عبد الناصر ونزار قباني والقصيدة الممنوعة.. هوامش النكسة
ليس أصعب على أي شاعر من حجب قصيدة له من التداول بين الناس. حدث ذلك مع الشاعر الراحل نزار قباني الذي كتب قصيدة «هوامش على دفتر النكسة» عقب نكسة 1967 إلا أنه فوجئ بمنع نشرها في مصر، غير أن تدخل الرئيس جمال عبد الناصر أزال عنها هذه المصادرة.
القصة كاملة رواها الناقد رجاء النقاش في كتابه «ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء» والصادر عن دار «سعاد الصباح 1992»، حيث كان طرفاً رئيساً فيها.
هجوم عنيف
في أعقاب نكسة 1967 نشر نزار قصيدة «هوامش على دفتر النكسة» في مجلة «الآداب» ببيروت، ويقول في مطلعها: «أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة والكتب القديمة/ أنعي لكم/ كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة/ ومفردات العمر والهجاء والشتيمة/ أنعي لكم/ أنعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة».
وعلى الرغم من أن مجلة «الآداب» لم تدخل مصر لمصادرتها، لكن القصيدة انتشرت، وأصبحت حديث الأوساط الثقافية والشعبية، وعلى أثر ذلك بدأت حملة عنيفة ضد نزار قباني بدأها الشاعر صالح جودت بمقال في مجلة «الكواكب» في 12 سبتمبر 1967 بعنوان «امنعوا أغاني نزار»، وكان «النقاش» رئيساً لتحريرها فرد عليه بمقال في مجلة «المصور».
كتب «جودت» مقالاً آخر بعد أسبوع بعنوان «فضيحة نزار قباني»، طالب فيه الإذاعات العربية بمقاطعة أغانيه، والمكتبات العربية بمصادرة دواوينه، فاستجاب موظفو الإذاعة والتلفزيون وزادوا بمنع اسمه نهائياً من أجهزة الإعلام.
لقاء بيروت
في هذه الأثناء سافر «رجاء» إلى بيروت، والتقى «نزار» ومعه الأديب اللبناني سهيل إدريس، وعبّر الشاعر عن ضيقه وألمه مما يحدث ضده في مصر، فاقترح «رجاء» عليه كتابة رسالة إلى جمال عبد الناصر يشرح فيها الأمر، وأنه سيحملها بنفسه ويبحث عن طريقة لتوصيلها.
كتب «نزار» الرسالة في 30 أكتوبر 1967، وجاء فيها: «سيادة الرئيس جمال عبد الناصر.. في هذه الأيام التي أصبحت فيها أعصابنا رماداً، وطوقتنا الأحزان من كل مكان، يكتب إليك شاعر عربي يتعرض اليوم من قبل السلطات الرسمية في الجمهورية العربية المتحدة لنوع من الظلم لا مثيل له في تاريخ الظلم، وتفصيل القصة أنني نشرت في أعقاب نكسة الخامس من حزيران (5 يونيه) قصيدة عنوانها (هوامش على دفتر النكسة)، أودعتها خلاصة ألمي وتمزقي وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتي العربية، لاقتناعي أن ما انتهينا إليه لا يُعالج بالتوارى والهروب، وإنما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيئاتنا».
«قصيدتي أمامك يا سيادة الرئيس، أرجو أن تقرأها بكل ما عرفناه عنك من سعة أفق، وبعد رؤية، ولسوف تقتنع رغم ملوحة الكلمات ومرارتها، بأنني كنت أنقل عن الواقع بأمانة وصدق، وأرسم صورة طبق الأصل لوجوهنا الشاحبة والمرهقة».
«سيادة الرئيس، إنني أشكو لك الموقف العدائي الذي تقفه السلطات الرسمية في مصر، متأثرة بأقوال بعض مرتزقة الكلمة والمتاجرين بها، وأنا لا أطلب شيئاً أكثر من سماع صوتي».
«يا سيدي الرئيس، لا أريد أن أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزيفه، والمجروح فوق جرحه، أو يسمح باضطهاد شاعر عربي أراد أن يكون شريفاً وشجاعاً في مواجهة نفسه وأمته، فدفع ثمن صدقه وشجاعته».
استجابة ناصر
عاد «رجاء» إلى القاهرة وأطلع أحمد بهاء الدين رئيس مجلس إدارة دار الهلال وقتئذ التي يعمل فيها على القصة، فتحمس «بهاء الدين» وأخذ الرسالة ليوصلها بطريقته.
يقول «رجاء» في كتابه: بعد أسبوع استدعاني محمد فايق وزير الإعلام ليطلعني على رسالة «نزار» وعليها تعليق بخط عبد الناصر: «يُلغى قرار المصادرة بالنسبة للقصيدة ويُرفع أي حظر على اسم نزار أو أي قرار بمنعه من دخول مصر».