فرقة رمسيس المسرحية التي اكتشفت عمالقة التمثيل في مصر.. تعرّف عليها
يكاد يجزم روّاد السينما في مصر أنه ما من ممثل ظهر في فترة الأربعينات والخمسينات والستينات إلا ومر عبر بوابة فرقة «رمسيس» المسرحية، والتي أنشأها يوسف وهبي بعد عودته من إيطاليا التي سافر إليها لدراسة الفن. فما هي حكاية هذه الفرقة التي كانت بمثابة «مفرخة» للنجوم في بدايات القرن العشرين؟
فرقة رمسيس
بعد 3 سنوات من دراسته للتمثيل في ميلانو بإيطاليا عاد يوسف وهبي إلى مصر وكان والده قد ترك له ميراثاً كبيراً (يوازي 12 ألف جنيه ذهبي)، فقرر تخصيص ما ورثه لإنشاء فرقة مسرحية وفنية متطورة تواجه المسرح «الهزلي» الذي كان سائداً وقتها.
قرار يوسف وهبي لم يأت من فراغ. فعندما وصل إلى مصر، هاله انهيار المسرح الجدي أمام لون جديد استعراضي كان يقدمه نجيب الريحاني تحت اسم شخصية «كشك بيه»، وكان الجمهور يُقبل عليه إقبالاً كبيراً جدًا، فشعر أن المسرح قد مات تقريباً، وأن ما قام به الأساتذة الرواد قد ضاع هباءً.
في تلك الأثناء أيضاً قابل شخصاً رث الثياب يمشي فى شارع عمادالدين ولما تمعن في ملامحه، عرف أنه المخرج عزيز عيد، فتوجه إليه وقال له «إيه اللى جرى يا أستاذ عزيز؟»، فقال له «عزيز»: «قول للجمهور إني عاوز اشترى صندوق خشب، وعلبة بوية عشان امسح جزم، لأن الفن الجدي لم يجدِ معايا ووصلت لهذه الحالة من العذاب والألم والحرمان».
وبالفعل أنشأ يوسف وهبي فرقة «رمسيس» التي كانت في مقدمة الفرق المسرحية التي تقدم مسرحاً يعتمد على نصوص جادة وتقنيات فنية متطورة، وضم إليها نخبة من نجوم التمثيل في ذلك الوقت أمثال حسين رياض، وزينب صدقي، وروز اليوسف، وأحمد علام، وبعدهم أمينة رزق، وأسند الإدارة الفنية للمخرج عزيز عيد.
افتتحت الفرقة عروضها عام 1923 بمسرحية «المجنون» وكانت من تأليف يوسف وهبي، وإخراج عزيز عيد، وبعدها توالت مسرحيات الفرقة التي جذبت كل الراغبين في مسرح فني راق.
كل الكبار مروا من هنا
كانت الفرقة بمثابة «المفرخة» التي خرج منها أساطين التمثيل في تلك الفترة، ومثلوا لبنة المسرح والسينما المصرية مثل أمينة رزق التي التحقت بالفرقة عن طريق الصدفة، فأسند لها يوسف وهبي دورين صغيرين في مسرحيتي «ديفيد كوبر فيلد»، و«راسبوتين» ومن هذين العملين انطلقت نجوميتها.
الأمر لم يختلف كثيراً في حالة الفنان زكي رستم. فرغم أنه كان من الممثلين الأساسيين في فرقة جورج أبيض، وسنه لم يتجاوز 21 عاماً، إلا أنه وبعد عدد من العروض التي شارك بها ترك الفرقة وانضم لفرقة «رمسيس» التي دوت شهرتها، وحققت نجاحاً هائلاً بسبب مسرحياتها وعروضها المليودرامية والتاريخية التي كانت تقدمها، فشارك في عروضها المسرحية التي كتبت الأسطر الأولى في نجوميته، وظل بها حتى عام 1930.
ومن خلال عمله كعامل إكسسور بسيط في الفرقة لفت أنور وجدي أنظار يوسف وهبي بحركته وملامحه الوسيمة، فأعطاه الفرصة على خشبة المسرح للظهور كممثل وكان هذا أثناء إحدى جولات الفرقة في أمريكا اللاتينية.
لم يدع أنور وجدي هذه الفرصة الذهبية تفلت منه، فسرعان ما أظهر موهبته كممثل واعد، وهو ما جعل يوسف وهبي يعتمده كممثل بالفرقة، فبدأ يحصل على أدوار كبيرة، بل ومنحه فرصة المشاركة في أول فيلم مصري ناطق هو «ابن الذوات» ليبدأ بعدها خطوات النجومية.
بيد أن الأمور لم تسر كما كانت، ففي مطلع عام 1925 تلقت الفرقة ضربة عنيفة هزت سمعتها في الساحة الفنية. وبحسب ما ذكرته روز اليوسف في كتابها «ذكريات»، الذي سردت فيه قصة حياتها، كانت هذه الضربة نتيجة لاستبداد يوسف وهبى بالرأي فأصبح دكتاتوراً في الفرقة، يخرج من يشاء ويدخل من يشاء بغير استشارة أحد حتى مخرج الفرقة على الأقل.
مدينة السينما
لم تتوقف فرقة «رمسيس» عند محطة المسرح، ففي عام 1928 اتجه يوسف وهبي إلى السينما ليس فحسب كنجم وممثل بل كمنتج ومؤسس لصناعة، فقام ببناء وتأسيس «مدينة رمسيس للفنون»، وكان ذلك قبل إنشاء أستوديو مصر بعدة سنوات، وضمت هذه المدينة الفنية التي أقيمت على مساحة 17 فداناً أستوديو تصوير سينمائي مزود بكل التقنيات الحديثة.
وضمت المدينة مرافق فنية واجتماعية أخرى فكان بها مسرح وأكشاك للموسيقى ودار سينما ومحطة إذاعة، واعتبر هذا المشروع من أكبر وأهم المشروعات الفنية في مصر وقتها، وكان أستوديو رمسيس السينمائي من أرقى وأهم الأستوديوهات.
احتضنت المدينة مواهب فنية عديدة آنذاك وعلى رأسها المخرج محمد كريم الذي قام بتصوير المشاهد الداخلية لفيلم «زينب» وكان ذلك في عام 1930 ليكون أول الأفلام التي يتم تصويرها داخل أستوديو رمسيس، وهو أول فيلم يقوم بإنتاجه يوسف وهبي، ويعد باكورة إنتاج شركة رمسيس التي أسسها باسم «رمسيس فيلم». وبعدها أخرج أول فيلم ناطق هو «ابن الذوات» الذي شارك يوسف وهبي في بطولته، لتتوالى بعد ذلك تسطير تاريخ السينما المصرية الحقيقية.