ابنه أدمن الخمر وابنته فشلت.. نجيب محفوظ يكشف أسرار صديقه توفيق الحكيم
«ربما أكون قد أحببت العقاد وتعلقت به وتربيت على يديه، وربما أكون تأثرت بطه حسين إلى حد بعيد، ولكن توفيق الحكيم هو الذي ارتبطت به وجدانياً وروحياً وعشت معه سنوات طويلة كظله».
السطور السابقة قالها نجيب محفوظ للناقد الأدبي رجاء النقاش الذي دونها بدوره في كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، وذلك في سياق حديثه عن علاقته بتوفيق الحكيم، والتي يعرضها «شبابيك» بالتفصيل كما جاءت على لسان أديب نوبل.
آخر أيامه
يقول «محفوظ»: علاقتي بالحكيم تعود إلى عام 1947، ففي ذلك العام صدرت روايتي «زقاق المدق» وكان الحكيم من نجوم الأدب، وقد قرأ هذه الرواية ثم طلب مقابلتي، وذهبت إليه في مقهى اللواء.
منذ هذا اللقاء لم تنقطع علاقتي بالحكيم حتى آخر مرة زرته في المستشفى عام 1987، وكانت قبل وفاته بأيام. كانت حالة الحكيم الصحية متدهورة جداً، حتى أنه لا يكاد يتعرف على زواره، ويبدو أنه أصيب بضمور في عروق رأسه أثرت على ذاكرته.
وعندما خرجت من حجرته بالمستشفى قلت لمرافقي في الزيارة الدكتور محمد حسن عبدالله، إنني لم يحدث أن تمنيت الموت لأحد من قبل، ولكن حالة الحكيم جعلتني لا أتمنى له الحياة بهذا الشكل.
لقد أحزنني أن الحكيم يتوهم أشياء غريبة، ويشتكي لي من ممرضته وكيف أنها تريد دس السم له، وكانت الممرضة تنظر إلينا بإشفاق وهي تسمع ما يقوله الحكيم وهي صامتة لأنها تعرف مدى خطورة حالته.
أسرار شخصية
كانت علاقتي بالحكيم حميمة للغاية، وكأن يأتمنني على أسراه الشخصية والعائلية. حكي لي بالتفصيل قصة فشل ابنته «زينب» في زواجها الأول، وقال لي أنني السبب في اكتشاف الأسباب الحقيقية لفشل زواجها، حيث إنها ذهبت مع اختيها من أمها لمشاهدة فيلم «السراب» المأخوذ عن رواية لي، وفوجئن ببكاء زينب الحار أثناء عرض الفيلم. وضغطن عليها لمعرفة أسباب هذا البكاء وعلمن بمشاكلها مع زوجها، وقصصن الأمر على الوالد، فأحضر الحكيم زوجها وأقنعه بالانفصال عنها.
التاريخ السري لأصدقاء نجيب محفوظ.. حشاشين وخمورجية
على المستوى الإنساني كنت أحب الحكيم إلى أقصى حد، فهو لطيف وعلى خلق وحلو الحديث وخفيف الروح. أما الحكايات الشهيرة عن بخله وعدائه للمرأة فهي أقرب إلى الدعاية منها إلى الحقيقة. فكيف يكون بخيلاً من يزوج ثلاث بنات في عام واحد وينفق على زواجهن 15 ألف جنيه، منهن اثنتان لزوجته من زواج سابق. أي أنه أنفق خمسة آلاف جنيه على كل بنت في وقت كان فيه هذا المبلغ يشكل ثروة طائلة.
ومما أعرفه أنه أعطى كل مدخراته لابنته عندما تزوجت، ووصل هذ المبلغ إلى ثلاثين ألف جنيه، أعطتها بدورها إلى زوجها الذي خسر تجارته وكاد يشهر إفلاسه وأنقذته مؤقتاً، لأن زوجها خسر الثلاثين ألفاً من الجنيهات بعد ذلك، ولو كان الحكيم بخيلاً حقاً لحدثت له صدمة عنيفة بسبب ضياع أمواله، وعندما حكى لي الحكيم تلك الواقعة ضرب كفاً بكف ثم استغرق في ضحك متواصل وانتهى الأمر.
عيوب ظريفة
ولكن للحكيم عيباً أعتبره عيباً ظريفاً. كنا - نحن أبناء الجيل القديم من الأدباء – معتادين في أحاديثنا الخاصة أن نحيل أمورنا الشخصية إلى حالة عامة فتتسع المناقشة وتمتد، وكان الحكيم يفعل العكس، إذ يحول القضايا العامة إلى قضايا شخصية.
وقد سافر إلى أوروبا مراراً وتعرف على تيارات أدبية وفنية حديثة، وبدلاً من أن يحدثنا عن هذه التيارات أحال الموضوع إلى حديث عن حياته الخاصة ومواقف له عن أسرته التي اعترضت على اشتغاله بالأدب وهكذا. وكانت جلساتنا كثيراً ما تستغرق ست ساعات كاملة يستولي عليها ويظل يتحدث ونحن نستمع إليه.
ومن المآخذ التي أخذتها على توفيق الحكيم عدم اعتنائه بالسؤال عن أصدقائه إن غابوا، وكنت أنا الذي أسأل عن بعض الأصدقاء الذين قدمهم هو لي، أما هو فلا يهتم.
موت الابن
والحكيم من الشخصيات المنحصرة في ذاتها، ولديه ساتر نفسي يحصنه ضد العالم الخارجي، وهذه الصفات وفرت له الحماية من الإصابة بالإنهيار العصبي أمام فواجع عديدة مر بها في حياته مثل موت زوجته، وموت ابنه إسماعيل في عز شبابه.
حزن الحكيم عليهما بدون شك، ولو أن إنساناً آخر غيره ابتلى بما جرى له ما استطاع أن يتحمل ما تحمله الحكيم. وكثيراً ما حكى لي عن ابنه إسماعيل وعشقه للموسيقى وأنه شجعه على ذلك، وقد ذهبت مع الحكيم عدة مرات إلى حفلات يعزف فيها إسماعيل واستمعنا إليه ونحن في غاية السرور والسعادة.
كان إسماعيل الحكيم موهوباً حقاً، ولمع نجمه باعتباره أول من أدخل موسيقى الجاز إلى مصر، ولكنه للأسف أدمن الخمر التي تسببت في وفاته.