الحاكم بأمر الله الفاطمي
الحاكم بأمر الله سيخرج من «شارع المعز» ليملأ الأرض عدلا.. قصة خرافة يعتنقها البهرة
كما كانت حياة الحاكم بأمر الله الفاطمي مليئة بالعجائب، فإن نهايته هي الأخرى كانت نهاية مُلّغزة، وربما لن يعرف أحد كيف حدثت.
الحاكم بأمر الله (985 – 1021) هو الخليفة الفاطمي السادس، وحكم من سنة 996 إلى 1021. اتسمت فترة حكمه بالتوتر، فقد كان في خلاف مع العباسيين الذين كانوا يحاولون الحد من نفوذ المذهب الإسماعيلي وهو المذهب الرسمي للخلافة الفاطمية، كما دخل في صراع آخر مع القرامطة.
اختفاء غامض
في ليلة 13 فبراير سنة 1021 اختفى «الحاكم» بطريقة يكتنفها الغموض، حيث خرج إلى المقطم (وفي رواية إلى حلوان) وطلب إلى حارسيه انتظاره وابتعد عنهما في الجبل، ولم يرياه بعد ذلك أبداً.
ولما عادا في الصباح إلى القصر أخبرا بما تم، فذهب الناس يبحثون عنه، وبعد 5 أيام وُجد ثيابه وبها آثار طعنات، ولكنهم لم يتوصلوا أبداً إلى جثمانه الذي ربما أكلته الحيوانات الضالة.
وتشير روايات بعض المؤرخين إلى أن سيدة المُلك أخت «الحاكم» الكبرى بالاتفاق مع سيف الدولة الحسين بن علي بن دوّاس الكُتامي، كانا وراء عملية اغتياله بعد أن اتهمها في شرفها، ولخوف ابن دواس على نفسه من الحاكم.
وسيدة المُلك كانت امرأة واسعة الإدراك، وكانت ترى في تصرفات أخيها التي تراوحت بين خروج على ما ارتضاه آباؤه وهتك لناموس الشريعة، بالإضافة إلى ادعائه الألوهية وثورة المسلمين السنة عليه وخشيتها أن يقتلوه وبقية بيته، رأت في ذلك ما قد يُخشى معه ذهاب البيت الفاطمي وسقوط دولتهم.
المعتزلة بين التاريخ والحاضر.. محاولة للفهم
تأليه الحاكم
وكان فريق من الدعاة الفرس بقيادة الحسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم، وحمزة بن أحمد اللباد الزوزني، ومحمد بن إسماعيل أنوشتكين الدرزي قد وصلوا القاهرة في سنة 1017 وأعلنوا تأليه «الحاكم»، وحاولوا فرض هذه العقيدة على أهل الفسطاط.
ترك «الحاكم» هؤلاء الدعاة يقومون بالدعوة إلى الدين الجديد دون دعم منه، وإن لم يمانع في منح تعاطفه لحركة تحاول أن تجمع الدولة حول شخصه، وتطلق على أتباعها اسم «الموحدين».
حاول دعاة الدين الجديد تحويل أهل الفسطاط إليه، ومدوا تحدياتهم إلى داخل جامع عمرو بن العاص نفسه مركز المقاومة السنية، حتى وقعت مصادمات بين الطرفين، وشهدت الفترة من 1017 وحتى 1019 سلسلة من القتل والاغتيالات قتل أثنائها الداعي محمد بن إسماعيل الدرزي أثناء سيره في موكب الحاكم.
عودة جديدة
وقد ساعدت الطريقة التي اختفى بها «الحاكم» أنصار الدين الجديد الذي تزعمه حمزة بن محمد الزوزوني إلى الدعوة إلى مذهبهم والقول باختفاء الحاكم وغيبته ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً مرددين في ذلك فكرة المهدية.
لكن هذا المذهب وأتباعه لم يجد في مصر أرضاً خصبة له فخرج به «الزوزوني» وأصحابه إلى بلاد الشام وخاصة في صيدا وبيروت وساحل الشام.
كما أعطى هذا الاختفاء الغامض لـ«الحاكم» فرصة لطالبي الشهرة الذين ظهر منهم من يدّعي أن «الحاكم» لم يمت وأنه عاد من جديد.
وما زالت طائفة البُهرة الشيعية تقّدس الحاكم بأمر الله، وتعتقد بأنه حي ولم يمت وأنه سيخرج يوماً من خلال إحدى حوائط مسجده الكائن بشارع المعز لدين الله الفاطمي بمنطقة الجمالية لينشر السلام والعدل بين الناس.