جورج بوش الأب.. كاهن أمريكا الذي خرّب الشرق الأوسط
ظل الأثر السياسي والعسكري للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب باقيا في العالم كله وخصوصا في الشرق الأوسط، وتمتلئ سيرته الذاتية بأحداث كبيرة وكارثية أيضا، ففي عهده تفردت الولايات المتحدة على العالم، وسقط الاتحاد السوفيتي وانهار جدار الفصل العنصري في برلين ويعتبره السياسيون مؤسس النظام العالمي الجديد.
في عيد ميلاده الثامن عشر التحق جورج هيربرت ووكر بوش، بالقوات المسلحة الأمريكية، ورغم أنه كان أصغر طيار حربي، نفذ 58 مهمة قتالية في الحرب العالمية الثانية، لينتهي به الحال في النهاية رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.
بعض المراقبين في الشرق الأوسط يرون بوش الأب صاحب الفضل في تحرير الكويت من الغزو العراقي، وتخليص الشعب الكويتي من الوقوع في أسر العراقيين، وآخرين يعتبرونه مدمر الشرق الأوسط بالسياسات التي اتبعها طوال فترة حكمه.
الحرب ضد العراق
تزامنت ولايته الرئاسية التي استمرت من 1989 إلى 1993 مع انتهاء الحرب الباردة، وكان لها أثر مباشر على منطقة الشرق الأوسط، بعدما قاد حملة إخراج القوات العراقية من الكويت بعملية «عاصفة الصحراء»، لكنه رأى أن التدخل في الشرق الأوسط ينذر بفوضى قادمة.
في دراسة له بعنوان «الثقافة السياسية لدى الجمهوريين وأثرها على السياسة الخارجية الأمريكية» يقول الباحث محمد جابر، المتخصص في العلاقات الدولية: «كانت سياسة بوش الأب بمثابة نقطة التحول في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع والتي خلفت العديد من الكوارث في الدول العربية».
ويضيف: «أرسى جورج بوش دعائم حرب العراق، ثم أكملها بعد ذلك بوش الابن ولا ننسى خطابه أمام الكونجرس حينما قال إن الأزمة المشتعلة في الخليج الفارسي تلوح لنا بأن نبدأ في نظامنا العالمي الجديد».
كاهن أسس النظام العالمي الجديد
في العام 1990، أعلن بوش الأب «النظام العالمي الجديد»، وشهدت فترة رئاسته جملة من التطورات العالمية والإقليمية، وغيرت من المشهد العالمي.
في خطاباته حرص بوش على استخدام عدد من العبارات دلت على عقلية تشبه عقليات الكهنة في العصور الوسطى أحيانا، وأخرى تشير إلى دموية مفزعة، منها «القوة العسكرية للولايات المتحدة هي الضامن الأكيد لقدرتها على فرض ما تراه — وما تراه فقط — على العالم».
واستخدم بوش عبارة الآباء المؤسسين للولايات المتحدة التي تصف الدولة أنها «دولة خاضعة لله»، وهذا يشير إلى أن لهذه الدولة الحق في فرض قيمها وما ترى على العالم أجمع، بأي وسيلة ممكنة، ولا يهم إن كان هناك ضحايا لما تراه هذه الدولة، طالما كانت راعية لمملكة الله على الأرض.
التخلص من أطراف التهديد
عمل بوش خلال تواجده على رأس السلطة بالولايات المتحدة على تصفية كل خصوم واشنطن، والتخلص من أي طرف يهدد سيادة أمريكا على العالم.
كما وضع قواته على مناطق هامة من الوطن العربي، وكان يرى أن احتلال روسيا لدول البلطيق -إستونيا ولاتفيا ولتوانيا- من الأمور الخطيرة التي تمثل تهديدا صريحا للولايات المتحدة الأمريكية، ويجب التصدي له.
إسقاط صدام وضياع الحلم الفلسطيني
تهديدات بوش طالت منطقة الشرق الأوسط، وزعم وجود خطر على الرعايا الأمريكيين في المنطقة، وفي فبراير 1990 تحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من دعم نظام الرئيس العراقي، صدام حسين، في حربه مع إيران والسماح له بالتسلح بأحدث تقنيات الحرب عالميا، لتعلن الحرب عليه بعد غزو الكويت.
لذلك لم يكن قرار الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق خلال فترة حكم بوش الابن مفاجئا، فقد سبق الأب ابنه بالتمهيد لهذه الخطوة.
في كتابه «ماذا يريد العم سام» يؤكد الباحث الأمريكي نعوم تشومسكي أن إدارة جورج بوش الأب كانت تخطط لتصفية نظام صدام حسين، لأن هحاول أن يخرج من تحت عباءتها ويتحرك منفردا، فأغرته بغزو الكويت حتى يسهل الإيقاع به، وقد كان.
ويشير إلى أنه بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، رفضت إدارة بوش كل الحلول السلمية التي يمكن من خلالها تسوية الأمر، وربطت الأمر بالقضاء على القضاء على أسلحة العراق الدمار الشامل.
يقول تشوميسكي إن الولايات المتحدة أجهضت كل محاولات إرساء السلام في الوطن العرب، وكل محاولات إقامة دولة فلسطينية، وكانت من ضمنها إدارة بوش الأب، الذي خلق نظاما عالميا جديدا جاءت أثاره مدمرة على كل الشعوب التي حاولت الإفلات من السيطرة الأمريكية.
السيطرة على نفط الخليج
لم يتوقف الأمر الذي اتخذه بوش الأب على طرد القوات العراقية من الكويت، فالجنود الأمريكان رابطوا في الأراضي السعودية لمنع تقدم العراقيين، فيما عرف بعملية المراقبة الجنوبية، وفرضت مناطق حظر الطيران فوق جنوب العراق التي أنشئت بعد عام 1991، كما أن صادرات البلاد من النفط من خلال ممرات النقل البحري في الخليج العربي كانت محمية من قبل الأسطول الخامس الأمريكي ومقره البحرين.
وفي عام 2003، سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من المملكة العربية السعودية ونقلتها لقاعدة العديد القطرية، ويري غالبية المحللين أن الغرض الأساسي من بقاء القوات الأمريكية في دول الخليج العربي هو التحكم في منابع البترول، والسيطرة على أسعاره.
عائلة جورج بوش
وبالعودة إلى سيرة بوش الأب الذاتية فهو حصل على وسام العمل الشجاع في الحرب، وتزوج من المرأة التي أصبحت حب حياته، باربرا بيرس، واستمر الزواج 73 عاما.
كان هذا الزواج على وشك أن يحطم الرقم القياسي ليصبح الأطول في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، بامتداده إلى 73 عاما. كان لديهما ستة أطفال، أحدهم روبن الذي توفي في طفولته، وجورج دبليو بوش الذي أصبح رئيسا لفترتين، بالإضافة إلى 17 حفيدا.
جاءت وفاة جورج بوش الأب في الأول من ديسمبر 2018 بعمر 94 عاما، بعد أشهر من وفاة زوجته في أبريل 2018، ومنذ رحيلها أصبح على مقعد متحرك.