أمينة رزق.. بنت طنطا العزباء التي حيّرت النقاد بـ«حنان الأم»
لم يقف النقاد حيارى مثلما وقفوا أمام الفنانة أمينة رزق التي مثّلت أمام كاميرات السينما 70 عاماً متواصلة منذ بدايات السينما الصامتة وحتى النصف الأخير من التسعينات. أما أسباب الحيرة فترجع إلى أن الراحلة أبدعت في تجسيد أدوار الأم بشكل منقطع النظير رغم أنها لم تكن أماً ولم تتزوج من الأساس.
طنطا وروض الفرج
ولدت أمينة محمد رزق الجفري في مدينة طنطا في 15 أبريل 1910، ورحل أبيها مبكراً، وترتب على ذلك تركها لبلدتها ورحيلها مع أسرتها إلى القاهرة عام 1918، ولم يكن عمرها تجاوز 8 سنوات. كان هذا الرحيل نابعاً من رغبة خالتها «أمينة محمد» والتي تكبرها بأعوام قليلة والتي كانت تهوى الفن، وأصبحت فيما بعد فنانة مسرحية وسينمائية معروفة في العشرينات والثلاثينات والأربعينات.
في القاهرة نزلت «أمينة» مع خالتها في حي روض الفرج الذي كان مليئاً بالفرق الفنية والمسارح حينذاك، وفي هذا الشارع تفتحت عيونها على هذا العالم الفني المدهش، ولم يمر وقت كبير حتى التحقت مع خالتها بمدرسة «ضياء الشرق» بحي عابدين، وعلى الأرجح أنهما لم تكملا الدراسة لانشغالهما بالبحث عن وسيلة للرزق.
ولما كانت هي وخالتها لديهن هذه الميول الفنية فقد وجدتا عملاً في فرقة «علي الكسار» الذي كان يقدم مسرحياته على مسرح روض الفرج، وشاركت «أمينة» في فترة مبكرة من حياتها مع الكورس في الفرقة التي كانت تقدم بعض العروض والاسكتشات الغنائية.
وبعد فترة لم تطل في التجوال بين الفرق الفنية في شارع روض الفرج، جاءت أهم محطة ونقلة فنية في حياتها عندما التحقت بفرقة «رمسيس» التي يملكها ويقدم عروضها الفنان الكبير يوسف وهبي.
الصدفة والفن
وكانت هذه النقطة المحورية في حياة «أمينة» سببها الصدفة البحتة عندما التقت هي وخالتها في رحلة بالقطار مع أحمد عسكر سكرتير فرقة رمسيس، وعندما علم بحبهما للفن واشتغالهما مع أكثر من فرقة في روض الفرج قرر أن يقدمهما ليوسف وهبي الذي أسند لهما دورين صغيرين في مسرحية «ديفيد كوبر فيلد». ومن خلال هذه المسرحية صعدت أمينة رزق للمرة الأولى على خشبة مسرح رمسيس مع يوسف وهبي الذي أصبح فيما بعد أستاذها ومعلمها الأول، وكان ذلك في منتصف أكتوبر 1924.
بعد ذلك أشركها «وهبي» في مسرحية «راسبوتين» واستطاعت أن تثبت وجودها كممثلة ما دفعه للاعتماد عليها هي وخالتها أمينة محمد كفنانتين في فرقته مقابل 4 جنيهات شهرية. ولم يمض وقت طويل إلا وكانت أمينة رزق من أهم ممثلات الفرقة، فاعتمد عليها اكثر في عدد من المسرحيات، حتى انتقلت إلى الفرقة القومية للتمثيل (أصبحت فيما بعد المسرح القومي)، وأمضت في مسرح الدولة ما يقرب من 25 عاماً لعبت خلالها بطولة مسرحيات عديدة.
عثرات السينما
وفي عام 1928 جاءت بدايتها في السينما التي كانت في مرحلتها الصامتة، وكان فيلمها الأول هو «سعاد الغجرية» من بطولة فردوس محمد وعبدالعزيز خليل، ونال الفيلم نقداً لاذعاً بسبب سوء مستواه الفني وتصويره للمرأة المصرية بشكل لا يليق بها، ونال «أمينة» نصيبها من هذا الهجوم ما جعلها تبتعد عن كاميرات السينما عدة سنوات.
وشهد عام 1932عودتها للكاميرات مرة أخرى عبر فيلم «أولاد الذوات» وهو أول فيلم ناطق في السينما المصرية، وكان من إنتاج وبطولة يوسف وهبي، وإخراج محمد كريم، وحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً هائلاً وحظيت أمينة رزق بإشادة النقاد ما اعتبرته رد اعتبار لها.
وكان هذا الفيلم هو البداية الحقيقية لأمينة رزق في مشوراها السينمائي الذي استمر لما يقرب من 70 عاماً متواصلة، قدمت خلاله ما يقرب من 150 فيلماً أشهرها «بداية ونهاية»، «قلبي على ولدي»، «بائعة الخبز»، «موعد مع الماضي»، «التلميذة»، و«قنديل أم هاشم».
نهاية المشوار
وفي المرحلة الأخيرة من مشوارها السينمائي الذي استمر طوال الثمانينات وحتى منتصف التسعينيات تقريباً حرصت أمينة على تنوع أدوارها، ففي فيلم «أمهات في المنفى» و«الطوفان» جسدت دور الأم التي تواجه جحود الأبناء ونكرانهم، فتعاني الإهمال وتموت في النهاية، بينما يقتلها الأبناء في الفيلم الثاني. وتغير بوصلتها تماماً عندما تقدم أداءً كوميدياً راقياً ومفاجئاً أذهل النقاد وهي تجسد شخصية «أم محمود حميدة» تلك السيدة الفقيرة التي تواجه قسوة الحياة بسخرية لاذعة وذلك في فيلم «قشر البندق».
وفي أعوامها الأخيرة وحتى وفاتها في عام 2002، ابتعدت أمينة رزق عن المسرح والسينما وقدمت عدداً من أدوارها التلفزيونية.