قصة إنشاء المتحف القبطي.. مكانه ارتبط ببدء المسيحية وجيش عمرو بن العاص
يمثل المتحف القبطي بالقاهرة قِبلة لدارسي وعاشقي التاريخ، إذ يضم بين جدرانه محتويات وقطع أثرية ومخطوطات تؤرخ للعصر القبطي كأحد أهم العصور التي مرت بها مصر. الدكتور أحمد الزيات روى قصة إنشاء المتحف في كتابه «فن المتاحف».
مكان مميز في القاهرة
أنشأ مرقص سميكة باشا المتحف القبطي في سنة 1908 ليجمع فيه المادة الأثرية اللازمة لدراسة تاريخ مصر في عصر المسيحية منذ ظهورها.
كان سميكة متحمساً للآثار القبطية إلى درجة مكنته بمجهوده الشخصي من إنجاز هذا المشروع الكبير، والذي كان يشعر أن هذا المتحف سيلعب دوراً في عرض حقبة ذات أهمية في تاريخ مصر القديم، فقد كان في مصر حينذاك المتحف المصري للآثار الفرعونية وكذلك المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، لذا فإن إنشاء المتحف القبطي كان ضروريا لملء هذه الفجوة في تاريخ مصر.
وقد اختير الموقع الحالي لإقامة المتحف فيه لعدة أسباب، أهمها ارتباطه ببدء المسيحية في مصر، كما أنه يقع داخل حصن بابليون أشهر ما خلفه الحكم الروماني في مصر، والذي توجد بقاياه خلف مبنى المتحف، وقد بدأ تشييده أيام الفرس، ولكن حدثت عليه العديد من الإضافات في عهد الإمبراطوريين الرومانيين أغسطس وتراجان، ثم أضاف إليه من جاء بعدهم من أباطرة الرومان.
سبب ثالث دعم إنشاء هذا المتحف بهذا المكان يتمثل في وجود ست كنائس قديمة ذات أهمية خاصة، هي الكنيسة المعلقة المقامة على الحصن الروماني، وكنيسة أبو سرجة وكنيسة الست بربارة وكنيسة مار جرجس ودير السيدة العذراء وكنيسة قصرية الريحان، ما يجعل لهذا المتحف ميزة خاصة عن المتاحف الأخرى لتواجده في منطقة أثرية خاصة.
كلوت بك.. قصة حكيم فرنسي وضع بذور الطب في مصر
أقسام المتحف
ويتكون المتحف من جناحين. القديم أنشئ عام 1910، ويتميز بأن المشربيات والأسقف المستعملة فيه أُخذت من قصور قديمة للأقباط وكذلك النافورات والفيسفساء والأعمدة الرخامية.
وينقسم هذا الجناح لقسمين علوي وسفلي وكليهما يتكون من أربعة عشر قاعة أسقفها من الأرابيسك المأخوذ من القصور القديمة للأقباط. ويطل هذا الجناح على حديقة صغيرة مزينة بتيجان الأعمدة، وفي جدارها الجنوبي يوجد سلم من خمس وعشرين درجة تؤدي إلى البوابة الجنوبية من حصن بابليون الذي ينخفض بمقدار ستة أمتار على مستوى الأرض المحيطة، ومن هذه البوابة الكبيرة دخل الصحابي عمرو بن العاص، وهكذا بدأ حكمه لمصر بعد جلاء الرومان من هناك.
أما الجناح الجديد فافتتح في 2 فبراير سنة 1947، ونُظمت محتوياته في عدد من الأقسام، هي قسم الأحجار، وقسم المخطوطات وأدوات الكتابة، وقسم المنسوجات، وقسم الأيقونات والعاج، وقسم المنسوجات، وقسم المعادن.
ويضم المتحف مقتينات مهمة منها قطعة نسيج عليها بعض الرموز المسيحية ترجع للقرن السادس، ونقش علي مشط من العاج يظهر بعض معجزات السيد المسيح يرجع للقرن السابع، وتاج عمود من الحجر الجيري مزين بشكل عناقيد العنب يرجع تاريخه لنفس القرن، ومسرجة من البرونز لها مقبض علي شكل الهلال والصليب يعود تاريخها للقرن الثالث عشر.
كما يضم المتحف مجموعة من قطع الأثاث الخشبية والأبواب المطعمة، مثل باب مصنوع من خشب الجميز خاص بحامل أيقونات كنيسة القديسة بربارة.
مكتبة ضخمة
ويحوي المتحف مكتبة ضخمة تنقسم إلى قسمين. الأول هو قسم الكتب المطبوعة، ويحوي حوالي سبعة آلاف كتاب أكثرها عن الفن القبطي واللغة القبطية وتاريخ مصر في العصر القبطي.
أما القسم الثاني فهو قسم المخطوطات ويشمل مجموعة كبيرة من المخطوطات القبطية والعربية، ومن أهمها مجموعة تُعرف باسم «برديات نجع حمادي» والتي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث، وهي خاصة بجماعة العارفين بالله.
وكُشفت هذه المخطوطات سنة 1945 بطريق الصدفة بمعرفة أحد سكان قرية تتبع نجع حمادي تُعرف باسم «حمرة دوم»، وبيعت إلى تجار العاديات بالقاهرة الذين باعوها بدورهم إلى بعض المهتمين بالدراسات القبطية في أوروبا وأمريكا، ولكنها جُمعت بعد ذلك بمعرفة مصلحة الآثار نظراً لأهميتها ووُضعت في المتحف القبطي سنة 1970، وتم تشكيل لجنة دولية لدراسة ونشر هذه المخطوطات بالاشتراك مع اليونسكو، وفي عام 1975 انتهت اللجنة من نشرها في إحدى عشر مجلداً وتٌرجمت للإنجليزية. ويتحدث مضمون هذه المجلدات عن التعاليم المسيحية الممتزجة بتعاليم غير مسيحية قريبة من الوثنية.