«ياما جاب الغراب لأمه».. لماذا نتشائم من الغراب؟
اعتاد العرب التشاؤم من الغراب، وذكروه في أشعارهم، وظلت هذه الظاهرة منتشرة حتى اليوم في الأمثال الشعبية. فما سر اعتبار هذا الطائر نذير شؤم؟
الغراب وأول جريمة في التاريخ
حين نعود للنصوص الدينية في التوراة والقرآن، نجد أن ذكر الغراب ورد في قصة ابني سيدنا آدم، الأخوين قابيل وهابيل، وكيف انتهت قصتهما بطريقة دموية مرعبة.
حين أراد قابيل أن يعصي أمر الله ويتزوج أخته الجميلة التي لا تحل له بدلاً من زوجته أخت هابيل القبيحة، أمر الله الأخوين أن يقدم كل منهما قربانًا إليه، فمن يتقبل الله قربانه فهو الذي على حق.
وتقبل الله قربان هابيل، لكن قابيل لم يرضخ لهذه النتيجة وقتل أخاه فوجد جسده هامدًا خاليًا من الروح، لم يعرف ماذا يفعل بجثته، لذا أرسل الله غرابًا ليدفن أخاه أمام قابيل كي يتعلم الإنسان ماذا يفعل بالموتى.
لهذا السبب، صار الغراب يذكر الإنسان بالجريمة والموت والقبر، فأصبحوا يتشائمون منه، رغم أنه أفادهم ولم يفعل شرًا، كما ورد في كتاب «التفاؤل والتشاؤم: تأصيل نظري ودراسة ميدانية» لمحمد حسن غانم.
الغربة من الغراب
انتشر التشاؤم من الغراب في الريف المصري، كلما طار الغراب فوقهم أو هبط على الأرض أمامهم، يخافون زوال الخير وقدوم الشر، ومن أمثالهم الشهيرة حينما يرون الغراب «خير خير أزعق يا طير» وكذلك «إن كان شر خده وأنّجر».
والعرب في التاريخ القديم، تشائموا من الغراب بنفس الطريقة بسبب شكله ونعيقه (صوته) وحركاته، خاصة أن الغراب كان يسكن أسطح بيوتهم حين يذهبون للبحث عن طعامهم وطعام بهائمهم، لقد صار الغراب يذكرهم بالغربة والترحال، ويقال أن كلمة غربة أصلاً جاءت من الغراب.
6 أفلام هتعجبك لفيلسوف التشاؤم «وودي آلان»
غراب البين
وفي ديوان الشاعر «جميل ابن معمر» الشهير بجميل بثينة، يتشائم من الغراب في أبيات شعرية فصيحة، ويذكره كما يشتهر باسم «غراب البين»، والبين يعني الفراق في اللغة الفصحى، فالشاعر يعتبر الغراب رمزًا صريحًا لفراق الأحبة.
يقول الشاعر «جميل» في هذه الصدد:
ألا يا غراب البين، فيم تصيح؟
فصوتك مشنى إلى قبيح
وكل غداة لا أبا لك، تنتمي
إلىّ، فتلقاني وأنت مشيح
وشرح الأبيات أن الشاعر يلوم الغراب على قبح صوته، وكل مرة يلقاه الشاعر يظنه متضايقًا منه، بسبب منظره العابس.
ياما جاب الغراب لأمه
أما المثل الشعبي الشهير «ياما جاب الغراب لأمه»، والذي قد نذكره للتحقير من قيمة الهدية أو حتى قيمة شخص تعرفنا عليه عن طريق شخص آخر، وكأن الغراب لا يأتي إلا بكل شيء حقير وتافه.
الدكتورة ريهام فاروق في كتابها «مع نفسك» ذكرت أصل هذا المثل، فالغراب يحب كل الأشياء التي تلمع في الشمس ويجمعها في مخزن خاص به، مثل قطعة زجاج مكسورة أو صفيح لامع، فالغراب لا يعرف أن الشيء تافه أو حقير، هو يبحث عن اللمعان والبريق فقط.
وقد انتشرت قصة الطفلة الأمريكية «غابي مان» ذات السنوات الثمانية التي اعتادت إطعام الغربان الخبز والفول السوداني، لتمنحها الغربان هدايا مقابل طعامها.
وتشمل هذه الهدايا حبات خرز لامعة، وقطع مختلفة من الزجاج والمعدن، جمعتها الطفلة ولا ترغب في الاستغناء عنها.
حقيقة الأمر
في كتاب «هادم الأساطير» يشير دكتور أحمد خالد توفيق، إلى حقيقة الربط الخاطئ بين الغراب والشؤم، فالإنسان ينسى الأصل وتبقى معه الذكرى، ينسى جريمة قابيل ويتذكر الغراب فقط.
وحقيقة الأمر أن الغراب بريء من هذه التهمة، فهذا الربط الخاطئ كثيرًا ما يفعله الإنسان ويسمى «ارتباط شرطي»، فحين يصاب بالزكام مثلاً ويمسح على ظهر القط بالصدفة ويجد نفسه بصحة جيدة، سيظن أن مسحه على القط هو الذي عالجه ويتفائل به، مع أن الأمر ليس إلا صدفة بحتة.