تغيير ألوان كسوة الكعبة من الأحمر للأخضر والأسود.. السياسة والثأر يتحكمان

تغيير ألوان كسوة الكعبة من الأحمر للأخضر والأسود.. السياسة والثأر يتحكمان

عكست ألوان كسوة الكعبة في العصر الإسلامي مدلولات عدة، تنوعت ما بين الدينية والسياسية، فرمز كل لون لفكرة ما فرضت نفسها في فترة معينة. الدكتورة أميرة إبراهيم الهلف تناولت تفاصيل هذا الموضوع في دراستها التي منحتها اسم «كسوة الكعبة المشرفة من عصر الجاهلية إلى نهاية عصر المماليك. دراسة تاريخية مقارنة».

صدر الإسلام

في عصر صدر الإسلام كُسيت الكعبة بألوان عدة منها اللون الأحمر، حيث كان الناس يهدون إليها البُدن عليها الحبرات (ثوب من القطن كان يصنع باليمن)، فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة، ولون الحبرة الحمراء المخططة له دلالة دينية إذ يرتبط بالتضحية والدم.

وفي أوقات أخرى كانت الكسوة باللون الأحمر والأبيض، ما يعكس دلالة دينية إذ يرتبط الأحمر بمناسبة عيد النحر والذي يتوافق مع التضحية ولون الدم، بينما يرمز الأبيض إلى الطهارة والنقاء والسلام.

ولما كان للونين الأحمر والأبيض للكسوة الشريفة مدلول ديني في نفوس المسلمين، فقد قام الناس بكسوة البيت باللونين أثناء محنة عثمان بن عفان، وظل هذان اللونان الغالبان على الكسوة لفترة من الزمن.

االأمويون والعباسيون

لكن في العصر الأموي ارتبط موعد كسوة الكعبة ولونها بالمناسبات الدينية، وهي الانتهاء من موسم الحج وعيد الأضحى المبارك وانصراف الحجيج، وليلة القدر المباركة في نهاية شهر رمضان وابتهاج المسلمين باستقبال عيد الفطر المبارك، حيث كساها معاوية بن أبي سفيان كسوتين، الأولى بالديباج يوم عاشوراء، والثانية بالقباطي في آخر شهر رمضان للفطر، وأحياناً كان يكسوها اللون الأحمر المخطط، واستمر هذان اللونان الأحمر والأبيض الغالبان على كسوة الكعبة بعد ذلك.

وعندما تولى الخليفة العباسي عبدالله المأمون الحكم أحدث كسوة ثالثة للبيت، فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسا، هي الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي -الكتان- يوم هلال رجب، وجعلت الكسوة الديباج الأبيض التي أحدثها المأمون يوم السابع والعشرين من شهر رمضان.

لون النقاء

وعندما وضع الفاطميون أيديهم على مقاليد الحكم كسوا الكعبة أيضاً باللونين الأحمر والأبيض كما كسيت في فترات أخرى بالديباج الأبيض الذي يرمز إلى الطهارة والنقاء والإيمان لقوله تعالى: «يوم تبيض وجوه وتسود وجوه» وقوله :«بيضاء لذة للشاربين».

عودة العباسيين بالأخصر

عندما استقر للعباسيين أمر كسوة الكعبة بعد سقوط الدولة الفاطمية تغيرت الألوان عما كانت عليه سابقاً، ففي عهد الخليفة الناصر العباسي، كسيت باللون الأخضر الذي يرمز إلى الخير، وهي دلالة دينية مستوحاة من النص القرآني الذي ورد فيه اللون الأخضر ثماني مرات منها في بيان مجلس أهل الجنة وجمال ثيابهم، كقوله تعالى: «يلبسون ثياباً خُضراً من سندس وإستبرق»، ومنه أيضاً في بيان المنة والفضل والرحمة، كقوله تعالى: «الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون».

غير أن مدلولاً سياسياً صار للون كسوة الكعبة في عهد الخليفة الناصر العباسي، عندما كساها باللون الأسود بدلاً من اللون الأخضر، باعتبار أن الأسود هو لون شعار العباسيين الذي يرمز إلى سيطرة الدولة العباسية على البيت الحرام وبلاد الحجاز بعد أن نافستها الخلافة الفاطمية في السيطرة عليها فترة من الزمان.

عهد المماليك

ولما سقطت الدولة العباسية في بغداد وقام المماليك بإحياء الخلافة العباسية في مصر، استمر كسوة الكعبة باللون الأسود حرصاً من المماليك على إبراز المدلول السياسي وهو الولاء للعباسيين متمثلاً في اللون الأسود شعار العباسيين، وأن الخلافة العباسية قائمة في مصر.. واستمر دور مصر في كسوة الكعبة رغم سقوط الدولة المملوكية على يد العثمانيين سنة 1517.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية