متى يكون الفقر والجهل مبرران لارتكاب الجرائم؟

متى يكون الفقر والجهل مبرران لارتكاب الجرائم؟

أصبح ملحوظا ارتفاع معدلات الجريمة داخل الأسرة المصرية، يتوازى ذلك مع تنامي معدلات الفقر وتراجع مستويات المعيشة، وهو ما يطرح تساؤلات عن الرابط بين الفقر والجهل ومبررات الإقدام على الجريمة.

بطرح السؤال بصيغة أخرى على مجتمع الأفراد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، شارك في الإجابة على سؤال «هل يكون الفقر والجهل مبررا للجرائم» 691 فردا.

قرابة نصف المبحوثين وتحديدا 49% يرون أن الفقر والجهل سببان رئيسيان لإقدام الشخص على ارتكاب الجرائم، بينما 51% لا يرون مبررا للجرائم في أي حال.

استطلاع رأي حول رأي الشباب المصري في تسبب الفقر والجهل في ارتكاب الجرائم

وحملت تعليقات البعض الآخر وهم قلة آراءً أكثر وضوحا حيث يرى أحدهم أن الجهل ربما يقود الناس للجرائم لكن الفقر ليس مبررا لذلك، بينما يقول ثاني أن الأمر يخضع لمعايير أخرى غير الفقر والجهل، فبعض الناس أغنياء ومثقفين ويرتكبون جرائم.

فجوة الفقر سبب للجرائم

بالرجوع للإحصاءات الرسمية في مصر، تقول إن حوالي 20% من السكان يحصلون على 44% من الدخل القومي، كما أن 40% منهم يحصلون على أقل من 9% فقط،

بسبب هذه الفجوة يلجأ علماء الاجتماع دوما إلى الربط بين معدلات الفقر والتفاوت الطبقي وزيادة الجرائم.

الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة، يقول إن الفقر والجهل بالفعل قد يكونا مدخلا لارتكاب كثير من الجرائم، والأفعال العنيفة، لكن هناك ضابط لحجم هذه الجريمة أو الكارثة التي تقع بفعل الفقر.

في حديثه لـ«شبابيك» يؤكد صادق أن الأمر يحكمه تحدي فمن يمرض ابنه يكون أدعى للسرقة ممن يجوع طفله وهكذا.

ويضرب صادق مثالا بالسيدة التي أجبرت ابنها على تسلق شرفة منزلها بعد ضياع مفتاح الباب في منطقة أكتوبر والتي عرفت في يناير 2019 بـ«طفل البلكونة» حيث أن هذه الواقعة مثلا أجبرت الأم ابنها على المخاطرة بحياته لأنها لا تملك المال.

الواقعة السابقة تكاد تكون حاكمة من وجهة نظر صادق حيث أن الأم الفقيرة التي تعمل خادمة، أجبرها الفقر والجهل على وضع ابنها في هذا الموقف، الذي ظهر فيه وهو يصرخ خشية السقوط من الطابق الثالث.

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن ضغوط الحياة التي يتسبب فيها الفقر قد تسوق الناس لفعل أشياء رغما عنهم.

لكن القانون يعاقب الجميع

الجرائم التي يستنتج لها علماء الاجتماع مبررات وأسباب مقنعة قد لا تكون كذلك من وجهة النظر القانونية، بحسب صادق، فمثلا بعض المصريين الذين يهاجرون لمجتمعات أوروبية ويقدمون على ختان الإناث ثم يتعرضون للمسألة القانونية، وتصدر ضدهم أحكام عقابية لأن القانون هنا لا يعرف المورثات الثقافية.

أما الجهل فلا تقل خطورته من حيث ارتكاب الجرائم عن الفقر وهما متربطان معا وفقا لأستاذ علم الاجتماع حيث أنهما يدفعان الأفراد على ارتكاب جرائم كثيرة، أقلها مثلا الفقراء الذين ينجبون عدد كبير من الأطفال ثم لا يحسبون كيف سيتم تربيتهم أو تعليمهم فهذه أحمق الجرائم التي ترتكب بفعل الجهل.

معادلة ثابتة.. الفقر=جرائم

وتتفق الدكتورة عزة كريم مع الطرح السابق، فتقول إن هناك معادلة اجتماعية مقررة وهي أن الفقر أكبر دافع للجريمة، والفقر أيضا سببا في الجهل.

وتضيف أستاذ علم الاجتماع أن الجريمة تنتشر في مصر بسبب شيوع الفقر حتى أن المجتمع المصري ينقسم بشكل حاد إلى قسمين فئة من الفقراء وهم كثيرون والفئة الأخرى من الأغنياء، وللأسف توجد فروق كبيرة بين الطبقتين.

وتشير إلى أنه عندما يزداد الفقر ترتفع معدلات الجريمة، حتى أن المجتمع كلما زادت معدلات فقره تظهر أشكال جديدة من الجرائم.

الرؤية نفسها يؤيدها غالبية علماء الاجتماع، وفق ما يقول الباحث في قسم الاجتماع والديموغرافيا في جامعة منتوري الجزائرية شيهب عادل، حيث يري روبرت ودس، أنه كلما كانت معدلات الجريمة مرتفعة تكون البنية الاقتصادية ضعيفة ويتمثل هذا الضعف في إهمال المشاريع الاقتصادية الحيوية ونمو البطالة وتزايد معدلات الخراب.

ويشير الباحث إلى أن النتيجة نفسها وجدها الدكتور المصري بدر الدين الخالدي، في دراسته للواقع المصري في سبعينيات القرن الماضي، حيث تزداد معدلات الجريمة كلما زادت معدلات الفقر.

وأكد الباحث أن الدراسات التي أجريت في الآونة الأخيرة تبين أن الفقر هو السبب الأساسي في الجريمة، وأن الحالة العقلية للمجرمين ترجع إلى الانحطاط الاقتصادي من ناحية والتفكك الطبقي من ناحية أخرى.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية