«سارة».. رحّالة في المحافظات تروي لصغيرها «حدوتة مصرية»
نحو بلاد الذهب حددت وجهتها، فحزمت حقائبها وأعدت عدتها وأخذت صغيرها إلى محطة القطار في رحلة إلى النوبة حيث السحر والجمال. في أحضان النيل بصحبة الطبيعة روت سارة حجازي «حدوته مصرية» أصيلة برفقة صغيرها «يحيى»، حدوته واقعية تلتها بتلقائية يحيى وعفويتها.
من الدقيقة الأولى تجد نفسك شغوفا بمشاهدة البرنامج الذي يقدماه وتتابع حركة «يحيى» وحماسه، وسردها للمعلومات ببساطة وغزلها للقصص والحكايات عن المحروسة وأهلها.
الحياة رحلة.. و«سارة» مدرسة
الكنز في الرحلة هكذا رأت «سارة» التي طالما عشقت السفر والاستكشاف، ولكن هذه المرة مختلفة بصحبة صغيرها الذي شكّل عالمها وأثرته هي بالتجربة وحب الحياة.
بأدوات بسيطة استخدمتها نقلت التجربة حية لتقدم برنامجا تبثه عبر صفحتها على «فيسبوك»، فتطوف المحافظات لتشجع غيرها على السفر والاستكشاف ولتحكي عن الأماكن والثقافات المختلفة، ولتعلم «يحيى» عبر الطبيعة وتنقل له المعلومة ملموسة فتُلقنه درسًا حول الجغرفيا وتحكي له التاريخ، وتجعله يرى لا يسمع فقط، ويتأمل ويستكشف وحده.
تلقائية شديدة طلت بها «سارة» هي وطفلها ذو الستة أعوام، وجعلت الجميع يتفاعل معها بصحبة طفلها في رحلة طويلة غير عابئة بالطريق والحقائب. الكثير من الأمهات يجدن صعوبة في التنقل بأطفالهن ويمكثن في المنزل، ولكن «سارة» كسرت القاعدة متغلبة على زن الأطفال ومتاعب السفر وخلقت أجواء من المتعة والتعلم في آن واحد.
«الأطفال بطبيعتها زنانة.. وبدل ما نزعق ونتعصب نخليهم يفرغوا طاقتهم صح»، قالتها موضحة أن مع كل انطلاقة جديدة تعد جيدًا للرحلة من حيث الإقامة والانتقالات والطعام، وعلى رأس القائمة «يحيى» الذي لا تنسى احتياجاته ورغباته في اللعب والمرح، ففي القطار لم تنسَ أن تحضر له الألعاب التي تسليه ولا تشعره بطول المدة، وتعد له ما يشتهيه من أطعمة تشاركة الخطة وتستمع لأرائه باهتمام وتأخذها في عين الاعتبار.
ولأن الأم مدرسة كما قال الشاعر حافظ ابراهيم، نجحت «سارة» في أن تكون نعم المدرسة، بعيدًا عن الكتب الدراسية استطاعت أن تمده بالمعلومة عن طريق المرح، شكلت في وجدانه تقبل الآخر والتعرف على ثقافات مختلفة، وعرف اللهجات المختلفة الطباع والعادات والزي واللون. تقول: «مكنش متخيل إن إحنا لسه في مصر». أجابت «سارة» على أسئلته التي تسارعت لمخيلته وزادت من شغفه للحياة والمعرفة.
من كلية الطب.. إلى عالم الميديا
بعد شهر واحد في أروقة كلية الطب فرت «سارة» من رائحة الفورمالين الذي يحفظ جثث الموتى، وكان خيارها للرغبة الثانية في تنسيق الثانوية العامة، دون تفكير سوى في المجموع الكبير وكليات القمة وفقًا لتابوهات المجتمع، استكملت سنوات دراستها بالصيدلة وهي تبغض حتى رائحة المكان ولا تجد نفسها وسط المعامل والسكاشن، ولكن لم يكن لها خيارا آخر سوى استكمال المسيرة حتى التخرج.
فجوة زمنية وقعت فيها من التخرج إلى العمل في مجال الدراسة للحصول على الأموال لتمهد طريق آخر، شغف ما بداخلها تجاه التصوير وأساليب المونتاج جعلها تتجه صوب التعليم الذاتي وتبحث بنفسها في عالم الانترنت، تلك الثروة التي لا تقدر بثمن، لتحصل على المعلومات وتتعلم ما يؤهلها للعمل في المجال الذي تحبه. تقول «سارة»: «اتعلمت تقريبا كل حاجة عن طريق النت واليوتيوب من أول التصوير للإضاءه للصوت للمونتاج لتكوين القصة».
شرعت «سارة» في إنتاج محتوى بمفردها دون مساعدة من أحد تقوم بالإعداد ثم التصوير والمونتاج، فهي تخطط لقصتها وتبحث ثم تقوم بعمل معاينة وتصور على يومين الأول بدون «يحيى» والثاني برفقته، لتخرج منتج متكامل من صورة وإضاءة وموسيقى تصويرية بإمكانيات بسيطة، وترغب في الفترة القادمة تحسين جودة المعدات وإنتاج عدد أكبر من التقارير في ربوع مصر، لتشبع شغفها وتحقق العائد المادي الذي يضمن لها الاستمرار في مشروعها.
الأمومة تنتصر
دراسة التصوير والسينما في الخارج حلم كثيرًا ما راودها وسعت له بكل الطرق الممكنة. تقول: «اتقبلت في واحدة من أكبر مدارس الاخراج والسينما في أوروبا»، وهي نتيجة عظيمة لمجهود «سارة» الذي بذلته على مدار سنتين من تعلم اللغة الانجليزية والخضوع لاختبارات وإعداد المهام التي تطلبها المدرسة حتى يمكن التأهل لها، فرحة عارمة لم تفق منها سوى على صوت بكاء طفلها.
مدة الدراسة عام كامل، وحاول المحيطون بها إقناعها بأن تترك «يحيى» وتسافر مدة الدراسة، فالانترنت يقرب المسافات والفرص لا تتكرر، تفكير طويل انتهي في كفة «يحيى».
تقول: «أنا قلت لنفسي رايحة أتعلم علشان أنتج أفلام توعوية.. يبقى الأولى أقعد معاه وأحقق حلمي وأنا معاه» هكذا استقرت فحاجة ابنها لها أهم من أي طموح، وخاصة أن لتحقيق الطموح سبل أخرى بمشاركة تلك النبتة الصغيرة التي غيرت في وجدانها وأكسبت الحياة مذاقا آخر، وهدف وطاقة متجددة تنبض بالحياة في تلك الأعين الصغيرة التي تطالع الحياة من خلالها وتبحث عن المستقبل بسواعده.
انتصرت لأمومتها دون أن تبكي على ما مضى، وقررت أن تبدأ مع رفيق دربها رحلة في قلب المحروسة بين الصحراء عند الجبال والأودية وفي خضم النيل من منبعه حتى مصبه، وفي القرى والنجوع تروي وتحكي وتنقل رسالة لمتابعيها وخاصة الأمهات اللآئي عرفن وجهة أخرى من الأمومة غير الأكل والشرب وتنظيف المنزل والمدرسة والواجبات الدراسية.