حريفة في الملعب والمدرجات.. لماذا نحب الكرة اللاتينية؟
ينتظر المصريون بشغف مباريات المنتخبات اللاتينية في كأس العالم لمشاهدة سحرها الكروي داخل الملعب، والجاذبية الطاغية لنسائها في المدرجات. عاملان مهمان ربطا المصريين بكرة القدم اللاتينية على مدار عقود طويلة ما ساهم في ترسيخ انطباع بأننا ننحاز إلى شعوبهم أكثر من الأوروبيين.
«شبابيك» حاول البحث عن أوجه التشابه بين مصر ودول أمريكا اللاتينية، ما انعكس على تشجيع منتخباتهم في المحافل الدولية.
الحريفة
تتعلق قلوب المصريين باللاعب الموهوب الحريف الذي يمتلك مهارة المراوغة والتسديد والقدرة على انتزاع الآهات في المدرجات، وكذلك الأندية والمنتخبات التي تلعب هذه الكرة، لذا نجد الأغلبية يعشقون منتخبات أمريكا الجنوبية، وعلى رأسها البرازيل، والأرجنتين، التي تقدم نفسها كمنبع خام لمواهب كرة القدم.
ولا يوجد تاريخ محدد لبداية ارتباط المصريين بالكرة اللاتينية، إلا أنها وصلت لذروتها بكل تأكيد في فترة الثمانينيات التي توهج فيها دييجو مارادونا، أسطورة الأرجنتين، وفاز مع راقصي التانجو بكأس العالم 1986 للمرة الثانية والأخيرة في تاريخها حتى الآن.
قبل ذلك التاريخ ظهرت أسماء أخرى عشقها المصريون من منتخب البرازيل، كالأسطورة بيليه، لاعب القرن العشرين، الذي تألق في فترة الستينيات وحقق مع السيلساو 3 بطولات كأس عالم في أعوام 1958، 1962، 1970، من بينهم البطولة الأولى التي حققها وهو لم يتخط عمره الـ17 ربيعا.
استمرت ملاعب السامبا والتانجو في تصدير المواهب للعالم في منتصف التسعينيات حتى الألفية الثالثة، مثل الظاهرة رنالدو، والساحر رونالدينيهو، وريفالدو، وروبرتو كارلوس، وكاكا من البرازيل، وميسي من الأرجنتين. في حين قدمت منتخبات كالمسكيك، والأوروجواي، وتشيلي الواقعة في القارة نفسها فنيات أخرى جمعت المهارة بالتنظيم والسرعة.
يقول الناقد الرياضي أمير نبيل إن المصريين ارتبطوا بكرة أمريكا الجنوبية لتميزها بالمهارات والكرة الجميلة أكتر من الاعتماد على القوة البدنية والسرعة عند منتخبات أوروبا، موضحا: «المصريين طول عمرهم بيحبوا الكرة الجميلة، والدليل عدم الرضا عن كوبر الدفاعي رغم التأهل للمونديال بعد غياب 28 سنة».
وأرجع «نبيل» تشجيع المصريين لفرق بعينها إلى أن أغلب وعي المصريين بالكرة تشكل على مهارات أجيال مختلفة من البرازيل والأرجنتين مثل مارادونا، ومن بعده روماريو، ورونالدو، ورونالدينيو.
حسناوات المدرج
بعيدا عن الإبداع الكروي، فالمصريون لا يفوتهم المشاهدة الدقيقة لمباريات منتخبات هذه القارة في كأس العالم، وتحديدا المباريات التي تجرى في مدرجاتهم، إذ تتفوق هذه البلاد عن غيرها بكثرة الحسناوات والتشجيع الحماسي الذي لا يخلو من القبلات ومداعبة كاميرات المخرجين احتفالا بأهداف فريقهم القومي.
«جمهورهم مبهج»، «بناتهم حلوة»، «فرفوشين» هكذا جاءت الإجابات حين طرح كاتب المقال سؤالا تفاعليا عن أسباب تعلق المصريين بالشعب اللاتيني عن الأوروبيين.
يقول محمد فؤاد، شاب ثلاثيني، إن المشجعات تتميزن بخفة الدم والروح الحلوة عكس المنتخبات الأوروبية الجامدة في تعبيراتها.
الإجابات منطقية ولا تجمّل الواقع فالمدرجات اللاتينية هي فعلا مصدر البهجة، والوجه الحسن في أي مونديال منذ أن انتشرت لعبة كرة القدم وأصبحت جزءا أساسيا في حياتنا.
دول عالم ثالث
ثمة تشابه آخر بين مصر ودول أمريكا الجنوبية، فكلاهما ينتميان إلى دول العالم الثالث النامي، الذي يعيش فيه الأغلبية تحت خطر الفقر ولا يتمتع بتعليم جيد، ويتشابهان أيضا في المعاناة من حكم الديكتاتوريات القديمة.
وعانت شعوب كثيرة في أمريكا الجنوبية من الاستعمار الفرنسي والإسباني والبرتغالي، فالبرازيل على سبيل المثال ظلت تابعة للبرتغال فترة طويلة حتى أنشأت أول جمهورية مستقلة في 1889، وظلت فترة طويلة أيضا تعاني تحت الحكم العسكري، وهو نفس الأمر الذي تكرر مع الأرجنتين في علاقتها بإسبانيا والانقلابات العسكرية. وخلاف ذلك خاضت الدول مرحلة التبعية للاتحاد السوفيتي ومحاربة الإمبرالية الأمريكية في تشيلي، وبيرو.
المكسيك أيضا خصعت للحكم الإسباني فترة طويلة في مطلع القرن التاسع عشر، ثم خاضت حربا مع الولايات المتحدة على أحقيتها في ولاية تكساس، وما لبثت أن خرجت من أزماتها حتى دخلت في مرحلة الديكتاتوريات العسكرية على غرار جيرانها.
يقول الصحافي محمود سيف الدين: «إننا نشعر جميعا بتشابهات وتوازي على مستوى المعاناة من الاستعمار، وفيما بعد من أنظمة فاسدة إقطاعية، واجتماعيا في موروثات إلى حد ما متقاربة، وكذلك طريقة الإقبال على الحياة والتغلب على الأزمات الاقتصادية والسياسية».
وعن انحياز المصريين إلى اللاتينيين عن الأوربيين، يرى «سيف الدين» أن الثورة الصناعية في أوروبا طغت على الروح وقتلت مساحات من الوقت لصالح الجمود، بعكس دول أمريكا الجنوبية التي تقدس الحياة.
«فقرا زينا، شبهنا في الشكل نوعا ما، ويحبون كرة القدم وهي مصدر السعادة والانتصار في حياتهم»، يقولها يوسف حسن، طبيب ثلاثيني، عن سر تعلق المصريين بالكرة اللاتينية.