المسيحيون في السينما المصرية.. فقر واضطهاد وبطالة وقدر واحد
في عام 1923 ظهر أول فيلم مصري روائي باسم «برسوم يبحث عن وظيفة» ليحكي قصة شاب مسيحي يعاني من البطالة، ولم تكن هذه آخر مرة يظهر فيها المصريون المسيحيون على الشاشة الكبيرة.
كيف صوّرت السينما المصرية المسيحيين في أفلامها على مدار ما يقرب من 100 سنة؟ وكيف أظهرت علاقتهم بالمسلمين؟ في هذا التقرير من «شبابيك» تعرف الإجابة.
برسوم يبحث عن وظيفة.. هموم المسلم والمسيحي واحدة
لا يحكي الفيلم الأول في مصر وأفريقيا عن الشخص المسيحي فقط، بل يحمل اسمه أيضًا، فأصبح «برسوم» بطلاً للفيلم بجانب الشيخ متولي صديقه المسلم، ويبحث الاثنان أثناء دقائق الفيلم الـ 16 عن وظيفة تنقذهم من الجوع والفقر.
أظهر الفيلم «برسوم» محبًا لصديقه «متولي»، في إشارة للترابط بينهما رغم اختلاف الديانة. في أحد المشاهد يصلي «برسوم» بجانب صورة السيد المسيح وفوقها هلال المسلمين مع كلمة «يحيا الارتباط».
يفشل الصديقان في العثور على العمل في أحد البنوك، بعد أن طردهما مدير البنك عندما اكتشف فقرهما، ويرتمي الإثنان على جانب الطريق نائمين من التعب، ثم يأتي أحد رجال الشرطة ويقبض عليهما.
تأثر الفيلم كثيرًا بشارلي شابلن وحركاته الصامتة، وكان من المخطط أن تظهر سلسلة أفلام لـ«برسوم» على غرار إسماعيل ياسين، إلا أن وفاة ابن محمد بيومي مخرج الفيلم المفاجئة أحزنته بشدة وجعلته يتوقف عن المشروع.
حسن ومرقص وكوهين.. الشر واحد بخلاف الدين
يحمل اسم الفيلم هذه المرة الأديان الثلاثة الموجودة في مصر، ويرسخ لفكرة واحدة هي أن الإنسان قد يكون جشعًا مستغلاً بغض النظر عن دينه، فالأبطال الثلاثة حسن، ومرقص، وكوهين يشتركون في ملكية مخزن أدوية، ويستغلون «عباس» العامل الفقير لديهم في إطار كوميدي.
يرث «عباس» فجأة مبلغًا ضخمًا من المال، فيقرر الأشرار الثلاثة التلاعب به من أجل الفوز بنصيب من المبلغ، ولكنهم يفشلون في النهاية لينتصر الخير، والفيلم في الأصل عن مسرحية كتبها نجيب الريحاني وهو مسيحي الديانة مع السيناريست بديع خيري، المسلم.
الشيخ حسن.. المسيحية أحبّت الشيخ
في نفس العام 1954 الذي ظهر فيه فيلم «حسن ومرقص وكوهين» يخرج فيلم آخر للنور ليرسخ لفكرة مختلفة تمامًا عن التعايش، وهي زواج المسلم والمسيحية، لهذا كان اسم الفيلم في البداية «ليلة القدر» في بداية انتاجه عام 1951.
تناول الفيلم لأول مرة قصة حب بين حبيبين مختلفي الديانة، ثم زواجهم بالفعل رغم اعتراض الأهل، ولكن الطلاق يحدث بسبب مرض الحماة حزنًا بينما تصبح الزوجة حاملاً لابن الشيخ وتلده في بيت والدها.
يرغب «حسن» في رؤية ابنه، لكن الأهل يمنعوه، وهنا تسمعه زوجته الراقدة في الفراش وتحاول النزول لمقابلته فتسقط على السلم وتُصاب بشدة، ليأتي القس إليها في فراشها ويجدها تنطق بالشهادتين ثم تموت على الإسلام.
منعت الرقابة الفيلم بأمر من الرئيس محمد نجيب بعد اعتراض بعض المثقفين المسلمين والمسيحيين معًا على عرضه، حتى أضاف له بطله الممثل حسين صدقي 7 دقائق وطلب عرضه سنة 1954.
الراهبة.. التضحية والعفاف
في الستينات من القرن الماضي، بدأت السينما تتناول الشخصية المسيحية بشكل صريح ومُركز كما في فيلم «الراهبة» الذي يحكي عن «هدى» وحبها لمرشد سياحي لم يبادلها المشاعر وإنما عرض حبه على أختها.
تقرر «هدى» تقديم الفقرات الاستعرضية في الملاهي الليلة حتى تنسى مأساة حبها، وتتحول بالفعل إلى نجمة شهيرة باسم «سونيا»، إلا أنها لا ترتاح في هذه الحياة وتبدأ بالتردد على الدير للعبادة.
ينتهي الحال بالنجمة الاستعراضية الكبيرة وهي تتخلى عن مجدها وتمارس الشعائر الدينية في سلك الرهبنة بينما تتزوج أختها من المرشد السياحي، في إشارة أن العبادة هي الخلاص والنور لها.
الإرهابي.. المتشدد المسلم مع المسيحي
انتشرت الأفلام المنتقدة للتشدد الديني في التسعينات، ومن أشهرها فيلم «الإرهابي» الذي عرض حياة المتشددين وقوانينهم في استباحة الدماء والأعراض، وتأتي المفارقة حين يضطر الإرهابي بطل الفيلم إلى السكن مع أسرة معتدلة دينيًا حتى يتعافى من حادثة.
يقابل الإرهابي جاره مسيحي الديانة، فيكتشف أنه يعاني من نفس المشاكل الأسرية التي يعاني منها المسلمون، وفي مشهد أيقوني يتابع الإرهابي مع المسيحي مباراة كرة قدم للمنتخب المصري، ويتعانقان حين يحرز منتخبهما هدفًا.
ينتهي الفيلم بمقتل الإرهابي على يد جماعته، بينما ينادي على الأسرة التي عاش معها وأدرك فائدة التعايش الوسطي وأيضًا التعايش السلمي مع الأديان الأخرى.
هكذا حضر النبي محمد في أعمال الروائيين المسيحيين
بحب السيما.. المتشدد المسيحي
في عام 2004 كان الجدل الجديد مع عرض فيلم «بحب السيما» الذي اعتبره الكثيرون هجومًا صريحًا على العقيدة المسيحية وتقدم رجال دين ومحامون بدعوى قضائية لوقف عرضه.
الفيلم تناول قصة رجل مسيحي شديد التزمت في بيته، يمنع ابنه من مشاهدة الأفلام لأن السينما محرمة من وجهة نظره، ويزهد في لقاء زوجته في الفراش لاعتبار الجنس خطيئة مستترة، فيضطر الابن للتحايل حتى يذهب للسينما وتقع الأم في الزنا مع زميلها في العمل.
احتوى الفيلم مشاهد سب وشتائم بين المسيحيين، لكنه ينتهي باعتدال الأب حين يكتشف أن الموت قريب منه، فيسمح لعائلته بالاصطياف ويطلب لقاء زوجته جنسيًا أخيرًا، حتى يموت على الدراجة مع ابنه نتيجة التعب.
حسن ومرقص.. قدرنا واحد
يعود حسن، ومرقص من جديد في عام 2008 لكن بدون كوهين هذه المرة، ويظهر كلاهما في دور المُضطهد بلا ذنب، فالمسلم تطارده الجماعات الإسلامية المتطرفة، والمسيحي تحاول جهات إرهابية اغتياله، فيضطر كلاً منهما إلى تغيير شخصيته وديانته.
حسن، ومرقص يتعايشان معًا لأنهما يظنان أن الآخر مثله في الدين، ويشتركان في تجارة واحدة، بل يسكنان في نفس الشقة حين تتعقد أمورهما، كأنها المقولة التي قالها أحدهما للآخر «الظاهر إن قدرنا واحد» ويكتشفان أن المسميات بينهما تختلف لكن حياتهما واحدة تمامًا.
لا مؤاخذة.. الاضطهاد المستتر
هذه المرة يتصدر بطولة الفيلم طفل في المرحلة الابتدائية، يحمل اسم «هاني عبد الله» فيحسبه الجميع مسلمًا رغم أنه مسيحي في الأصل، ومن ثم يتحدثون أمامه عن المسيحيين بلا خجل، ليكتشف أن المسلمين يطلقون عليهم ألقابًا ساخرة مثل «4 ريشة، عظمة زرقاء، كوفتس» وغيرها.
لم يتوقف الأمر على السخرية فقط، فحين افتضح أمر «هاني» وجد معاملة الجميع تتغير للأفضل كأنهم يتحاشونه، فقد صاروا الآن متهمين باضطهاده لو صدرت منهم أي محاولة لمضايقته، يكره الطفل هذه المعاملة، ويسعى ليكون متساويًا مع الجميع كأنه واحد منهم مع اختلاف ديانته.
يوم الدين.. الترابط من جديد
متى يتساوى المسلم والمسيحي في كل شيء رغم كل اختلاف؟ سيكون هذا فقط في «يوم الدين» كما يقول عنوان الفيلم المصري الذي نافس على سعفة مهرجان «كان» الذهبية في عام 2018.
بطل الفيلم مسيحي مُصاب بالجُذام يبحث عن أسرته في الصعيد، ويضطر لخوض رحلة صعبة على عربته المتهالكة بصُحبة صبي صغير مسلم رفض أن يتركه وحيدًا.
يساعد الصبي صديقه المجذوم، خاصة أن هيئته تخيف الناس منه حاسبين أن مرض الجذام سيعديهم، وتتبدى علامات الترابط بين الصديقين حين يصلي الصبي في المسجد ويصلي بجانبه صديقه المسيحي.
كارما.. تحول فجائي
المسيحي الفقير العاطل والساعي لكنز وهمي غير موجود، هكذا يظهر في فيلم «كارما» الذي يحكي بطريقة خيالية عن تحول المسيحي الفقير إلى مسلم شديد الثراء والعكس.
يثور المجتمع على هذا الأمر وتصبح قضية رأي عام، فكيف يفطر المسلم في رمضان ويضع تماثيل العذراء على مكتبه؟ أما خال الشخص المسيحي فيصرخ «دين أمه عمل له إيه عشان يغيره؟»
ينتهي الفيلم بمقتل الخال المتشدد، وبقبول كل واحد لحقيقته ودينه، المسيحي الفقير والغني المسلم، فقد صار كلاً منهما مفتقدًا لشخص عزيز في حياته.