عماد حمدي.. عن ملك الرومانسية الذي دخل السينما صدفة
يعد الفنان الراحل عماد حمدي أحد أهم كبار نجوم السينما في عصرها الذهبي في الأربعينات والخمسينات، وصاحب لقب «فتى الشاشة الأول» على مدى سنوات طويلة منذ ظهوره وحتى منتصف الستينات.
وصلت قدراته الفنية إلى حد العبقرية التي جعلته مقصداً لكل مخرجي ومنتجي السينما منذ بداية مشواره السينمائي وحتى نهايته. وطوال 40 عاماً قدم هذا الفنان كنوزاً سينمائية جعلته يتربع على عرش النجومية، وجعلته أيضاً موجوداً دائماً في ذاكرة وتاريخ السينما المصرية وفي ذاكرة ووجدان جمهورها مهما توالت الأجيال.
شهادة «عسر»
ولد عماد حمدي في 24 نوفمبر 1909 بمحافظة سوهاج. ويروي أحمد الجندي في كتابه «صُنّاع السينما.. نجوم الزمن الجميل» أن والده كان يعمل مهندساً في السكك الحديدية، وكان على درجة كبيرة من الثقافة الفرنسية التي نقلها بدوره إلى أبنائه الثلاثة ومنهم «عماد».
بدأ «عماد» يشعر أثناء فترات دراسته الابتدائية والثانوية بميوله الفنية، ما جعله ينضم لفريق التمثيل بالمدرسة الثانوية، والذي كان يشرف عليه في ذلك الوقت الفنان الكبير عبد الوارث عسر الذي اكتشف موهبة «عماد» وتنبأ له وهو في سن الصبا والشباب بأنه سيكون ممثلاً وفناناً متميزاً.
ورغم هذه الشهادة من الفنان عبد الوارث عسر، إلا أن «عماد» فضل الابتعاد عن عالم الفن والاشتغال به، فالتحق بمدرسة التجارة العليا (كلية التجارة الآن) وتخرج فيها عام 1932، لكنه كان أثناء دراسته العليا يستغل ثقافته الفرنسية ويقوم بترجمة بعض النصوص المسرحية من المسرح الفرنسي لفرقة جورج أبيض.
ورغم ترجمته لهذه المسرحيات، لم يكن الفن أيضاً في ذهن عماد حمدي وخاطره، فبعد أن أنهى دراسته العليا افتتح مكتباً للدعاية والإعلان لكنه لم يستمر طويلاً في هذا العمل، فبعد عامين فقط وبسبب خسائره في هذا المشروع أغلق مكتبه والتحق بوظيفة «باشكاتب» في مستشفى أبو الريش بالقاهرة.
ومن هنا بدأ حلم التمثيل والفن يراوده مرة أخرى فقرر أن يسلك هذا الطريق على استحياء ومن باب الهواية فقط، فانضم لفريق «أنصار التمثيل» لإشباع هذه الهواية وهذه الميول.
استوديو مصر والصدفة
لم تمض فترة كبيرة حتى عرض أحد زملائه بالفرقة أن يعمل في استوديو مصر في وظيفة رئيس حسابات، فوافق «عماد» على الفور بعدما وجدها فرصة ذهبية ليكون داخل عالم السينما وكواليسها.
ظل «عماد» يعمل في هذه الوظيفة لمدة 8 سنوات متواصلة، وأثناء هذه السنوات وجد فيه مخرجو الإعلانات الذين كانوا يخرجون إعلانهم لحساب الاستوديو وجهاً يصلح للتمثيل في الإعلانات ووافق «عماد» وقام بالفعل بالتمثيل في العديد من الأفلام الإعلانية القصيرة التي كان ينتجها الاستوديو لحساب العديد من الشركات الخاصة، والعامة، والوزارات.
وكان التمثيل الإعلاني فرصة جيدة بالنسبة لـ«عماد»، اعتاد خلالها على مواجهة الكاميرا، ورغم ذلك لم يكن يتخيل يوماً أنه سيعمل في السينما وكان يعتبر كل هذه الممارسات الفنية ما هي إلا نوع من إشباع هوايته الفنية في التمثيل.
لكن وعلى غير ما توقع وانتظر، جاءت «عماد» الفرصة ليكون بطلاً سينمائياً، وذلك حينما كان في زيارة لمكتب صديقه الريجسير المعروف قاسم وجدي، وتصادف وجود المخرج كامل التلمساني الذي تفحص وجه «عماد» جيداً، وفاجأه برغبته في أن يكون بطلاً لفيلمه المقبل، فقبل «عماد» العرض واعتبره نوعاً من المغامرة التي لن يخسر منها شيئاً.
وبالفعل قام «عماد» ببطولة فيلم «السوق السوداء» عام 1945 أمام عقيلة راتب، التي كانت نجمة شهيرة ولامعة في ذلك الوقت. والغريب أن هذا الفيلم رغم مستواه الفني المرتفع، ورغم أنه كان نوعاً جديداً من أفلام الواقعية الجديدة على السينما المصرية وقتها، ورغم أنه فيما بعد دخل قائمة «أفضل مائة فيلم مصري» إلا أنه فشل وقتها فشلاً ذريعاً ولم يحقق أي نجاح جماهيري، فأصيب «عماد» بصدمة قاسية واعتبر أن حكايته مع السينما قد انتهت قبل أن تبدأ.
ملك الرومانسية
رغم ذلك كان هناك من اهتم بالظهور السينمائي الأول لعماد حمدي ورأى فيه موهبة عالية وقدرات لم تظهر بعد، وكان هذا الشخص هو المخرج صلاح أبو سيف الذي كان في بداية مشواره السينمائي ويستعد لتقديم فيلمه «دايماً في قلبي» فقابل «عماد» ورشحه لبطولة الفيلم، وبعد تردد وافق «عماد» حيث كان خائفاً من الفشل للمرة الثانية، لكن «أبو سيف» طمأنه.
بالفعل قام «عماد» ببطولة هذا الفيلم عام 1946 أمام دولت أبيض، ومحمود المليجي وحقق نجاحاً كبيراً فنياً وجماهيرياً، فانهالت عليه عروض المنتجين والمخرجين وقدم خلال السنوات المتبقية من الأربعينات عدداً من الأفلام مثل «الضحية الكبرى»، و«سجى الليل»، و«ليت الشباب» والتي حققت له مكانة متميزة على الساحة السينمائية وكتبت نجوميته.
أطلق عليه النقاد وقتها لقب «فتى الشاشة الأول»، كما أصبح الملك المتوج للرومانسية على شاشة السينما في الخمسينات بعدما شارك في «موعد مع السعادة»، و«حتى نلتقي»، و«وفاء»، و«مع الأيام» وغيرهم.
مرحلة جديدة
في الستينيات كان عماد حمدي قد وصل إلى مرحلة عمرية حتمت عليه أن يغير في أدواره وشخصياته حتى يظل محافظاً على مصداقيته مع جمهوره، فجسد شخصية الأب لفنانين كبار ونجوم مشهورين مثل فيلم «الخطايا» و«أم العروسة»، بل واتجه إلى الكوميديا في أعمال مثل «حب ومرح وشباب»، و«الحسناء والطبلة».
وخلال هذه الحقبة قدم أيضاً عدداً من الأفلام الاجتماعية والسياسية المهمة مثل «حكاية نص الليل»، و«ميرامار»، و«المراهقان». كما قدم عدداً من الأعمال التاريخية والتراثية مثل «المماليك» و«رابعة العدوية».
وفي السبعينات استمر عماد حمدي في تقديم شخصية الأب بأنماط مختلفة، كما قدم أفلاماً سياسية واجتماعية أبرزها «ثرثرة فوق النيل»، و«أزمة سكن».
وفي آخر أفلامه «سواق الأتوبيس» الذي أُنتج عام 1983 واعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية، قدم عماد حمدي أداءً عبقرياً عندما جسد دور الأب لبطل الفيلم نور الشريف والذي كان شاهداً على الاضطرابات التي سادت المجتمع المصري بعد حرب أكتوبر 1973، والانفتاح الاقتصادي وما أحدثه من تغير في المفاهيم والقيم، وبدا وكأن «عماد» يريد أن يودع السينما بدور من أهم أدواره في واحد من أهم أفلام السينما المصرية قبل أن يرحل يوم 28 يناير سنة 1984.
تزوج عماد حمدي 3 مرات، المرة الأولى عام 1945 من السيدة فتحية الشريف، وهي أم ابنه «نادر»، وفي عام 1953 تزوج من الفنانة شادية، وفي عام 1961 تزوج من الفنانة نادية الجندي، وانفصلا في السبعينات بعد 13 عاماً من الزواج وأنجب منها ابنه «هشام».