ياسين وبهية.. حقيقة الأسطورة الشعبية التي أوهمنا بها الكبار

ياسين وبهية.. حقيقة الأسطورة الشعبية التي أوهمنا بها الكبار

في المقاهي وجلسات السمر، اعتاد الناس أن يتجمعوا حول الشاعر الشعبي، وكلهم شغف وشوق لما سيحكيه من مواويل وبطولات شهيرة. فيخرج الشاعر ربابته ويغني موالاًَ يقول فيه:

يا بهية وخبريني يا بوي ع اللي قتل ياسين

قتلوه السودانية يا بوي من فوق ظهر الهجين

«ياسين وبهية»، قصة حب تغنى بها المصريون لسنوات، مثل أبي زيد الهلالي، والظاهر بيبرس، وغيرهم من الأبطال الشعبيين، ولكن الحقيقة أننا خدعنا وأن بطلهم «ياسين» كان سفاحًا وقاتلاً من أعتى رجال الإجرام.

السفاح المرعب

صورة ذات صلة

في بداية القرن العشرين عام 1905، ارتجف أهل الصعيد رعبًا في قنا وحتى أسوان، بسبب «الشقي ياسين» كما سمته الصحافة وقتها، وكان أعنف وأفظع سفاح عرفته مصر في ذلك الوقت، يكسب رزقه بقتل الأبرياء لمن يستأجره.

مع كثرة ضحايا «ياسين»، زادت شعبيته كمجرم لا يواجهه أحد، حتى صار مجرد اسمه يثير الفزع بين الناس، وكان المجرم سعيدًا بهذا كأنه أبو زيد الهلالي.

فشلت كل محاولات السلطات والشرطة في القبض على «ياسين» حتى اطمأن، لكن المفاجأة كانت في انتظاره، بوصول ضابط مصري محنك إلى منطقة نفوذ السفاح، يُدعى محمد صالح حرب.

الضابط الرحالة

اللواء محمد صالح حرب

ولد اللواء محمد صالح حرب في مركز «دراو» التابع لمديرية أسوان، وجمعته المدرسة الإبتدائية بالكاتب الكبير عباس العقاد، وانطلق كلاهما بحثًا عن هدفه، فاتجه «العقاد» للأدب والصحافة، والتحق صديقه بالجيش ليصير عسكريًا محترفًا.

بعد تخرجه من مدرسة خفر السواحل، عانى «حرب» من سيطرة الإنجليز على الجيش المصري، ولم يتحمل تكبرهم فهاجر إلى ليبيا سنة 1915، لمشاركة أهلها في مقاومة الاحتلال الإيطالي، وبعدها إلى إسطنبول للحرب في صفوف الدولة العثمانية.

ومع مقاومة «حرب» للإنجليز حكموا عليه بالإعدام، لكنه عاد لمصر بعد قيام ثورة 1919 وتشكيل حزب الوفد ليصبح أحد أعضائه، ثم فاز بعضوية مجلس النواب في أسوان مسقط رأسه، وبعد حل المجلس صار وكيلاً لمصلحة السجون ثم مديرًا لخفر السواحل وأخيرًا وزير الحربية أيام الحرب العالمية الثانية.

 وكانت آخر مناصبه في رئاسة جمعية الشبان المسلمين التي ازدهرت في عهده، حتى وافته المنية سنة 1968.

«ياسين» يواجه «حرب»

نتيجة بحث الصور عن الصحراء

في بداية خدمته بالجيش المصري، توجه «حرب» في مهمة عسكرية إلى وادي حلفا بالسودان، من أجل شراء سرب من الجمال للخدمة في سلاح الهجانة.

وحين عاد الضابط الشاب على رأس قطيع الجمال، استراح في أحد الأودية المجاورة لجبال أسوان، ليخبره أحد أتباعه بوجود رجل بدوي أمام إحدى المغارات نائمًا وفي يده بندقية، ذهب الضابط يستطلع الخبر فأمطره البدوي بوابل من الرصاص.

وكان «حرب» يعرف بخبر «ياسين»، الشقي المجرم الذي لم يقبض عليه أحد، فشعر بشكل ما أن القدر وضعه في مواجهته، فلن يتردد في قتاله، إما قاتلاً أو مقتولاً.

حيلة الضابط

نتيجة بحث الصور عن مغارة

فر ياسين ليحتمي في المغارة، فلم يجد الضابط فرصة لدخولها لأن «ياسين» يحفظ معالمها بالتأكيد وسيهزم فيها أي عدو، لذا لم يجد الضابط حلاً سوى إخراجه من المغارة بالحيلة.

استدار «حرب» نحو قمة التل الذي يعلو فتحة المغارة، وأسقط حبلاً فيه حزمة من البوص المشتعل، وحملت الرياح دخان الاحتراق إلى المغارة، فشعر «ياسين» بالاختناق ولم يجد حلاً سوى الخروج للمواجهة الفعلية.

كانت معركة عنيفة بين «ياسين» والجيش، لكن سلاح الهجانة صوّب أربع رصاصات أصابت الشقي، واحدة نفذت لقلبه مباشرة وأسقطته غارقًا في دمه.

دخل الضابط وأتباعه المغارة، ليجدوا زوجة «ياسين» تصرخ في رعب مع طفلها الصغير، وحين أخرجوها وشاهدت جثة زوجها أصابها فرح عظيم لرحيل المجرم الذي عاشت معه في خوف، بل إنها راحت تزغرد وتهتف: «بركة لي.. بركة لي».

أسطورة «ياسين» وبهية

منذ مات «ياسين» في بداية القرن وحتى الثمانينات، تكررت حكايته على ألسنة الشعراء كأنها تراث شعبي، بشكل مزيف، وأشهرها موال محمد طه بعنوان «يا بهية وخبريني»، ليصبح «ياسين» بطلاً يقاوم الظلم وينشر العدل ويدافع عن كل الأبرياء.

بعدها تبارى أهل الفن في استخدام الحكاية بكل الأشكال ومختلف الظروف، مثلما كتب الشاعر نجيب سرور رواية شعرية بعنوان «ياسين وبهية»، ثم أنتجت السينما المصرية فيلمًا بعنوان «بهية» سنة 1960 عن سيناريو للأديب يوسف السباعي، وأخيرًا في سنة 1982 يعرض التليفزيون مسلسل «ياسين وبهية».

حقيقة الأسطورة

لم تظهر الحقيقة على الشاشة للجمهور إلا عام 2017 في فيلم «الأصليين»، حين قرأ البطل في صحيفة الأهرام سنة 1905 خبر القضاء على المجرم، وأن «بهية» نفسها كانت عشيقة «ياسين»، فقال جملة الفيلم المحورية عن التزييف والخداع «دي بهية طلعت شمال».

ويتساءل المؤرخ جمال بدوي عن سبب هذا «التحوير» في الحكاية، من مجرم وعشيقة إلى بطل ورمز. وقال إن هذا حال الجماهير، تبحث عن البطل بكل شكل، عن الخارق المنقذ، تصنعه في خيالها لو لم تجده في الواقع، حتى لو كان بعيدًا كل البعد عن الشرف والبطولة.  

المصدر

  • *مصر من نافذة التاريخ.. جمال بدوي

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة