صدام حسين يكتب روايته «زبيبة والملك».. حين تنبأ باغتصاب أمريكا للعراق
«إن الاغتصاب أبشع جريمة، سواء أكان رجلاً يغتصب امرأة أو جيوشاً غازية تغتصب وطناً»
وردت هذه الكلمات على لسان الشخصية الرئيسية في رواية «زبيبة والملك»، المنسوبة للرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» كأول وأشهر أعماله.
ماذا قصد رئيس دولة مثل «حسين» من كتابة روايات كاملة من فكره؟، ولماذا تتكرر معاني الاغتصاب والحرب فيها، هل هي إشارة سياسية أو دولية تخص العراق والوطن العربي؟.
زبيبة.. العراق التي تحب صدام
رواية الرئيس العراقي الأولى، زبيبة والملك، صدرت عام 2000 دون اسم المؤلف والاكتفاء بكلمتي «رواية لمؤلفها» على الغلاف، مع حملة دعاية كبيرة في البلاد عبر الإعلانات اليومية في التلفزيون والراديو والصحف.
تحكي الرواية عن ملك عراقي محنك من القرن السابع أو الثامن الميلادي، يقع في حب امرأة متزوجة من عامة الشعب تدعى «زبيبة»، والحب هنا عذري بلا تجازوات أخلاقية رغم زيارات زبيبة المتكررة للملك.
في كل زيارة، تحاور زبيبة ملكها في مواضيع فلسفية عديدة، عن الدين والسياسة، سلطة الحكومة وضرورة قرب الحاكم من شعبه، واضطراره لاستعمال الصرامة والشدة أحيانًا، كان الملك يستمع لها بكل إنصات، ويطلب منها المزيد من الحكمة.
التفسيرات الأرجح لفكرة القصة أن الملك هو صدام نفسه، وزبيبة تمثل العراق الفقيرة، في حين يشير زوجها القاسي إلى التدخل الأمريكي، فالزوج في الرواية أكبر عمرًا من زبيبة، اشتراها بالمال كوسيلة رخيصة لتفريع شهواته الجسدية.
اغتصاب العراق.. وموتها
أشارت زبيبة في حوارها للملك، أن الملوك الآخرين أساءوا إلى زيهم العربي، وكأنها تعنى رؤساء العرب المعادين لصدام بالمؤامرات والحرب.
وتبالغ في إظهار حبها للملك، حين تدفع عنه ضربة سيف من ابن عمه شخصيًا، هنا يعني الصدام مع أعوانه في الدولة نفسها وليس من خارجها، لكن زبيبة (العراق) معه وتدافع عنه.
لكن زبيبة لا تلبث أن يوقفها عدد من الرجال الملثمين في الطريق، تسقط من فوق جوادها ليغتصبها أحدهم بوحشية، وظلت تدافع عن نفسها حتى أدركت استحالة نجاتها، حينها تظاهرت بفقدان الوعي فاطمأن لها الرجل، لكنها مزقت عنقه بأسنانها فجأة.
تقول في مقطع من الرواية:
«الأقسى من الاغتصاب هو التسليم به، لقد قاومته حتى اثخنت جراحي وانهد حيلي وصرت جثة هامدة، فهل يلحق بالجثة عار الاغتصاب؟، وهل يلحق العار بالوطن حين يفنى شعبه كله ولا يصير أحد أبناءه قادرًا على حمل السلاح؟ »
عندما عادت إلى بيتها، اكتشفت أن زوجها مصاب في عنقه، فأدركت أن مغتصبها هو نفسه زوجها، فعل هذا من أجل إذلالها وتوقيفها عن زيارة الملك، لكنها عادت لقصره وأخبرته باشتراك زوجها مع الخونة، عليه أن يأمر بإحضاره واستجوابه.
لم يتنظر أعداء الملك وهاجموه بأسرع وقت في اليوم نفسه، لكنه كان على استعداد لهم بفضل الله ثم بفضل زبيبة بلفظ الرواية، فالعراق في جانب صدام دومًا، ومع هذا تنتهي المعركة بموت زبيبة.
ينتقم الملك لها أشد انتقام، وكأنه خالد بن الوليد يمزق أعناق الأعداء بسيفه يمينًا ويسارًا، وتصير زبيبة هي الشهيدة ملهمة الشعب. تنهتي الرواية بموت الملك أيضًا بينما ترتفع هتافات الناس «رحم الله من مات.. والمجد للشهداء.. والمجد لزبيبة.. عاشت زبيبة.. عاش الجيش.. عاش الشعب»
روايات وأشعار «صدّامية» أخرى
بحسب الرواية، كان «حسين» يرى نفسه ملكًا جديرًا بحب زبيبة (العراق)، حتى لو كانت في عصمة ملك آخر غيره (أمريكا)، فهذه العصمة ظالمة باطلة، يرفضها الملك ويستقبل زبيبة في قصره بلا أي شهوات، فهو يريد عقلها وحكمتها فقط.
بعكس زوج زبيبة الآخر الذي اغتصبها بلا آدمية (الغزو الأمريكي)، وماتت في النهاية على يديه، كأنها نبوءة أخرى لما وصل إليه حال العراق فيما بعد، غير أن صدّام نفسه مات في الواقع قبل تحقيق الانتقام بمحاكمة عراقية.
أتبع صدام روايته الأولى بثلاثة أخوات لها، كلها تدور في نفس الفلك، عناوينها ملفتة يعبر فيها عن دولته الآمنة العظيمة مثل «القلعة الحصينة» ثم «رجال ومدينة»، وأخيرًا «أخرج منها يا ملعون» التي هاجم فيها اليهود مباشرة ووصفهم بالملاعين.
غير أن الأعمال الأخرى لم تنل شهرة كبيرة مثل «زبيبة والملك» التي اهتمت بها وكالة الاستخبارات الأمريكية نفسها، في محاولة لفهم طريقة تفكير هذا الزعيم العربي، تمامًا كما حدث مع كتاب «كفاحي» للزعيم النازي «أدولف هتلر».
وكان للرئيس بعض المحاولات الشعرية التي ألقاها في خطبه، كلها تبرز تحديه ومثابرته:
اطلق لها السيف بلا خجل ولا وجل
اطلق لها السيف وليشهد لها زحل
اطلق لها السيف قد جاش العدو لها
فليس يثنيه إلا العــــاقل البـــــــطل
اسرج لها الخيل ولتــــــطلق أعنتها
كما تشــاء ففي اعترافـــــــها الأمل
دع الصواعق تدوي في الدجى حممًا
حتى يبان الـــــــهدى والظلم ينخذل
هل كتب صدام هذه الأعمال؟
يشكك كثير من الباحثين في كتابة الرئيس العراقي لهذه المؤلفات، على الرغم من تواضعها الفني في نظر النقاد، إلا أن مستوى صدام الأدبي لا يرقى بعد لكتابتها، وترجح وكالة الاستخبارات الأمريكية أنها كُتبت بناءً على طلبه، حتى شبكة BBC شككت بأن نجله «عدي صدام حسين» هو الكاتب.
لكن المؤكد أن الرئيس احتفى بأعماله كل الاحتفاء خاصة الرواية البكرية «زبيبة والملك» التي تحولت لعرض مسرحي حضره بنفسه، وجرى التحضير لمسلسل تلفزيوني مستوحى منها من 20 حلقة وفيلم سينمائي كذلك.
بعض الاتهامات وُجهت للأديب المصري «جمال الغيطاني» بأنه كاتب الرواية مقابل مبلغ فلكي من المال، خاصة أنه كتب رواية سابقة باسم «حراس البوابة الشرقية» عام 1975 يمتدح فيها الجيش العراقي، لكن الغيطاني نفى كل هذه الاتهامات ورفع الدعاوي ضد أصحابها.
الحقيقة.. لماذا كتبها؟
الحقيقة غالبًا ظهرت في كتاب «سنوات صدام» الذي كتبه «سامان عبد المجيد» المترجم الشخصي للرئيس والذي صاحبه في الكثير من المواقف وترجم أعماله، فقد ذكر أن مخطوطة زبيبة والملك انتهت في منتصف التسعينات، وأن «حسين» كان مهتمًا بالأدب منذ وقت طويل.
بل إن الرئيس في أشد ساعاته الحرجة في شهر مارس سنة 2003 مع بداية حربه الأخيرة، لم يكن ينظم الدفاعات عن العاصمة مع ابنه، أو يتابع مخططات الحرب في غرفة جنرالاته، بل أرسل أحد أتباعه ليحضر مسودات روايته الأخيرة، وبالفعل أنهاها «صدام» قبل القصف الأمريكي بيوم بحسب تصريح ابنته.
ويعترف مترجم الرئيس بالهدف من كتابته الأدب، لقد أراد مجدًا آخر بخلاف المجد السياسي، وقرر أن يترك بصمته ليصير أديبًا خالدًا، وفي نفس الوقت يعطي العراقيين دروسًا في الحياة والتاريخ من خلال رواياته، عصارة فكره وفلسفته، بل إنه أراد أن يكون كالخلفاء العباسيين راعيًا للفنون، وأجزل العطاء بالفعل لكل الشعراء الموهوبين.
أما الكاتب الأمريكي «جون نيكسون»، فقد ذكر في كتابه «استجواب الرئيس.. التحقيق مع صدام حسين» أن الرويات شغلت الرئيس أساسًا عن حكم البلاد، فهو لم يكن يعرف شيئًا عن أحوال دولته واهتم فقط بأدبه.
يمكنك تحميل رواية «زبيبة والملك» من هنا