة كلها نحو 60 عائلة بلغت أعدادها المئات من الأشخاص.
نجحت «ليلى» في تنظيم الأمور على نحو يندمج فيه أفراد عائلتها الموسعة جميعاً في شبكة عنكبوتية من المؤسسات المتداخلة والمترابطة في شتى جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس.
سيطرت العائلة على شركات الطيران، والعقارات، والأراضي، والنقل، والاتصالات، والبنوك، والسياحة، ووكالات بيع السيارات، ووسائل الإعلام، والزراعة، والصناعات الغذائية، وغيرها. ولم يوجد أي قطاع في الاقتصاد التونسي لا تديره هذه الشبكة حتى أنها ضمت قطاع السوق السوداء والاقتصاد غير الرسمي.
أسلوب حياة
نظر الشعب التونسي إلى أسلوب حياة «ليلى» على أنه فاضح بالفعل. فقصر سيدي الظريف الذي شيّدته في سيدي بوسعيد أشبه بمعبد منه إلى مقر للإقامة. وعُبّئ الجيش لبنائه الذي استغرق 5 أعوام وجهد العمال في بنائه ليلاً ونهاراً، وجيء بعدة وزارات للإشرف على أعمال محددة حيث تولت وزارة الزراعة على سبيل المثال زرع الأشجار.
وضم المبنى الضخم عيادة خاصة ذات تجهيزات طبية متطورة جداً بما في ذلك منشآت لتوفير العلاج الكيميائي لـ«بن علي»، إضافة إلى عدد كبير من الموظفين.
وفّت «ليلى» بوعدها وأقام أفراد عائلتها في القصر وأخذت بدءاً من 2002 تشترى لهم المنازل. في الوقت نفسه دخلت مجالاً جديداً هو علم الآثار، فأصيبت بهوس امتلاك القطع الفنية القيمة جداً، واستخدمت موقعها لإعادة كتابة قوانين تقسيم المناطق للاستيلاء على مواقع تحتوى على كنوز أثرية ونهب الإرث الفني للبلاد.
وصفهن بـ«الغجر».. الرسائل الخاصة بين السادات وبناته
السيدة الرئيسة
أدارت «ليلى» الرئاسة التونسية وزوجها الرئيس «بن علي»، واستغلت الحالة الصحية المتدهورة لزوجها لتجبر شخصيات الحكومة على معاملتها بوصفها صاحبة الأمر التي يجب إطلاعها على الأمور أولاً وقبل كل شيء، ومن ثم بدأت تصدر توجيهات إلى مسئولين حكوميين رفيعين تتعلق بشؤون الحكم اليومية.
أضحى الشعور الشعبي السائد وشعور حاشيتها المباشرة أن الرئيس المتقادم في السن يتخلى أكثر فأكثر عن السلطة لزوجته الطموح. كافح «بن علي» المصاب بالسرطان للإبقاء على المظاهر فصبغ شعره، وتعاطى الكوكايين قبل ترؤسه الاجتماعات الحكومية، وتمتع أكثر ما يكون بتمضية الوقت مع ابنه ووارثه «محمد» بينما كانت «ليلى» تدير شئون الدولة بطريقة أفضت إلى ثورة شعبية ضد زوجها أو بالأحرى ضدها.