تاريخ حي القبة.. من استراحة السلاطين إلى قصر الخديوي إسماعيل

تاريخ حي القبة.. من استراحة السلاطين إلى قصر الخديوي إسماعيل

أثناء فترة حكمه الممتدة بين عام 1863 حتى عام 1879، أنشأ الخديوي إسماعيل قصر القبة لإقامته هو وأسرته، ما ساهم في امتداد العمران في هذه المنطقة التي كانت غير مأهولة. فما حكاية القبة التي اختارها إسماعيل موقعاً لبناء قصره الفخم.. وكيف تطورت المنطقة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن؟. عباس الطرابيلي روى الحكاية كاملة في كتابه «أحياء مصر المحروسة».

القبة.. استراحة السلاطين

خلال الفترة من 1479 حتى 1481 أنشأ الأمير يشبك الدوادار بقطعة أرض ناحية المطرية قبة فخمة عالية لينزل فيها عندما يخرج للنزهة خارج القاهرة، لطيب هوائها وتوسطها بين الأراضي الزراعية والأراضي الصحراوية الجافة، وبعيدا عن ضوضاء العاصمة.

وعندما تولى حكم مصر السلطان الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري عام 1500، استمر في سياسة الأمير يشبك نفسها، فاتخذ هذه القبة مكانا ينزل فيه كلما أراد التنزه والرياضة، وكان يبيت فيها من وقت لآخر طوال مدة حكمه، بل إنه أنشأ بجوارها عددا من «الفساقي» يجري فيها الماء، وحفر بئرا ليشرب منها المسافرون، الذين يمرون من هناك.

وهكذا عُرفت المنطقة باسم «قبة الغوري»، بعد أن أصبحت من أملاكه، ولا تزال هذه القبة موجودة ، وظلت مستعملة مسجدا للصلاة بها، وبها محراب أنشئ من يوم بنائها، كما هي العادة في بناء القباب.

وبعد فترة بدأ الناس يبنون دورهم وبيوتهم بجوار هذه القبة، وتكونت قرية جديدة عرفت باسم «القبة» نسبة إلى هذه القبة. ومن هنا جاء اسمها وأصبحت تابعة لناحية المطرية.

قصر إسماعيل

وفي سهل القبة دفع كليبر بقواته ليقاتل الجيش العثماني في معركة عين شمس، وفي السهل نفسه نظم عرضا عسكريا بعد إخماده لثورة القاهرة الثانية.

ولكن في عصر محمد علي، تم فصل قرية القبة هذه من كونها توابع ناحية المطرية لتصبح قائمة بذاتها.

وعندما جاء حفيده إسماعيل باشا وتولى حكم مصر عام 1863 بني قصره هذا في منطقة القبة، وأحاطه بحدائق واسعة أصبحت مضرب الأمثال، ولا يدانيها إلا حدائق قصر المنتزه بالإسكندرية.

والغريب أن إسماعيل باشا عرض هذا القصر يوما مع 61893 فداناً للبيع، بكل ما عليها من مبان وآلات ومعدات على أساس 20 جنيها للفدان، وبذلك يصبح ثمن الكل مليونا و237 ألفا و60 جنيها، أما ثمن القصر وحده فقد طلب إسماعيل ثمناً له 50 ألف جنيه.

ولحسن الحظ، لم تتم عملية البيع ليستمر قصر القبة قيمة تاريخية ومعمارية وزراعية نادرة، إذ اهتم به ابنه الملك أحمد فؤاد الأول الذي حكم مصر بين عامي 1917 و1936، كما اهتم به وحافظ عليه ورممه بعد ذلك حفيده الملك فاروق الأول الذي حكم مصر بعد والده فؤاد عام 1936، إلى أن تنازل عن العرش يوم 26 يوليو 1952.

ولم يقدر لآخر ملوك مصر الملك أحمد فؤاد الثاني أن يقيم فيه لأنه سرعان ما تم إلغاء الملكية في مصر، وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1954، وإن كان عاش فيه رضيعا لأنه ولد في يناير 1952.

ورغم أن حكام مصر الجمهورية لم يقيموا في القصور الملكية عابدين أو المنتزه أو قصر القبة أو رأس التين، حتى لا يتهمهم الشعب بأنهم طردوا الملك منها ليقيموا فيها بدلا منه، إلا أن الرئيس السابق جمال عبد الناصر كان يستخدمه قصرا للضيافة ينزل فيه ضيوف مصر من الملوك والرؤساء الأجانب.

امتداد التعمير.. الأغنياء والتجار حوْل القبة 

بعد الخديوي إسماعيل لم تقف أعمال تعمير المنطقة عند إقامة قصر القبة، إذ تألفت شركة حدائق القبة في عام 1908 لتعمير منطقة مساحتها 110 أفدنة وتولى تقسيمها، وأنشأت تلك الشركة شارعا واسعا يخترق أراضيها، كما أنشأت عددا من الشوارع تتفرع منه، وانتعشت بسرعة أعمال البناء التي قامت بها الشركة أو الأفراد حتى اتصلت القبة بقلب القاهرة، وأصبحت تنافس المعادي في هدوئها.

وأخذ الأغنياء من الأمراء والباشوات وكبار التجار، يبنون قصورهم وبيوتهم بالقرب من قصر القبة، وامتازت هذه القصور والفيلات بأنها محاطة بالحدائق الغناء. وهكذا نشأ حي «حدائق القبة» ثم حمامات القبة.

وعندما تم شق شارع ملك مصر والسودان، أسرع الأغنياء في بناء قصورهم على طوله من بدايته عند منطقة غمرة متفرعا من شارع الملكة نازلي (رمسيس حاليا)، وما زالت معظم هذه القصور والفيلات صامدة تقاوم عوامل الزمن.

ومع التزايد العمراني، اتصلت أحياء وضواحي منشية الصدر وحمامات القبة والزيتون والمطرية والحلمية وعين شمس بعد إقامة عديد من المباني الحكومية والمصانع، ثم دخلت وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية الميدان فقسمت مساحة كبيرة من أراضيها الموقوفة غرب قصر القبة لتتحول إلى غابة كثيفة من المباني الخرسانية، بعد أن كانت مناطق زراعية تساهم في توفير الغذاء لسكان العاصمة.

وامتد العمران إلى المنطقة الشمالية من قصر القبة ليصل إلى منطقة السواح، ومنطقة الأميرية، وإلى غير بعيد عن مجرى ترعة الإسماعيلية التي تنقل مياه النيل إلى منطقة قناة السويس، وكأن الترعة والقصر يتعانقان ولو على البعد ليذّكرا الناس بمن أنشأ الاثنين.. الترعة والقصر واسمه الخديوي إسماعيل.

المصدر

  • كتاب «أحياء القاهرة المحروسة»؟ عباس الطرابيلي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية