أحمد صقر يكتب: الأرز هو الحل
كل من يصل إلى اليابان يكتشف أهمية الأرز كمكون أساسي في منظومة الغذاء اليابانية.
الأرز وجبة صباحية للجميع من الموظفين إلى الأطفال في الطريق للمدارس، كما يتم استخدامه في صور وأشكال متعددة في باقي وجبات اليوم.
هذا المحصول الاستراتيجي الذي تنتج منه اليابان ما يتجاوز ٨ مليون طن سنويا ويستوعب ٧٠٠ ألف مزارع ياباني قد أصبح أسلوبا للحياة.
الطفل صباحا يفطر كرات الأرز التي تجدها في كل المتاجر والسوبر ماركت متاحة يوميا بعشرات الأنواع من الحشو كالتونة والبيض والجمبري والخضراوات وغيرها.. دائما ستجدها مرصوصة صباحا مغلفة بورق طحالب البحر المجفف ليتخطفها مئات الألوف من الطلاب والموظفين لرحلتهم الصباحية لأعمالهم، فإذا عرفت أن تكلفتها لا تتجاوز ١ دولار وهو يماثل في قوته الشرائية ١ جنيه في مصر فلك أن تتخيل كم سنتمكن من تخفيف أعباء كثيرة على كاهل الأسر المصرية إذ ما تم تمصير الفكرة بما يتناسب مع المستهلك المصري وخلق شبكات التصنيع والتوزيع المحلية في كل أرجاء البلاد.
فالأمر لا يتوقف على كرات الأرز (الاونيجيري) ولكن الأرز هو جزء من شخصية اليابان.. الآيس كريم يصنع من الأرز.. الخمور والساكي يصنع من الأرز.. عجينة الموتشي التي تقام لها الاحتفالات والمهرجانات ومسابقات القوة في الطرق المتبادل لتحويل الأرز إلى عجين يصنع منها فطائر لا يحتاج الشعب الياباني بعدها إلى خبز أو عجينة فطائر.
ودعني أخبرك أن السوشي هو أكلة شعبية وأغلب أطباقها تكلفتها ١ دولار لذلك لا استطيع فهم لماذا أصبح الحصول على وجبة سوشي في مصر يتكلف ثروة بينما بقليل من المجهود نستطيع تمصير الفكرة وتقديم طبق سوشي مصري من أفخر أسماك البحر الأحمر والأبيض ونهر النيل لا يتجاوز ثمنه الـ٥ جنيهات.. فالأرز إذ ما تم الاستفادة من كل أشكال القيمة المضافة به يغني الشعوب عن استيراد ملايين من أطنان القمح التي تستنزف مخزون العملات الأجنبية ويوفر منظومة غذاء تتقاطع بها النشويات مع البروتين من أجل إسعاد المصريين.
لك أن تعرف أن سعر كيلو الأرز يتجاوز ٣ دولار في اليابان بينما لم يصل إلى ١ دولار في مصر، فهل تتخيل كم من المنتجات نستطيع صنعها من ١ كيلو رز إذ ما تمكنا من إطلاق وتمكين أفكار الشباب الابداعية في تحويل الأرز المصري إلى منظومة أمن غذائي للأمن القومي المصري.
فلا يجب أن نكتفي في مصر بحشو كل ما يقابلنا من خضراوات وحيوانات بالأرز.. لا يجب أن نكتفي بتحويل أكل الأرز إلى طقس احتفالي تتفرد به الأمهات في طبخها اليومي؛ بل نحتاج إلى منظومة تصنيع لمنتجات جاهزة للأكل توضع على الأرفف ولا تحتاج إلى تبريد أو تسخين.
إذ ربما تكون"Startup" تعمل في هذا المجال لديها فرص أكبر في النمو من عشرات الشركات التي لا تري إلا منطقة ضيقة لاستخدامات التكنولوجيا تتصارع جميعا عليها وينتهي الأمر بأغلبها بالفشل، بينما هناك فرص هائلة للأرباح إذا قمنا بالاستثمار في عملية القيمة المضافة علي محاصيل الزراعة التي تصل في الدول المتقدمة إلى ٦٠ ٪ من ناتجها الزراعي بينما لا تتجاوز ١٠٪ تصنيع زراعي في مصر.
فهل نرى قريبا من يعمل على تطوير صناعة الأرز في مصر بدلا من محلات الكريب والوافل وغيرها من المنتجات الدخيلة التي أصبح لا يخلو شارع مصري منها، بينما الأرز والأسماك في أنهار وبحيرات المحروسة فيها الحل للعقل والبدن وبقاء المرتبات إلى نهاية الشهر.
ولا يصح أو يليق أن نتحدث عن سياسات تقليل كميات الأرز المزروع لتوفير مياه ونحن لازلنا نزرع بالغمر ولم نقم بتحديث منظومة ري تستخدم منذ مائة عام أو أكثر. بل أن عمليات القيمة المضافة على صناعة الأرز ستكون مجدية عوائدها أكثر للصناع محليا وعلى الناتج القومي وستغنيهم عن التحايل على قوانين منع التصدير.
الخلاصة أننا يجب أن نتوقف على النظر للأرز قرينا للمحشي بل يجب أن يُنظر له بنظرة اقتصادية واستراتيجية في منظومة الأمن الغذائي والاقتصادي وتطوير صناعة الأرز واستخدام كل ممكنات القيمة المضافة بها لتحويلها إلى طوق نجاة لبطون وعقول وجيوب المصريين تماما مثلما فعل اليابانيون بعد تدمير بلادهم في الحرب العالمية الثانية؛ فالبطون الجائعة لا تصنع مجدا.