«ابقى قابلني لو فلحت».. جريمة إحباط المُعلم لتلاميذه
رغم أن منة محمد درست الكيمياء على يد معلم صديق لوالدها مدرس الرياضيات، إلا أن هذا الصديق أصبح مصدر إحباط ويأس كبير، خاصة عندما اعترف لوالدها قائلاً «بلاش تظلمها وخليها تحول أدبي أحسن، مش لازم عشان أنت مدرس رياضة تطلع زيك»
عاد الأب يومها لبيته محبطًا فاقدًا للأمل، وعرفت منة ما حدث فكانت نظرة والدها الحزينة أكبر محفز لها بغض النظر عن الأستاذ وكلامه، أكملت في قسم «علمي رياضة» وحصلت في الكيمياء على 59.5 من 60، أما في الثانوية العامة ككل فكان المجموع 96.5%.
تقول منة «نفسي أقول لمدرس الكيمياء إني بقيت في 3 هندسة ميكانيكا، حرام عليه اللي عمله فيا وفي أبويا ساعتها»
حالات شبيهة
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات عديدة غاضبة توجه اللوم إلى المدرسين والأساتذة، حين قالوا لهم يومًا ما أنهم لن ينجحوا في الدراسة والتعليم، مع الكثير من العبارات المعروفة في هذه الحالات مثل:
- ابقى قابلني لو فلحت
- ابقى تف (ابصق) على قبري لو نجحت
- انت مش نافع
- سيب التعليم أحسن وشوف لك شغلانة
هكذا نشر ضحايا هؤلاء المدرسين يعلنون الآن بكل فخر، لقد نجحوا بالفعل وصاروا في كليات مهمة ومراكز كبيرة رغم الإحباط والسخرية. بعض هؤلاء الناجحين لاموا المدرسين، وبعضهم دعى بعبارات واضحة أن ينتقم الله من كل مسببي الطاقة السلبية مثلهم.
قصص تاريخية
يحكي لنا التاريخ والسير الذاتية حكايات عن عظماء صاروا في قمة نجاحهم رغم توقعات المدرسين الخاطئة عن فشلهم، ومنهم:
توماس أديسون:
تُذكر قصة عالم الكهرباء والمخترع الأمريكي توماس أديسون في أغلب المراجع التعليمة كدليل على المعاملة السيئة لعقلية الطفل، وفق كتاب «التقويم والقياس التربوي الحديث»، فقد طرد مدير المدرسة التلميذ أديسون بحجة أنه أغبي من باقي زملائه.
كان مصيره اليأس والإحباط حتمًا لولا أمه التي طمأنته وشملته بالرعاية، وتذكر مصادر أخرى أن الأم كذبت على ابنها بشأن رسالة المدرسة وأخبرته أن السبب في الطرد هو ذكاؤه الأشد من اللازم مما يؤثر على بقية زملائه ويشعرهم بالتقصير.
ازدادت ثقة الطفل بنفسه، و صار أديسون الذي أنار العالم كله فعليًا بتطوير المصباح الكهربي، بل أصبح من أشهر المخترعين الذين غيروا التاريخ، بعدما ظنه مدير المدرسة غبيًا فاشلاً.
قصص نجاح تنقذك من الفشل.. 7 فيديوهات من «TEDx»
هيرجيه
كان البلجيكي «هيرجيه» صبيًا يعشق الرسم بشدة، بالرغم من الصعوبات التي واجهته في البداية. كان يعجز عن رسم خطوط واضحة حتى أن أستاذه فقد الأمل فيه وصارحه بانعدام موهبته تمامًا، بل ونصحه بنسيان الرسم والبحث عن شيء آخر يتقنه.
لم يلتفت الصبي لهذا الحكم النهائي وأكمل رحلته في تعلم الرسم، حتى صارت رسوماته البسيطة أنيقة وأكثر جاذبية من أعمال الآخرين المعقدة، وبدأ ينشر أعماله على استحياء في الصحف والمجلات.
اليوم أصبح «هيرجيه» من أهم رسامي العالم في القصص المصورة وأشهر شخصياته هو الصحفي المغامر «تان تان» الذي باعت قصصه ملايين النسخ حول العالم.
أستاذه القديم أصابته الحيرة في البداية، لكنه حين قرأ قصصه وشاهد رسوماته أرسل إليه برقية تهنئة وإعجاب، فطار «هيرجيه» من السعادة كما لم يحدث من قبل، لأن هذا كان أعظم اعتراف بموهبته وعظمته.
عشان الطفل يسمع الكلام.. متقولش «لأ»
المدرسون وتأثيرهم
«لا يوجد تلميذ غبي، يوجد فقط مدرس جيد أو سيء»
مدرسة المرحلة الابتدائية ومدربة الحياة الشخصية سارة عبد العزيز، تشير في حديثها لـ«شبابيك» إلى هذه الحقيقة الهامة في مناهج التعليم الحديث ومدارس الـ ib.
تؤكد أن المدرس لا يحق له أن يحكم على التلميذ بالفشل، بل ينبغي فرض عقوبات وجزاءات على أي مدرس يرتكب هذه الجريمة، خاصة في المرحلة الابتدائية التي يتشكل فيها وعي التلميذ.
تحكي عن حالة تلميذة لديها تشعر بالفشل الشديد في كل شيء، حتى أنها لم تكن تتحدث مع أحد، بسبب آراء المدرسين السابقين فيها وقولهم لها «انتي فاشلة»، وتعلق سارة عبد العزيز قائلة:
«التلميذ لما بيسمع كلمة فاشل كتير هيثبت في وعيه أنه فاشل، على عكس اللي هيشجعه ويشوف نقطة قصوره فين»
تطلب الامر علاجًا لمدة سنيتن حتى عادت الفتاة تتفاعل وتثق في نفسها، وتنبه المعلمة ومدربة الحياة إلى هذه النقاط الهامة في التعامل مع هذه الحالات:
دور الأهل
بعض الأهالي يزيدون الأمر سوءًا حين يشعر أبناؤهم بالفشل وقلة الثقة، فلا يهتمون أو يهونون عليهم، بل يصرون على حصول الأبناء على الدرجة الكاملة في المواد المختلفة أو السنة كلها.
ينبغي أن أكون ناجحًا لكن ليس من اللازم أن أكون خارقًا، هذا شعار مثالي لكل طالب حتى لا تصيبه عقدة الذنب مع كل درجة ناقصة، نحن في النهاية بشر منا الطبيب ومنّا المحاسب ومنّا البستاني، وكل مجال له نجاحه.
دور التلميذ
لو أصابتك هذه المشكلة وتعرضت لإحباط معلمك، عليك أن تعيد ترتيب حساباتك، أنت لست غبيًا أو فاشلاً، بالعكس.. يمكنك أن تحول هذا النقد والافتراء إلى نجاح، فالعظماء في الأغلب تعرضوا لهذا التهميش في الصغر.
وتذكر «عبد العزيز» موقف الدكتور مجدي يعقوب الذي وصفه أستاذه بالفاشل، لكنه تجاهل الكلام وتحدى نفسه ليصير بعدها السير مجدي يعقوب أحد أعظم الجراحين في التاريخ، الثقة في موهبتك كرسام أو ممثل أو جراح هي الفيصل هنا.
العلاج حين اللزوم
أحيانًا يحتاج التلميذ إلى تدخل علاجي بأساليب علم النفس وتدريب الحياة. يولد الطفل بمشكلة عقلية وتؤثر عليه في التعليم، فيظن الأهل أنه كسول أو غبي، مع أنه مجرد مريض مسكين بحاجة للطبيب والمعالج.
تشير «عبد العزيز» إلى الفيلم الهندي «like stars on earth» الذي يعرض حالة مرضية بمنتهى الدقة عن طفل مصاب بداء «ديسلكسيا» الذي يسبب صعوبة في القراءة والكتابة، ويجعل الطفل يرى الحروف معكوسة.
في الفيلم يتمكن المعلم الذكي من فهم مشكلة تلميذه ويحلها، فيصبح الطفل طبيعيًا ويتفوق على كل زملائه في مشهد مؤثر، وهذا هو الفرق بين المدرس المتمكن والمدرس المُحبط.