في دهاليز فيلم «الكهف».. الكوكب مال من كُتر الشمال
حين تشاهد إعلان فيلم الكهف المصري، لا تجد مغامرة خيالية في كهف مظلم مهجور وسط الوحوش المرعبة، الكهف في مصر قد يعني المناطق الشعبية بما فيها وحوش بشرية وبطلجية.
رغم أنها فكرة مكررة في أعمال سابقة، خرج فيلم «الكهف» ليعيد حكايتها، فكيف كانت التجربة هذه المرة؟، هل أضافت جديدًا يستحق المشاهدة؟
أهل الكهف
العنوان القديم للفيلم كان «القمر من قريب» ثم تغير إلى «أهل الكهف» وأخيرًا صار «الكهف» فقط، وسبب التغيير في كل مرة هو اعتراض الرقابة، ولعل هذا كان في صالح قصة الفيلم، فهي لا ترتبط بالقمر ونوره، أو أهل الكهف وحسن سيرتهم.
القصة في حارة شعبية تقليدية، يختلف الناس في أخلاقهم وتدينهم، وكالعادة يوجد الكثير من البلطجة، الخيانة، العهر، القتل، والابتزاز، التدين الزائف، الشعور بالذنب والهرب من هذا الكهف إلى كهوف أخرى، أو إلى التوبة في محاولة للتطهر، الكهف هنا مظلم ولا يصله النور إلا بصعوبة.
ظلام الكهف
«الكوكب مال من كُتر الشمال»
قالها أحد أبطال الفيلم مُعلقًا على ملابس جارته الفاضحة، لكننا نكتشف بعدها أنه المجرم الأكبر في حق صديقه الذي يعدّه أقرب الناس إليه، خيانة تشمئز منها نفسك، يدفع ثمنها الصديق الضعيف بالنفي بعيدًا في المقابر، ليكتشف كهفًا آخر ومجرمين آخرين، ويفاجأ بقوته التي غابت عنه.
خط الأحداث هذا بين الصديق وصديقه، كان الأهم والأجدد في الفيلم كله، فقد بالغ في سواد الجريمة، لم تعد مجرد علاقة غير شرعية معتادة، لكنها أسوأ بكثير مما شهدنا، لا يجد المجرم مهربًا سوى الدين، فينخرط في حلقات الصوفية والذكر ليتطهر.
وفي النهاية يلتقي الصديقان، بعدما عرف كل منهما حجم الآخر ومكانته، الحديث عن الصداقة في الفيلم له وزنه، وقد تصدر حملات الدعاية كلها.
خطايا معتادة
لم يقدم باقي الفيلم أي جديد في القصة، هناك بلطجي يتحرش بالنساء، يغرر بواحدة ويهملها، ثم يفتعل المواقف ليرهب جارته الملتزمة ويجبرها على تسليم نفسها له، يفشل ويحاول من جديد حتى يتكرر مشهد السيطرة المعروف، ويصرخ في الحارة بأحقيته كبلطجي في المرأة.
أما الجارة المنحلة فترتبط بالملتحي المتدين، وتفاجأ بالتزامه الظاهري فقط، ويكون الصدام بينهما بمصادفة لا تراعي الحبكة المقنعة، افتعال مقصود كي تمر الأحداث وتصل لمشهد النهاية.
التمثيل والتصوير
رغم تكرار القصة إلا القليل جدًا منها، يبقى التمثيل الجيد والمقاطع المحورية التي تعلق بالذاكرة، خاصة أن الفيلم يشهد عودة ممثلين مهمين للسينما في طاقم العمل، ماجد المصري صاحب العقدة الأهم بالفيلم، والذي يعود على الشاشة بعد ثمانية أعوام منذ ظهوره في فيلم «تلك الأيام» كضيف شرف.
إبراهيم نصر يعود كذلك بعد سبع سنوات من فيلم إكس لارج، وحضوره القوي في الفيلم جعله يتصدر أحد ملصق الدعاية الرسمي، في دور جديد عليه تمامًا، حارس مقابر أو تربي يلقي أحيانًا الحكم والمواعظ، نبرات صوته جاءت معبرة وصادقة.
التصوير ومونتاج الفيلم يجذبك في كثير من المشاهد، خاصة التي تُظهر معنى الكهف من الأعلى، الأمطار الغزيرة والظلام في البيوت التي احتمت من المطر، الحمام الطائر نحو الحرية، لكن تقديم حلقات الذكر جاء مكررًا وضعيفًا، كلمة واحدة يقولها الذاكرون تصيبك بالملل في مكان واحد، مع وجود الفرصة لإظهار الجو الصوفي بكل جمالياته.
العمل الأول لصانعيه
يأتي الكهف كأول أعمال المخرج الشاب «أمير شوقي» بعد عمله كمخرج منفذ ومساعد مخرج في عدد من الأفلام منها«شد أجزاء» و«حياتي مبهدلة» وغيرهم، أما المؤلف «سامح سر الختم» فهي تجربته الأولى كذلك خارج الكوميديا، بعد مشوار طويل مع الممثل محمد سعد في أفلام مثل «عوكل» و«تتح».
هذه التجربة الأولى لكليهما اتبعت النمط المعروف للأسف، جو شعبي مليء بالكليشيهات الثابتة من بلطجة وانحراف وخلافه، تذكرنا مباشرة بأفلام مثل «الفرح» و«الليلة الكبيرة» و«حين ميسرة» و«الألماني»، تطول القائمة في هذه الفكرة، لكن ما جاء في الكهف من فن أقل من نسبة التكرار الممل، حتى أغنية الفيلم الشعبية للمطرب «أحمد سعد» جاءت شبية بأعماله الأخرى، تبدأ بالحزن ثم تتحول للفرح والرقص بعدها.
نور الكهف
تأتي خاتمة الفيلم بشيء من الأمل، النور والخير في الجيل الجديد، الطفل الذي يهرب من كل هذا الظلام، وكمشاهد ستعرف مع هذه النهاية أن الفيلم عند مقارنته بالأعمال الأخرى الشبيهة لن يبقى كثيرًا في ذاكرتك، لكنك تأمل في الخروج من كهف التكرار والإعادة، لأفكار أخرى أجدد وأنصع من فريق العمل نفسه.
المقالات المنشورة في قسم شباك تعبر عن رأي كاتبها وليس لشبابيك تدخل في مضمونها