فضح المشاهير وانتقاد حياتهم الخاصة يؤدي للاكتئاب والانتحار

فضح المشاهير وانتقاد حياتهم الخاصة يؤدي للاكتئاب والانتحار

بعضهم يشكل فارس الأحلام أو فتاته، طوال الوقت مطالبين بالحفاظ على مظهرهم الاجتماعي، حتى لا يلاحقهم الجمهور بسياطه القاسية في النقد، لتبقي جدلية حياة المشاهير الخاصة، وأعمالهم الذاتية، هل هي ملكية خاصة لهم، أم يحق للمجتمع أن يراقبهم عليها.

«الحساب المجتمعي قد يكون أقسي مما يقرره القانون»، هكذا يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الدكتور طه أبو الحسن، مشيرا إلى أن أي إنسان مهما كانت صفته المهنية أو السياسية، لا يجب التعرض لأخطائه ومحاسبته عليها بشكل علني، والتشهير به لأن هناك جهات قانونية يفترض أنها تقوم بهذه المهمة.

حديث أستاذ علم الاجتماعي يأخذنا إلى واقعة شغلت الرأي العام في مصر مطلع فبراير 2019، حينما اتهم المخرج السينمائي، خالد يوسف، ومعه فنانتين إضافة لسيدة أخرى، بالاشتراك في مقطع فيديو فاضح، والتحريض على الفش والفجور، وخدش الحياء العام.

الحياة الخاصة مصانة

أستاذ الاجتماع يقول إنه المجتمع من حقه أن يحاسب المشتغلين بالعمل العام، والمشاهير على أعمالهم التي تضر بالمجتمع، أما الحياة الخاصة فلا شأن للناس به.

 وبالعودة لواقعة خالد يوسف والفنانات، يقول أبو الحسن، إن الفيديو تم تصويره في أحد المنازل، وفي التحقيقات أقر المتهمون أن هناك عقود زواج تربط بينهم، وبالتالي فإن الذي ارتكب جرما في حق المجتمع هنا هو من روج الفيديو، ونشره على مواقع الانترنت.

ويشير إلى أن من ارتكب جرم إشاعة الفاحشة في المجتمع أكبر بكثير من المسؤول أو الشخصية العامة، التي تظهر في مثل هذه الشرائط المسربة، مشيرا إلى كثير من الوقائع التي يتهم فيها مشاهير يتضح بعد فترة أنها إما ملفقة، أو بها كثير من الافتراءات.

المجتمع يفقد تقاليده

أستاذ علم الاجتماعي يقول إن مثل هذه الأعمال المخلة بالعرف الاجتماعي، للأسف يكون لها تأثير سلبي كبير، خصوصا على الأجيال الصغيرة، وتساعد في كثير من الأحيان على تخلى المجتمع عن تقاليده وأعرافه.

ويشير إلى أنه حفاظا على تماسك المجتمع يجب ترك فرصة دائما للعودة، والندم، لأن الشخص إذا ما شعر أنه عوقب بالفضيحة والاشاعات، ربما يتمادى في ارتكاب الأخطاء.

حديث أبو الحسن أيده كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا ضرورة التوقف عن الخوض في قضية لا تزال معروضة قيد التحقيق، ولا يحق لأحد محاسبة المتورطين فيها غير الجهات القانونية، حتى أنهم أطلقوا هشتاج «متضامن مع منى فاروق».

تعدي على العرض

الأمر نفسه طالب به المحامي عمرو عبد السلام، الذي طالب بضرورة حظر النشر في مثل هذه القضايا، وتقدم ببلاغ للنائب العام طالب فيه ذلك رسميا. وهو ما أقره النائب العام رسميا.

في البلاغ الذي حمل رقم 2275 لسنة 2019 عرائض النائب العام، تعرض الصحف لهذه الجرائم بشكل فج يحول الأمر من نقل أخبار لتشهير بالمتهمين وعائلاتهم.

وأشار إلى القوانين المصرية لجانب المعتقدات السماوية حرمت الخوض والتعدى على أعراض الغير، وضمنت عدم العبث بها إذ أن الاْعراض ذمم متراكبة يشترك فيها بالقرابة والعقيدة والمساكنة كثيرا من الناس.

ولفت إلى أن تناول الصحف والمواقع الإخبارية لمثل هذا النوع من القضايا على هذا النحو يشكل رأي عام قد يؤثر بالسلب على سير التحقيقات ويتدخل في عقيدة سلطات التحقيق وقضاء الحكم كون هذه القضية من النوع التي تحتاج الي السرية التامة.

 في ولفت إلى أن نشر هذه المحتويات تعد مخالفة صريحة للمادة 23 من قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 والتي تنص على أنه «يحظر على الصحيفة تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحكمة بما يؤثر علي صالح التحقيق».

مجرم ضحية

وبعيدا عن الرؤية الاجتماعية لقضية الحياة الخاصة للمشاهير، فإن الاقتراب أكثر من الأشخاص الذين يكونوا أبطال هذه الوقائع، يشير إلى أن المشهّر بهم قد يتحولون من مجرمين لضحايا، بسبب الهجوم الشرس الذي يقود المجتمع ضدهم، هكذا يقول الدكتور جمال فرويز، استشار الطب النفسي بجامعة القاهرة.

فرويز يقول إن الوصمة المجتمعية تجعل البعض يعتزل الحياة، وقد يخسر عمله أو وظيفته، أو ربما يدخل في اكتئاب مزمن، كما أن نظرات الناس له حتى بعد مرور هذه القضية قد تجعله يفكر في الانتحار، هربا من الانتقاد الذي يراه في عيون الناس من حوله.

انتحار سالينج

حديث فرويز عن انتحار الشخص المتهم بفعل أخلاقي بسبب انتقادات جمهوره، حدثت فعليا مع الممثل الأمريكي مارك سالينج.

في ليلة 30 يناير عام 2018، قرر مارك سالينج، إنهاء حياته بعد حادثة غريبة لم يكن فيها ضحية بل كان جلادًا، حيث اعترف في أكتوبر 2017، بارتكابه جرائم جنسية بحق أطفال بعضهم لم يتجاوز عمره 5 سنوات.

أثناء المحاكمة التي كان ينتظر فيها سالينج البالغ من العمر 35 عامًا، حكما مخففا بحكم كونه اعترف بالجريمة من تلقاء نفسها، حدث ما لم يتوقعه فالحملات المجتمعية التي نالت منه كانت قاسية ولم يتحملها، فقرر إنهاء حياته بالانتحار.

جلد الطرف الأضعف

فرويز يقول إن المشكل أن المجتمع عادة ما يجلد الطرف الأضعف كالذي حدث مع الممثلتين الشباتين في حالة المخرج والبرلماني الشهير، حيث كانا محل الانتقادات الأكبر في واقعة الفيديوهات الجنسية الشهيرة.

ويشير إلى أن هاتين البنتين على سبيل المثال أيا كان السبب الذي دعاهم للمشاركة في هذه الوقائع، فإنهما حاليا يفكرون بشكل هستيري فيما سيحدث، والعواقب التي ستقع لهما.

 ويشير إلى ان هناك أعراض نفسية قد تحدث لمن يقع في مثل هذه المشكلة، أولها الصداع الدائم، وعدم الرغبة في الأكل، إضافة لآلام القولون، والإسهال، وحدوث نوبات عصبية في بعض الأحيان.

بعض المشاهير الذين يتعرضون لهذه الموقف ربما تدوم معهم حالات الاكتئاب ونوبات تعكر المزاج، وآخرين ربما يتعافون بعض فترة، هكذا يقرر استشاري الطب النفسي، حيث أن صور ما حدث معهم والتفكير في المستقبل لن تفارق أذهانهم.

سيناريوهات ما سيحدث تشغل بال كثيرين ممن يتهموا بمثل هذه الجرائم، حتى أنهم يفكرون في الانتحار، لأن جريمتهم يعرفها كل الناس، وسيلاحقهم ذلك حتى لو تمت تبرئتهم.

وصمة للعائلة

الاعتداء على حياة الأشخاص المتهمين في تهما أخلاقية، لا تقف عندهم فقط، بل تنسحب على المحيطين بهم، ومن الوارد أن يخسر بعض الأقارب والأصدقاء وظائفهم، وعلاقاتهم، وبعض العائلات تفكر في مقاطعة أبنائهم المتهمين في جرائم أخلاقية، او حتى قتلهم هربا من وصمة العار التي ألحقت بهم.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية