صاحبك الكوميدي قد يكون مكتئبا.. عن العلاقة بين الكآبة والضحك
في كل شلة صاحب كوميدي، الجلوس معه فقط يعني الابتسام أو الضحك حتى تدمع العيون، وفي اللسان المصري العامي يُسمى هذا الشخص «فقر» أو «فقري».
فما العلاقة أصلاً بين الضحك والفقر؟، وهل حالة الصاحب المضحك هذا على ما يرام؟، أم هو في الواقع أكثر الشلة اكتئابًا ونفسيته «فقر» بالفعل؟
مسرح الكآبة
الصورة الأشهر والأكثر تعبيرًا عن امتزاج الكوميديا والاكتئاب هي لمهرج السيرك الحزين، الشخص الذي تقوم وظيفته أصلاً على الإضحاك ونشر البهجة، هل ينبغي أن يكون سعيدًا بالفعل كما يبدو؟، وماذا عن الممثلين في المسارح الكوميدية أمام جمهور ينتظر النكتة والفكاهة الصادقة من قلب الممثل؟
الأمريكي «جايمي ماسادا» صاحب مسرح «مصنع الضحك Laugh Factory»، من أكبر المسارح الكوميدية في بلاده، صرّح أن 80% من الممثلين لديه يعانون من الاكتئاب ويتابع أغلبهم مع أطباء نفسيين بانتظام، إذن نحن نحكي عن مسرح الكآبة في الحقيقة وليس الكوميديا.
بين ويليامز وياسين
في السينما الأمريكية، يلمع اسم الممثل «روبين ويليامز» كواحد من أبرز نجوم الضحك، وعدد أفلامه المهمة في الكوميديا يقترب من الثلاثين فيلمًا، لكن نهاية «ويليامز» كانت الانتحار في عمر 63 عاما بسبب الاكتئاب.
إسماعيل ياسين نفسه، القطب الكوميدي الشهير في مصر بعشرات الأفلام والمنولوجات الفكاهية، كان في حياته جادًا عقلانيًا شبهه معارفه بشخصية «عاصم الاسترليني» في فيلم «المليونير»، بعيد كل البعد عن البشاشة، وكانت خاتمته حزينة بنوبة قلبية لم يكمل فيها آخر أعماله.
فاقد الشيء قد يعطيه
التفسير الشائع الذي يتبادر للذهن في هذه الحالة، هو أن المكتئب يعرف جيدًا معنى مأساته، هو يتعذب بها في كل وقت، لذا يحاول منح السعادة للآخرين بأبسط الطرق، وهذا ما قاله «روبين ويليامز» نفسه الذي عانى من طفولة صعبة، سخر فيها زملائه من بدانته ولم يجد حلاً سوى إضحاك الآخرين.
خلل نفسي آخر يُذكر في هذه الحالة، وهو الاضطراب ثنائي القُطب الذي يصيب الكثير من الناس، تتأرجح فيه الحالة المزاجية للشخص بين الفرح والاكتئاب الشديدين بلا وسطية، «روبين ويليامز» كان من المصابين به، فكانت درجة اكتئابه كافية لانتحاره بالشنق رغم كل مجده وشعبيته.
الضحك بدل البكاء
الهجوم خير وسيلة للدفاع، ولا شيء يصلح لمواجهة المشاكل والكآبة مثل الضحك والفكاهة، كأنك تهزأ بها ولا تهتم، يسخر المصريين بطبيعتهم من كل شيء، حتى يُطلق على الشعب المصري أحيانًا «ابن نكتة»، وقد رسم قدماء المصريين على جدران المعابد ما يشبه الرسوم الكاريكاترية الساخرة.
لذا فالضحك المتواصل، على أسباب تافهة أحيانًا، قد يعبر عن عذاب نفسي ومعاناة، وكأنه المثل الشهير القائل بأن «شر البلية ما يضحك».
لفت الأنظار
قد يحتاج المكتئب إلى التعامل بالحب والاهتمام، فالاكتئاب ليس سوى افتقاد كل الشغف والتشجيع، لذا يحاول المكتئب أن يلفت الأنظار بهذه الطريقة السهلة والمعروفة، أن يكون ظريفًا مضحكًا.
في العادة، الشخص الكوميدي، الظريف أو المتظرف هو محط أنظار الكل، الجميع يحب صحبته ومجالسته لضمان الضحك معه، وهذه الثقافة انتشرت مؤخرًا في مصر تحت مصطلح «القلش»، فصار الشخص «القلاش» مهمًا، عن طريق عبارات الأفلام «الإيفيه» أو التشابه بين الكلمات وغيرها.
الكوميديا الكئيبة
حتى الكوميديا والسعادة، قد تقود للاكتئاب، فالشخص الذي يعمل في هذا المجال، إن كان ممثلاً أو مهرجًا أو حتى موظف استقبال، يضطر للابتسام والبشاشة إضطرارًا، سعادة مزيفة على وجهه لأجل العمل فقط، هكذا لا يعرف سعادته الحقيقية من المزيفة.
هذا التزييف للسعادة، يفقدها معناها عند صاحبها، يصيبه الاكتئاب مع الوقت، تراه في عمله نشيطًا بشوشًا، لكنه يتمزق من الداخل وقد يرى عمله الكوميدي سخيفًا مبتذلاً.
ذو الوجهين
يقول الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي «إذا رأيت نيوب الليث بارزة..فلا تظنن أن الليث يبتسم»، وهو يعني أن الأسنان اللامعة لا تعني الابتسام، قد تعني الخدعة والخبث، وقد تعني الاكتئاب أيضًا.
فكل بشوش ضاحك، قد يعاني ويحترق ويبكي في صمت، حتى لو كان إسماعيل ياسين أو روبن ويليامز، أو صديق الشلة الذي يجب مساعدته قبل ازدياد الاكتئاب وفوات الأوان.