هكذا كانت كسوة الكعبة قبل الإسلام.. تحكمت فيها السياسة واختلفت ألوانها

هكذا كانت كسوة الكعبة قبل الإسلام.. تحكمت فيها السياسة واختلفت ألوانها

حظيت كسوة الكعبة المشرفة قبل الإسلام باهتمام كبير وعناية خاصة نظراً لأهميتها الدينية، وكان هذا الأمر متاحاً للأفراد بوصفه هدية أو وفاء لنذر ولكن فيما بعد حملت الكسوة دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية.

بحسب الدكتور إبراهيم حلمي في كتابه «كسوة الكعبة المشرفة وفنون الحجاج» لم يثبت للمؤرخين رأي قاطع عن الشخص الذي كان أول من قام بكساء الكعبة المشرفة، ولا عُرف بيقين مؤكد لا يتزعزع متى تم ذلك، أو في أي زمن من الأزمنة قبل الإسلام.

ولكن انحصرت الآراء في بضعة أفراد بالذات دون غيرهم. وهناك قول بأن النبي إسماعيل عليه السلام هو من أول من كسا الكعبة، ويقال أن عدنان بن أد الذي خاف أن يهدم الحرم فوضع أنصابه، فكان أول من وضعها، وأول من كسى الكعبة، وكانت كسوته للكعبة من الأنطاع وهي عبارة عن قطع من الأديم أو الجلد. وقيل أن أول من كسى الكعبة هو تُبع الملك الحميري اليمني أسعد أبو كرب.

البعد الديني

لا يعرف الناس بناء يتم كسوته كما يُكسى البشر إلا الكعبة المشرفة، وحيث أن هذا البناء منذ اليوم الذي وُضع فيه كان بغرض عبادة الله، فإن الكسوة هي تقدير من الكاسي لهذا الرمز الديني وتعظيمه وتقديسه وتشريفه، وتؤكد ذلك جميع الأحداث والمواقف منذ قام تُبع «ملك حمير» بهذا الأمر وتوصيته ولاته بفعل ذلك، كما يُفهم من حرص الأفراد والمسؤولين عن أمر البيت الحرام بعد ذلك كقصي بن كلاب ومن جاء بعده حتى عصر النبوة معنى استمرار الدلالة الدينية لهذا العمل. بحسب ما ذكرت الدكتورة أميرة إبراهيم الهلف في دراستها «كسوة الكعبة المشرفة من عصر الجاهلية إلى نهاية عصر المماليك. دراسة تاريخية مقارنة».

دلالة سياسية

ورغم الدلالة الدينية لكسوة الكعبة فإن الأمر لم يعدم وجود دلالة سياسية، حيث كان القيام بهذا العمل يرمز إلى سلطان أو سلطة، ومن يقدم كسوة الكعبة يحظى بسلطة أو سلطان، وإن قدمها أحد غيره فهو إذن ينازعه في سلطانه.

وتدل كل الأحداث والمواقف على رمزية الدلالة السياسية لعملية القيام بكسوة الكعبة كجزء من السيطرة على هذا المكان بالغ القيمة الاستراتيجية في محيطه الإقليمي. فمع مجيء تبع الحميري وسيطرته على مكة، وتولى مقاليد الحكم كان من أبرز مظاهر الهيمنة قيامه على أمر الكعبة، ومن أخصها كسوتها، حيث كان أول من فعل ذلك، كما أوصى ولاته بالاستمرار في فعل ذك.

ولا شك أن مكة بوجه عام والبيت الحرام خاصة يمثل بقعة استراتيجية في محيطها الجغرافي اكتسبته من أهميتها الدينية من ناحية، وأهميتها الاقتصادية كمركز تجاري على طريق الرحلة من الشمال إلى الجنوب أو العكس، أو كبقعة حضارية يلتقي فيها في سوق عكاظ يتبادلون فيه المنافع ويعرضون فيه بضاعتهم من الشعر والحكمة إلى جانب المنافع الأخرى، الأمر الذي أعطى المكان – وأخص رموزه الكعبة والبيت الحرام – أهمية لا تدانيها أي بقعة في كل جزيرة العرب، ومثل هذ المنطقة لابد أن تكون هدفاً للسيطرة لمن يملك أدواتها، والهيمنة السياسية لمن بيده أسبابها.

وتدل كل الأحداث والمواقف على رمزية الدلالة السياسية لعملية القيام بكسوة الكعبة كجزء من السيطرة على هذا المكان بالغ القيمة الاستراتيجية في محيطه الإقليمي. فمع مجيء تبع الحميري وسيطرته على مكة، وتولى مقاليد الحكم كان من أبرز مظاهر الهيمنة قيامه على أمر الكعبة، ومن أخصها كسوتها، حيث كان أول من فعل ذلك، كما أوصى ولاته بالاستمرار في فعل ذك.

وعندما تولى قصي بن كلاب وقريش أمر الكعبة اعتبرا أن تدخل غير قريش في هذا الشأن منازعة في الزعامة السيسية التي لا تقبل المساومة، ورغم أنه كان يُسمح للأفراد الميسورين بكسوة الكعبة مثل أبي ربيعة بن المغيرة إلا أنه لم يكن ليفعل ذلك دون استئذان قريش.

نظام النفقة

كانت النفقة على الكسوة الشريفة من قبل حكام مكة المكرمة أو من قبل الأفراد الميسورين مادياً بوصفه هدية ووفاء لنذر يعد انعكاساً لمدى قدرتهم المالية، فعندما قام تُبع ملك اليمن بكسوة الكعبة كان هذا مؤشراً على قدرته المالية، أما بالنسبة للأفراد فكان فكان المقتدرون مالياً غالباً هم من يقومون بذلك.

ولما تولى قصي بن كلاب أمر مكة المكرمة، قنن نظاماً للنفقة على الكسوة سنوياً، وهذا يعكس تحسناً في الأوضاع الاقتصادية في مكة المكرمة عما كان سابقاً، حيث صارت القبائل تساهم في النفقة على الكسوة من عهد قصي بن كلاب، وكذلك الأفراد مثل أبي ربيعة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، الذي طلب من قريش كسوتها قائلاً: «أنا أكسو وحدي الكعبة سنة وجميع قريش سنة» وهذا يدل على ثرائه ويساره.

وقت الكسوة

ولم يكن لكسوة الكعبة قبل الإسلام وقت محدد قبل قصي بن كلاب، في أيام تبع ومن جاء بعده كانت تُكسى عندما يبلى ثوب الكسوة، فيخلف مكانه ثوب آخر، فلما تولى قصي بن كلاب إمارة مكة ونظم شئونها ووظائفها، جعل لكسوة الكعبة المشرفة وقتاً محدداً، بعد انقضاء موسم الحج، حيث كانت تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر حاج.

خامات وألوان

وتعددت الخامات المستخدمة في كسوة الكعبة المشرفة في عصر الجاهلية مثل الأنطاع والوصائل والخصف والمسوح والملاء والحبرات والأكسية والكرار والخز والأنماط وشقائق شعر والديباج.

وكان هذا التعدد والتنوع في الخامات، نتيجة لكون الكسوة عملاً يغلب عليه الفردية، أي يقوم به غالباً الأفراد ولا تتولاه دولة أو مؤسسة، ولهذا تعددت كسوات المهدين وذوي النذور، وجاء تنوعها بحسب قدراتهم المالية، فكسيت بالكرار أو الخيش الرقيق وهو بسيط القيمة ليصل إلى الديباج أعلاها ثمناً وقيمة في ذلك الوقت.

أما ألوان الكسوة فتباينت ما بين الأبيض الأصفر الأحمر الأخضر، ولا يمكن بشكل علمي تقديم تفسير لها نظراً لكونها مرتبطة بالأفراد المُهدين وثقافتهم الخاصة.

المصدر

  • *كتاب «كسوة الكعبة المشرفة وفنون الحجاج». الدكتور إبراهيم حلمي.    *دراسة  «كسوة الكعبة المشرفة من عصر الجاهلية إلى نهاية عصر المماليك. دراسة تاريخية مقارنة». الدكتورة أميرة إبراهيم الهلف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية