شعر عن القدس.. قصائد قديمة وحديثة تبكي الأقصى الحزين
لطالما كانت القدس موضوعًا مهما في الشعر العربي، سواء في العصور القديمة والحديثة؛ ففي أغلب الأزمنة كانت القدس تعاني الويلات، سواء بسبب الحروب الصليبية أو بعد وقوعها تحت الاحتلال البريطاني ثم الإسرائيلي.
فكيف عبر الشعراء عن أزمات القدس وأحزانها المتلاحقة؟
القدس في شعر الحروب الصليبية
على مر العصور تغنى الشعراء بالقدس، لكونها رمزًا مقدسًا في أوقات السلم والحرب، ولكن منذ أن اندلعت الحروب الصليبية وقد امتلأ الشعر العربي بالقصائد التي ترثي حال القدس، وتحرض الملوك والأمراء على انتزاعها من أيدي الصليبيين؛ وفقًا «أوس يعقوب داوود» في كتابه «ديوان القدس- أجمل ما قيل في القدس الشريف».
-
عماد الدين الأصفهاني
كان عماد الدين الأصفهاني أحد شعراء الدولة الأيوبية، ومقربا لصلاح الدين الأيوبي تحديدًا.
وقد استخدم الاصفهاني شعره لتشجيع الملوك والامراء على إنقاذ القدس من أيدي الصليبيين، فيقول:
أما قد وعدت القدس أنك منجز .. ميعاده في فتحه وظهوره
فمتى تجير القدس من زمن العدى .. وتقدس الرحمن في تطهيره
ويقول:
فَسِرْ وافتحِ القدس واسفكْ بهِ .. دماءً متى تُجْرِها يَنْظُف
وخلص من الكفر تلك البلاد .. يخلصك الله في الموقف
وبعد أن انتصر صلاح الدين في موقعة حطين، كتب الأصفهاني العديد من القصائد التي يمدح فيها القائد الأيوبي ويشيد بفتحه للقدس، مثل:
فلا يستحق القدس غيرك في الورى .. فأنت الذي من دونهم فتح القدسا
ومن قبل فتح القدس كنت مقدسا .. فلا عدمت أخلاقك الطهر والقدسا
وطهرته من رجسهم بدمائهم .. فأذهبت بالرجس الذي ذهب الرجسا
نزعت لباس الكفر عن قدس أرضها.. وألبستها الدين الذي كشف اللبسا
-
عبد الغني النابلسي
ورغم أن أغلب شعر هذه الفترة كان يتناول الحث على المعارك أو مدح الأمراء، لكن قليل من الشعر تناول رثاء القدس والحديث عن مكانتها في النفوس؛ أحد هؤلاء الشعراء هو عبد الغني النابلسي، الذي عاش أيضا في زمن الحروب الصليبية، فيقول في قصيدة يتخيل فيها أنه يعود إلى الوراء لترفرف روحه في سماء القدس:
سلام على الإخوان في حضرة القدس.. ومن محيت آثارهم في ضيا الشمس
سقى الله أياما بهم قد تقاصرت.. وليلات وصل بالمسرّة والأنس
سترت الهوى إلا عن القوم فارتقى.. فؤادي إلى غيب عن العقل والحس
سرير من التحقيق يسمو بأهله .. على العرش في أوج العلى وعلى الكرسي
سريت به ليلا إلى رفرف المنى.. وبي زُج في النور الذي جلّ عن لبس
سماء التجلي بالبراق صعدتها.. وقد غبت عن جسمي الكثيف وعن نفسي
شعر عن القدس في العصر الحديث
منذ أن سقطت القدس في يد الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تبعه الاحتلال الإسرائيلي، ولم يعرف العرب محنة أشد ضرواة من هذه المحنة، التي أثارت مشاعر الأدباء العرب داخل وخارج فلسطين، فخلفوا لنا تراثًأ أدبيا ضخمًا فيما يخص شعر القدس أو شعر المقاومة، وفقًا لكتاب: «ديوان القدس- أجمل ما قيل في القدس الشريف».
ومن هؤلاء الشعراء في العصر الحديث:
-
نزار قباني
لم يكن الشاعر السوري نزار قباني، شاعرًا رومانسيا فقط كما عرفه البعض، فقد عرف بشعره السياسي الذي يثور فيه على كل شيء.. الديكتاتورية وتخاذل الحكام العرب، وكان للقدس نصيب كبير من أشعاره؛ والتي يصفها في إحدى قصائده بقوله «يا بلدي».
بكيت.. حتى انتهت الدموع
صليت.. حتى ذابت الشموع
ركعت.. حتى ملّني الركوع
سألت عن محمد، فيكِ وعن يسوع
يا قُدسُ، يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروبِ بين الأرضِ والسماء
من يوقف العدوان يا بلدي
عليك، يا لؤلؤة الأديان
من يغسل الدماء عن حجارة الجدران
-
محمود درويش
محمود درويش الشاعر الفلسطيني الأكثر شهرة في العصر الحديث، فقد دار أغلب شعره حول المقاومة، وكان تحرير القدس هي قضيته الأولى والأخيرة.
يقول في قصيدة يتخيل فيها القدس في لزمن القديم، زمن الأنبياء، ويقارن بين الماضي والحاضر:
في القدس.. أعني داخل السور القديم
أَسير من زمن إلى زمن بلا ذكرى تُصوِّبُني
فإن الأنبياءَ هناك يقتسمون
تاريخ المقدَّس... يصعدون إلى السماء
ويرجعون أقل إحباطا وحزنا
فالمحبة والسلام مقدسان وقادمان إلى المدينة
كنت أَمشي فوق منحدر وأهجسُ:
كيف يختلف الرواة على كلام الضوء في حجر؟
أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب؟
-
أحمد مطر
أحمد مطر شاعر عراقي يثور على كل شيء، ليس على الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل على العرب أنفسهم الذين تخاذلوا عن نصرة القدس، واكتفوا بالمؤتمرات والبيانات الصحفية والتنديد والاستنكار؛ فيقول:
ارفعوا أقلامكم عنها قليلا
واملأوا أفواهكم صمتا طويلا
لا تُجيبوا دعوةَ القدس
وَلَوْ بالهَمْس
كي لا تسلبوا أطفالها الموت النبيلا!
طفَح الكيل
وَقدْ آن لكم
أَنْ تسَمعوا قولا ثقيلا:
إِنَّنا لَسْنا نَرى مُغتصِبَ القُدْسِ
يهوديا دخيلا
فَهْو لم يقطع لنا شبرا مِنَ الأَوْطانِ
لو لَم تقطعوا من دونه عنا السبيلا
أنتم الأعداء
لا البياناتُ ستبني بيننا جِسرا
ولا فتل الإدانات سيجديكم فتيلا
-
فاروق جويدة
وفي موقف مماثل يهاجم الشاعر المصري، فاروق جويدة، الحكام العرب الذي تخاذلوا عن القضية الفلسطينية، وأصبحوا كالعاجزين ولا يفعلون شيئا غير التعازي والرثاء.
ماذا تبقى من بلاد الأنبياء
لا شيء غير النجمة السوداء
ترتع في السماء
لا شيء غير مواكب القتلى
وأنات النساء
خمسون عاما
نشرب الأنخاب من زمن الهزائم
نغرق الدنيا دموعا بالتعازي والرثاء
حتى السماء الآن تغلق بابها
سئمت دعاء العاجزين وهل تُرى
يجدي مع السفه الدعاء؟