احذر.. انتقال هذا المرض من الآخرين يؤدي للانتحار

احذر.. انتقال هذا المرض من الآخرين يؤدي للانتحار

تنتقل الأمراض العضوية كالبرد، والجدري، والإيدز من إنسان لآخر عبر وسائل مختلفة، منها التلامس، أو التنفس، أو العلاقة الحميمة أحيانًا، وهناك طرق معينة لتفادي هذه الأمراض المعدية. لكن ماذا عن مرض نفسي مثل الاكتئاب؟ هل ينتقل من إنسان لآخر؟ وهل يصل به إلى مضاعفات خطيرة مثل الانتحار؟ هذا التقرير من «شبابيك» يجيبك.

الاكتئاب من الداخل أو الخارج

أستاذ الطب نفسي بجامعة عين شمس أحمد عكاشة، يفرق في كتابه «الطريق إلى السعادة» بين نوعين أساسيين من مرض الاكتئاب، ويشرحهما ببساطة كالتالي:

الاكتئاب الجسيم.. لا دخل لنا فيه
الممثل الأمريكي روبن ويليامز انتحر بسبب الاكتئاب الجسيم

هو اضطراب معين في الجهاز العصبي ومركز العواطف في مخ الإنسان، مع عدم اتزان في بعض الموصلات العصبية، مما يجعل المرء يشعر بانعدام الرغبة في الحياة نفسها وليس مجرد حزن معتاد، وينتهي الأمر بالانتحار.

ولهذه الأسباب العضوية أصلا، يصاب الإنسان بالاكتئاب الجسيم دون سبب مباشر، حتى لو كان ناجحًا في حياته ويملك المال الوفير والصحة الممتازة، وسبب هذا الاضطراب يكون وراثيًا بنسبة 30% من الأبوين.

عُسر المزاج.. من الظروف المحيطة
الظروف المحيطة قد تؤدي لاكتئاب واضطراب مزاجي

هو حالة تحدث نتيجة الظروف الخارجية في حياة الفرد، أيًا كان نوع هذه الظروف التي تسبب الشعور باليأس والحزن والمزاج السييء غير المستقر، فهو يعتبر «اكتئاب خفيف» بحد تعبير «عكاشة».

هل الاكتئاب يعدي؟

هل الجلوس مع المكتأبين ينقل إليك العدوى؟

تشير الطبيبة النفسية بسمة عبد العزيز إلى حقيقة أن الاكتئاب لا ينتقل من شخص لآخر بشكل مباشر، فليس من اللازم أن يُصاب المرء بالاكتئاب مباشرة بمجرد أن يجلس مع شخص مكتئب مثلا.

الاكتئاب ليس فيروسًا أو بكتيريا تتسلل من جسم لآخر، لكن في نفس الوقت قد تنتقل المشاعر السيئة من شخص مكتئب لشخص آخر، كما تنتقل مشاعر الفرح ببساطة بين شخصين يضحكان.

عدوى المشاعر هنا هي الفيصل في إصابة الشخص بالاكتئاب، فقد يتعامل الشخص مع المشاعر بطريقة سليمة حتى يتخلص منها، أو تستمر معه ليعاني أعراض الاكتئاب وكأنها انتقلت إليه.

ليس الأشخاص فقط

فيسبوك يجري التجارب لمعرفة مدى الإصابة بالاكتئاب

لا يقتصر انتقال المشاعر السلبية من الأشخاص فقط، بل من قراءة كتابات وكلمات معينة تحتوي على المحتوى المُعدي للاكتئاب، مثل منشورات مواقع التواصل الاجتماعي.

في 2015، أُجريت تجربة «لا أخلاقية» كما وصفها موقع «فوربس» حين استهدف موقع «فيسبوك» عددًا كبيرًا من المشتركين فيه، لتعريضهم لمنشورات ذات طبيعة سلبية ويائسة، في حين تعرّض عدد آخر إلى منشورات إيجابية محفزّة.

النتيجة كانت تأثر المشتركين بكلا النوعين من المنشورات، فالذين تعرضوا للاكتئاب واليأس صارت تعليقاتهم أكثر سوداوية وكآبة، بينما صار جمهور المنشورات المحفزة أكثر تفاؤلا وانطلاقًا.

على الشاشة

13 Reasons Why من المسلسلات المتهمة بنشر الاكتئاب

قد تتسبب الأعمال السينمائية أو التليفزيونية في تزايد معدل الاكتئاب ومن ثم الانتحار، لما فيها من محتوى نفسي كئيب ومسبب للنكد، ومن أشهر الأعمال الحديثة في هذا الصدد يأتي المسلسل الأمريكي «13 Reasons Why».

يحكي المسلسل عن أسباب انتحار فتاة مراهقة لما تلاقيه من مشاكل في المدرسة ومع أصحابها، ورغم تلقيه نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وإشادات نقدية، إلا أن نسبة البحث عن الانتحار ازدادت بنسبة 26% على موقع «جوجل» بعد عرض الجزء الأول من المسلسل.

يحتوي المسلسل على مشاهد كئيبة وانتحارية

شركة «نيتفليكس» المنتجة للمسلسل كتبت تحذيرًا أسفل المسلسل هكذا: «يحتوي هذا المسلسل على مشاهد قد يجدها بعض المشاهدين مزعجة، بما في ذلك مقاطع مُمثلة لاعتداءات جنسية وتعاطي المخدرات والكحول وحالات انتحار».

وللمزيد من محاولة إخلاء المسؤولية، وضعت الشركة رابطًا لموقع خاص بالمساعدة النفسية لمشاهدي المسلسل، حتى يتمكن كل من يشعر بالرغبة في الانتحار من التحدث إلى أشخاص مخصصين لمساعدته، مع تحديد الدولة التي ينتمي إليها.

العُزلة ليست الحل

قد يلجأ المرء لتجنب الأشخاص السلبيين والمكتئبين بقدر الإمكان، خاصة إن كان سريع التأثر بهم، ولكنه قد يضطر إلى مصاحبة أشخاص آخرين يسببون له هذه المشاعر في العمل وغيره.

في العموم تُحذر الدكتورة بسمة عبد العزيز من الانعزال عن الناس تمامًا لتجنب المشاعر السلبية الصادرة عنهم، لأن العُزلة والوحدة في حد ذاتها تسبب الاكتئاب، ويجب على المرء أن يجتمع بالآخرين ويتعامل معهم لصحته النفسية.

كيف تتعامل معها؟

كيف تواجه الاكتئاب الدخيل؟

التأثر بمشاعر الآخرين لا يمكن منعه، وإنما يتعلق الأمر بقدرة الإنسان على التعامل مع المشاعر إذا أصابته، ولمعالجة عدوى المشاعر الكئيبة، إليك هذه النقاط الهامة:

الفلترة

في كتابه «الخروج عن النص» يشير استشاري الطب النفسي محمد طه إلى أهمية «الفلترة» للمشاعر المدسوسة من الآخرين، بمعنى مراجعة مشاعر اليوم أولا بأول والتفرقة بين مشاعرك الذاتية ومشاعر الآخرين السلبية.

الهروب والترفيه

تجاهل المشاعر الكئيبة حل سهل عند كثير من الناس، والهروب منها بمختلف وسائل الترفيه التي يحبها أصحابها، حتى تختفي المشاعر من تلقاء نفسها أو ينساها صاحبها.

الروحانيات نسبية

بعض الناس يتأثرون بالنشاطات الروحية مثل الصلاة أو اليوجا مما يخفف من شدة المشاعر السلبية، لكن هذا لا يندرج تحت باب علم النفس لأنه يختلف من شخص لآخر، وبالتالي هو ليس حلاً في العموم.

المواجهة

الحل الأمثل في نظر الدكتورة «بسمة» هو مواجهة المشاعر نفسها وعدم السماح لها بالسيطرة، عن طريق فهمها والتصرف العملي معها، فلو كانت المشاعر نتيجة الشعور بالفقر مثلاً مما يسبب الاكتئاب، فعلى صاحبها مواجهة المشكلة نفسها والبحث عن حل فعال لها بحسب إمكانياته.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة