رئيس التحرير أحمد متولي
 سلطنة عمان الهادئة.. كيف يتعايش المتصارعون تحت حكم الإباضية؟

سلطنة عمان الهادئة.. كيف يتعايش المتصارعون تحت حكم الإباضية؟

مُلفت للنظر أن سلطنة عُمان التي تقع في الخليج العربي المليء بالصراعات السياسية، مستقرة وبعيدة عن المكائد بالرغم من تعدد طوائف مواطنيها واختلافهم في المذهب الديني.

ولعل المذهب الإباضي المعمول به في السلطنة رسميا والمقرر في مناهج التدريس بالمؤسسات التعليمية له صلة بهذا الأمر، حيث يؤكد معتنقوه باستمرار على السماحة في الفكر مع المذاهب الأخرى التي يعتنقها كثير من المواطنين كالشيعة والسنة.

بالرغم من الاختلاف الواضح بين المذهبين الإباضي والسني إلا أن سلطنة عمان استضافت المفكر السني عدنان إبراهيم في حضور الآلاف من المواطنين بترحيب من الجهات الرسمية

وعلى الرغم من الاختلاف الواضح بين المذهبين الإباضي والسني إلا أن السلطنة الإباضية قد استضافت المفكر السني عدنان إبراهيم في حضور الآلاف من المواطنين في فبراير 2017 بترحيب من الجهات الرسمية، واستقبال من الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، ورئيس البرلمان علي الشيخ.

وفي مناظرة متوفرة على موقع يوتيوب بين داعية عماني على المذهب الإباضي وآخر سلفي من دولة أخرى، قال الأول إن السنة والشيعة وغيرهم من جميع الأفكار المخالفة يعيشون معهم في سلام والجميع يتقبل الاختلاف ولا تضييق على أحد.

ويعلق عدنان على زيارته فيقول إن التسامح والتعايش في عمان لا مثيل له، إحدى المرات صليت المغرب جماعة ثم تحدث رجل في الأمور الفقهية بنبرة مصرية، قال الشيخ المصاحب إن هذا الرجل مصري يعلم الإباضية الفقه الشافعي.

وأضاف «ناقشني أحد أهلم العلم والقدر هناك في أمور العقيدة فأجبته على مذهب أهل السنة وهو يبتسم فقط وانتهى النقاش هكذا، ولم يتدخل أحد من العلماء الجالسين لينصره عليّ».

وفي زيارة للإعلامي أحمد الشقيري، يوضح بالتصوير أن التعايش في عمان يظهر في المسجد بالصلاة ابتداء من الاختلاف في رفع اليدين في تكبيرة الإحرام إلى التسليم، فالإمام يسلم تسليمة واحدة ومن المأموين من يكمل التسليمة الثانية وحده، وبعد الصلاة لا تجد من يتفلسف على الآخر أو ينكر عليه أو يدعي صحة فعله دون الآخر.

مناهج التعليم في عمان

​​​​​​​يعلق أحد العُمانيين «هنا نحن ندين بدين الإسلام لا بدين المذهب، من البداية في المدرسة الإبتدائية نعيش على منهج واحد، ليس هناك إثارة لمسائل الاختلاف والتعصب ولا أحد ينشغل بزميله من أي طائفة هو، المنهج الدراسي يربي ذلك في الطلاب، المعلم مُدرب ولا يتدخل في القضايا السياسية أو المذهبية والقبلية».

جميع المناهج الدينية في كل المدارس قائمة على المذهب الإباضي، والمعلم في المدارس عنده لاءات منها «لا للتدخل في القضايا السياسية، لا للتدخل في الأمور المذهبية والقبلية» وهناك عقوبات قانونية لمن يخالف. 

في كتب التربية الإسلامية بالسلطنة نماذج نظرية تعكس الحالة العملية للتعايش بين المختلفين،  منها درس عن الأخُوة يتعلم فيه الطلاب الحديث النبوي الذي فيه «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا»، مكتوب في شرح كلمة «إخوانا»: ولا تتحقق تلك الأخوة الإسلامية إلا بترك التعصب سواء كان لوطن أو لقبيلة أو للون، والبعد عن عوامل الفرقة وأسبابها.

جميع المناهج الدينية في كل المدارس قائمة على المذهب الإباضي، والمعلم في المدارس عنده لاءات منها «لا للتدخل في القضايا السياسية، لا للتدخل في الأمور المذهبية والقبلية» وهناك عقوبات قانونية لمن يخالف. 

ويرجع الإباضية سبب استمرارهم وبقائهم إلى الآن، أنهم لم يقيموا منهجهم الفكري على أنه ليس في الدنيا إلا مؤمن وكافر، بل على احتمال اختلاف الناس وهجر التكفير والانقسام.

الإباضية ونشر الإسلام في إفريقيا

والمذهب الإباضي منسوب إلى عبدالله بن إباض، عاش في النصف الثاني من القرن الأول الهجري وهو تلميذ التابعي جابر بن زيد الذي يرى الإباضية المعاصرين أنه المؤسس الأول للمذهب وأنهم نسبوا لابن إباض لأنه أول من هجر بالآراء السياسية المعارضة للحكم الأموي.

ويذكر عبدالهادي التازي في دراسته «المغرب في خدمة التقارب العربي الإفريقي»، أن أول دخول الإسلام إلى أقاليم إفريقيا كان على يد الإباضية الذين كانوا يطاردون من الحكومات السنية التي هيمنت على شمال القارة الإفريقية، فيهاجرون إلى قلب القارة وغربها.

المذهب والسياسة في عمان 

وسلطنة عمان التي يحكمها السلطان قابوس منذ عام 1970،  ليس فيها أحزاب سياسية، لكن يحق الانتخاب لكل مواطن بلغ 21 سنة في اختيار مجلس الشورى.

ويقبل المذهب الحاكم فكرة «حكم الطاغية» «والإمام المتغلب في التعبير التراثي»، استنادا  لمقولة جور ستين سنة خير من فتنة ساعة، مع كراهة ذلك الحكم والبراءة منه.

وفي كتبهم أنهم لا يحاربون إلا من بدأهم بالحرب، وإذا كان المحارب مسلما لا يأخذون غنائم ولا يُقتل النساء ولا الأطفال ولا يؤخذون في الأسر.

ويقبل المذهب الحاكم فكرة «حكم الطاغية» «والإمام المتغلب في التعبير التراثي»، استنادا  لمقولة جور ستين سنة خير من فتنة ساعة، مع كراهة ذلك الحكم والبراءة منه.

الموقف من الصحابة​​​​​​​

ويتحدث الفقيه والمؤرخ العماني سالم السيابي عن موقف الإباضية من الصحابة فيقول إن الخليفتين أبا بكر وعمر إمامان راضيان مرضيان توليا أمر المسلمين بإجماع الأمة، وأن عثمان قد أخذ الإمامة وبايعه المسلمون. 

ثم يضيف في كتابه «أصول المناهج في تمييز الإباضية عن الخوارج»، أن بعض المسلمين أخذوا على الخليفة عثمان بن عفان أشياء وانتقدوه في أخرى ثم أنكروا عليه أمورا حتى قتلوه، مؤكدا أن الإباضية بريئون من دمه وماله.

ويتابع الكاتب « ثم بايعوا علي ابن أبي طالب على ما بايعوا عليه من قبله ثم اختلفوا عليه فشاركوه في سياسته وتلاعبوا بأمره – يقصد مشاركة معاوية له في الحكم-، إلى أن جاءه منهم من قتله –وهم الخوارج-، وأن الإباضية لم يشاركوا في قتله والحكم لله يوم القيامة.

الإباضية والخوراج

بعض الباحثين في الفرق الإسلامية عدّوا الإباضية طائفة من طوائف الخوارج، ويرجع ذلك إلى ظروف النشأة ومعارضتهم سويا للحكم الأموي، إلا أن الإباضية أنفسهم ينفون تلك الصلة بل يذهب السيابي في كتابه السابق إلى «أن الخوارج في حكم الإباضية مشركون لأنهم يحرمون بعض ما أحل الله ويحرمون بعض ما أحله الله وينكرون بعض الثوابت الإسلامية في السنة».

في المذهب الإباضي الاجتهاد مسموح به لكل عالم في كل حين، ومحظور على كل جاهل في كل حين، كما أن الفروق الفرعية بينهم وبين المذاهب الأخرى، تعتمد على قبول الروايات أو ردها.

الإباضية والفقه

ومصادر التشريع عندهم هي القرآن والسنة والإجماع والقياس والاستدلال، والاستدلال يدخل تحته الاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة،  ويطلقون على هذا كله «القرآن والسنة والرأي».

والمذهب الفقهي الإباضي يعتمد على مرويات جابر بن زيد، التي جمع أكثرها في مسند الربيع بن حبيب الفراهيدي المسمى بالجامع الصحيح، وهي موجودة في كتب السنة الأخرى، وكتاب المدونة لأبي غانم بشر بن غانم الخراساني.

وفي مذهبهم أن الاجتهاد مسموح به لكل عالم في كل حين، ومحظور على كل جاهل في كل حين، كما أن الفروق الفرعية بينهم وبين المذاهب الأخرى، تعتمد على قبول الروايات أو ردها.

عبد السلام صلاح

عبد السلام صلاح

صحفي مصري مهتم بالكتابة في الموضوعات الثقافية والتاريخية