الإسلام ومرتكب الكبائر.. لماذا لن يُكفر الأزهر «داعش»؟
يطالب كثيرٌ من متصدري الساحة الإعلامية المصرية، شيوخَ الأزهر الرسميين بتكفير تنظيم داعش، لأسباب تتعلق بحوادث القتل والدماء أو ارتكاب الكبائر والجرائم، فهل هذه الأفعال -رغم خطورتها- كافية للتكفير؟ وهل للقضية أصل في التراث الإسلامي؟
الأمويون وقضية مرتكب الكبيرة
بنظرة على تاريخ المذاهب الفكرية الإسلامية، نجد أن قضية مرتكبي الكبائر قد نشأت كتقويم للدولة في بدايات حكم الأمويين ونشوء حركات المعارضة السياسية التي قوبلت بالاضطهاد والقمع، حين بدأ الناس في البحث عن التغيرات السياسية الجديدة التي أحدثها الأمويون ومن معهم عن عهد الخلفاء الراشدين.
وفرضت الحياة الفكرية والسياسية في ذلك الوقت سؤالا يتعلق بالحكام الأمويين، هل هؤلاء الذين يرتكبون الكبائر ويقترفون المظالم مؤمنون أم كافرون أم منافقون أم في منزلة بين الكفر والإيمان؟
فضائيات تهاجم مناهج الأزهر دون دليل
الأزارقة وتكفير الأمويين
واتساقا مع المغالاة التي اتبعوها منذ نشأتهم، انحاز «الأزارقة» وهم أشد جماعات الخوارج معارضة في ذلك الوقت، لتكفير الأمويين، وتوسعوا في حكم الكفر على مخالفيهم جميعا، حتى قالوا إن أطفال (أبناء) مخالفيهم في النار، لكنهم اختلفوا حول مفهوم الكفر نفسه فمنهم من قال إنه كفر يقتضي الشرك ومنهم من رآه كفر نعمة أي جحود بنعمة الله، وهذا النمط الفكري القديم هو الأقرب لتنظيم داعش الآن.
المرجئة: الله يحاسبنا في الآخرة
ورد الأمويون على نهج «التكفير» بتبني فكر «الإرجاء» الذي يتلخص في الفصل بين الإيمان والعمل باعتبار أن الإيمان تصديق قلبي غير منظور، وأن العمل نشاط وممارسة ظاهرية، ولا سبيل للحكم على المعتقدات وما علينا إلا أن نرجئها للخالق يحاسبنا عليها في الآخرة؛ أي أن مرتكب الكبيرة صحيح الإيمان.
لم ينتظر الأمويون طويلا حتى تخلوا عن اعتقادهم بالإرجاء، وذلك عندما اتسعت الدولة وأرادوا فرض الجزية على «المسلمين الجدد» لما رأوا نقص أموال الخزانة بسبب عدم الدفع بعد إسلامهم، فبحثوا عن مبرر ديني لبقائها فقالوا إن أعمالهم هكذا لا ترقى إلى الإسلام الصحيح ولا تُترجم الإيمان القلبي لديهم، وبهذا تخلوا عن الإرجاء -وهم المرجئة القائلون بصحة إيمان مرتكب الكبيرة- لأجل المصالح السياسية الجديدة.
هنا تفجرت ثورات جديدة من هؤلاء (المسلمون الجدد) ضد ما تطلبه الدولة، ووجدوا في فكر «الإرجاء» عاملا مساعدا لهم في مواقفهم المعارضة، وكانت من مطالبهم اعتماد الشورى كنظام للخلافة والمشاركة في اختيار حكام الأقاليم، حتى أقيمت ضدهم المذابح ومنها المجزرة المعروفة تاريخيا في «بخارى» والتي شنقوا فيها أربعمائة، بعد أن اعتصموا بالمسجد يصيحون بالشهادتين ويهتفون «وامحمداه».
في اغتيالات التكفير.. العامة ينفذون القصاص
المعتزلة بين الإيمان والكفر
أما تيار أهل العدل والتوحيد والذي يُعتبر الحسن البصري أبرز أئمته، فقد وقف موقفا وسطا بين التكفير الذي أقره الخوارج وصحة الإيمان وإرجاء أمره ليوم الدين الذي نادى به المرجئة، فقالوا إن مرتكب الكبيرة غير التائب منها منافق وليس بكافر.
مجموعة من أهل العدل والتوحيد والذين عرفوا بعدها باسم المعتزلة، كان أبرزهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد انشقوا على رأي الحسن البصري وقالوا إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر وسموه فاسقا، وخالد مخلد في النار إن مات عليها، وذلك الموقف أكثر ثورية للحكم الأموي بمقاييس المعارضة السياسية.
وهنا فقد اجتمع الخوارج الأزارقة، والمرجئة، وأهل العدل والتوحيد أصحاب الحسن البصري، والمعتزلة أصحاب واصل بن عطاء أنه فاسق، واختلفوا حول تسميته «فاسق كافر، فاسق مؤمن، فاسق منافق، فاسق بين منزلتي الإيمان والكفر».
والسبب في الإجماع على فسقه هو أن أحد الكبائر قد سمّى القرآن على مرتكبها بذلك في سورة النور، «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون».
المعتزلة بين التاريخ والحاضر.. محاولة للفهم
الأشاعرة: منهج الأزهر الذي يرفض التكفير
وجاء الأشاعرة بعد عقود من الزمان وتحديدا في العصر العباسي فكان لهم قول في مسألة الإيمان والكفر، وهو أن أصل الإيمان هو التصديق بالقلب، وهذا الأصل له فرعان هما القول باللسان والعمل بالأركان.
فمن صدق بقلبه فهو مؤمن لكن يظل إيمانه ناقصا حتى يعمل بالفروع، فإن عمل بها كان إيمانه مكتملا؛ ومن هنا جاء قولهم الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
ومعلوم أن الأزهر جامعا وجامعة يتبنى في دراسته المذهب الأشعري منذ تحول إلى معهد علمي سُني، أي أن شيوخه مؤمنون بالتصديق القلبي كشرط لصحة الإيمان.
وخلاصة الأمر طبقا لمعتقد الأزهر؛ الأعمال والسلوكيات كـ«القتل والتفجير واستباحة الدماء» لا ينتج عنها إيمان أو كفر، وإنما الأفكار والاعتقادات التي تتضمن دخول حيز الإيمان أو الخروج منه بشرط أن يعلنها الإنسان نفسه.