«the train» مكان مخصوص للفضفضة.. هل تود التجربة؟
حين تشتد عليك ضغوط الحياة بسبب العمل أو الدراسة، تلجأ في العادة إلى صديقك لتحكي وتفضفض، كي تزيح عنك هذا الحمل النفسي بمجرد كلامك وشعورك باهتمام من يصغي إليك.
أحيانًا قد تفضل الكلام مع شخص غريب عنك، حتى تكون أكثر ارتياحًا في الحديث، وتضمن أن يسمتع لك بحيادية تامة. الآن صارت هذه الفكرة حقيقية مع أول مكان للفضفضة في مصر.. .The Train
القطار.. كابينة فضفضة
في مدينة 6 أكتوبر وسط الهدوء التام، وبداخل مساحة واسعة باللون السماوي، يقع The Train أو القطار، المكان الذي تذهب إليه حتى تفضفض لشخص غريب عنك في سرية تامة ثم ترحل.
المهندس محمود عماد مؤسس المكان، يفضفض لـ«شبابيك» عن سر تسمية المكان، فقد سمع قصة قديمة عن ركوب الناس للقطار بلا داعي للانتقال من محطة لأخرى، من أجل الكلام مع الغرباء فقط.
يحكي الشخص المضغوط نفسيًا بصدق أكبر مع راكب القطار الذي لا يعرفه، وهذه الفكرة موجودة في شكل تطبيقات إلكترونية ومواقع على الانترنت تمكنك من الحديث مع شخص غريب دون أن تراه أو يراك.
قرر محمود عماد تنفيذ الفكرة لأول مرة على أرض الواقع، يجب أن تحضر بنفسك للقطار حتى تفضفض لشخص لا تعرفه، يسمعك وتسمعه بمقابل مادي.
لا يرى «عماد» أن فكرة المكان شبيهة بطقوس الاعتراف في المسيحية القائمة بشكل ما على البوح بالذنوب وتوجد في الكنائس الكبيرة فقط، فالعميل في The Train لن يقر بجريمة مثلاً، بل هو كلام معتاد.
من الذي سيسمعك؟
إذا أردت تجربة The Train سيكون لديك أحد اختيارين، إما أن يستمع لك شخص غريب غير متخصص أو خبير أكاديمي في العلوم النفسية والحياتية، مثل مدرّب الحياة life coach
قد يظن المرء في البداية أن The Train عيادة نفسية، لكن مؤسسي المكان يرفضون هذا المسمى تمامًا ويرفضون كلمة «علاج» نفسها، لأن دورهم قائم على الاستماع والمساعدة النفسية دون أي أدوية.
المدربتان المعتمدتان سارة عبد العزيز وإيمان جمال ضمن فريق The Train، تستخدمان أساليب معينة للتفاعل مع مشكلة العميل بحيادية دون أي أوامر مباشرة، كما ينهيان جلسة الاستماع إذا خرج العميل عن حدود اللياقة أو تحدث في السياسة والتطرف الديني بلا داعي.
يرى مؤسس المكان محمود عماد أن هذه الفضفضة هي التي ستحدد مشكلة العميل، وسينصحه الخبير الذي يسمعه بضرورة التوجه إلى الطبيب النفسي والعلاج الدوائي إذا احتاج لهذا فعلاً.
معايير السرية
كيف يضمن العميل أن كلامه وفضفضته لن تتعرض للتسجيل مثلاً؟، كيف وفر له The Train خصوصية تامة عند حضوره وانصرافه من المكان؟، هذا ما حاول مؤسس المكان عمله بأكثر من طريقة.
على باب المكان يجد العميل عددًا من الأقنعة لإخفاء مظهر عينيه، هذا يطمئنه نوعًا ما رغم أن عملاء المكان لم يستخدموا هذه الأقنعة حتى الآن.
تصميم غرفة الجلسات له أكثر من شكل. يمكن للعميل أن يرى المستمع وجهًا لوجه، أو يبقى في جانب والمستمع في جانب آخر وبينهما حاجز، وهذان التصميمان لتوفير الراحة والخصوصية قدر الإمكان.
نقطة أخرى في التصميم هي باب الدخول المختلف عن باب الخروج، مما يسمح للعميل بالدخول والخروج دون أن يراه أحد، إذا أراد درجة أكبر من السرية.
الحجز المسبق في The Train شرط أساسي للحضور مما يضمن الخصوصية أيضًا، فلا يضطر العميل للقدوم وانتظار دوره مما يعرضه لكشف شخصيته.
الأسعار والإقبال
لا تزال الفكرة في بدايتها، لكن محمود عماد مؤسس المكان متفائل بالفئات الزائرة حتى الآن، ويتوقع مزيدًا من الإقبال لأن الفكرة جذابة رغم أنها جديدة ومختلفة.
بسؤاله عن أسعار الاستماع، أجاب أن العميل يدفع مقابل الجلسة التي تكون مدتها ساعة واحدة، 200 جنيه إذا كان المستمع متخصصا، و100 جنيه إذا كان المستمع شخصا عاديا، وقد يحتاج العميل لأكثر من جلسة.
يؤكد «عماد» أن السعر ليس فادحًا بالنسبة لأسعار المتخصصين ممن يصل حساب جلستهم بالدولار، فقد راعى التعاون مع مدربين معتمدين واتفق على أقل سعر ممكن.
أماكن شبيهة
تحكي المدربة سارة عبد العزيز عن فكرة شبيهة في الهند قائمة على تفريغ الضغط والكبت النفسي بشكل آخر، هذه المرة في غرفة يدخلها الشخص ليرقص قليلاً ويخرج بعدها أهدأ بالاً، كأنها حفلة زار.
في اليابان توفر إحدى الشركات وظيفة «ماسح الدموع» للنساء المراهقات، فيمكن للمرأة المضغوطة في عملها أن تختار شابًا وسيمًا ليمسح دموعها برومانسية في مقابل 65 دولار، ولا يتركها إلا بعد أن تبتسم بارتياح.
نبوءة «مطاوع»
يقول الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق في إحدى اقتباساته «أحيانًا نقدم خدمة عظيمة للآخرين بأن نصغي لهم فحسب»، أما الكاتب والصحفي عبد الوهاب مطاوع فقد اعتاد أن يستمع لقراء جريدة الأهرام طيلة ربع قرن من الزمان مجانًا في مكتبه، وكان ينشر المشاكل التي يسمعها أو تُرسل إليه في باب «بريد الجمعة» أكثر أبواب الجريدة شهرة.
استمع «مطاوع» لأغلب أنواع المشاكل، صحية كانت أو اجتماعية أو زوجية أو مادية، ولقبه جمهوره بـ«صاحب القلم الرحيم» لرقته في الردود على المشاكل وحلها بالعقل والحكمة.
يقول في كتابه «وقت للسعادة وقت للبكاء»: «تُرى لماذا يحرص ركاب القطار أو الطائرة الذين تجمعهم الأقدار في رحلة سفر على أن يتعاملوا فيما بينهم برقة وأدب واستعداد للمجاملة والحرص على مشاعر الآخرين؟، وأجد الجواب دائماً في أنهم يعرفون أنهم رفاق سفر لن يطول وسوف يتفرقون بعده ويذهب كل منهم إلى وجهته».
كأن عبد الوهاب مطاوع قد تنبأ بشكل ما بفكرة The Train القائم على نفس المبدأ، لكن القطار ثابت هذه المرة وبلا محطات، مع ركاب متخصصين يحرصون على مشاعر العملاء، فهل تنجح فكرة «محمود عماد» وتنتشر في دول أخرى كما يحلم؟