كيف كانت علاقة صاحب فكرة عيد الأم بوالدته؟

كيف كانت علاقة صاحب فكرة عيد الأم بوالدته؟

في عام 1943 بدأ مؤسس جريدة أخبار اليوم، مصطفي أمين الدعوة لتحديد يوم وطني لتكريم المرأة، وشد على ذلك في كتابه «أمريكا الضاحكة» لكن الفكرة وقتها لم تنل القبول المطلوب، وهوجمت من عدد كبير من المثقفين المصريين، ولم تلتفت لها جمعيات المجتمع المدني المهتمة بحقوق المرأة، أو حتى الأحزاب السياسية التي كان لها حضورا كبير في ذلك الوقت.

مع بداية الخمسينيات عادت الفكرة للظهور مرة أخرى، خصوصا بعدما استقبل علي أمين وشقيقه مصطفي أمين، سيدة في مكتبهما بأخبار اليوم، اشتكت من تجاهل ابنها لها ونكرانه لجميها، ليبدأ التوأمان في الدعوة لنفس الفكرة مرة أخرى.

بحلول 21 مارس عام 1957 أصدرت مصر أول طابع بريد لعيد الأم، وأقر اليوم احتفالا رسميا بعيد الأمهات بفضل علي ومصطفى أمين، لكن ترى كيف كانت العلاقة بين علي ومصطفي أمين وأمهما رتيبة زغلول، قبل أن يتم الاحتفال بعيد الأم.

رتيبة في بيت الأمة

رتيبة زغلول هي ابنة شقيقة الزعيم سعد زغلول، تربت هي وأخوها في بيت خالها سعد بعدما مات والديهما، وظلا به حتى بعد أن تزوج سعد من ابنة رئيس الوزراء عبد العزيز باشا فهمي.


 في مقال لها تقول الكاتبة الصحفية صفية مصطفي أمين: «عاش والدي وعمى في بيت سعد زغلول سنواتهما الأولى حتى بلغا الثالثة عشرة من عمريهما، وكان ينادينا سعد باشا بـ«جدي» وزوجته صفية بـ«ستي».

 لكن العلاقة التي كانت بين مصطفى وعلي أمين وأمهمها يتطرق لها الأول في كتابه «من واحد لعشرة» حيث يقول إن والدته تزوجت من أبوه والذي كان يعمل محاميا في مدينة دمياط، وانتقلت معه إلى هناك، لكن قبل أن تصل لشهرها التاسع من الحمل، طلبت صفية زغلول زوجة خالها أن تحضر للقاهرة لتضع هناك، وتلقى الرعاية الكاملة في بيت الأمة.

وبالفعل وضعت السيدة طفليها، ووقتها طلبت صفية زغلول كما يحكي مصطفي أمين في كتابه أن تأخذ هي وسعد الطفل مصطفى، وتترك علي لرتيبة، لكن الأب أمين يوسف اعترض بشدة وقال لزوجته لا يمكن أن أبيع أحد أبنائي.

ردت الأم بسرعة قائلة، إن سعد زغلول خالي وأبي الذي تبناني، وتولى تربيتي بعد وفاة والدي، وأقل ما يمكن تقديمه لرد الجميل أن أسعده في شيخوخته، وحزن سعد زغلول لهذا الكلام، وتأثر به، حتى أن أمين يوسف جاءه ليعرض عليه أن يبقى الولدان معه في بيته بشرط أن يحملا اسم أبيهما.

 بعد هذه الواقعة، عاشت أسرة أمين في بيت سعد زغلول الذي تحول مع الأيام لجد يقضي معظم أوقاته في مداعبة وتربية علي ومصطفى، ويصحبهما معه عند خروجه من المنزل، حتى قامت ثورة 1919 وأصبح سعد زغلول زعيما للأمة.

سيدة حازمة

تحكي صفيه مصطفي أمين عن جدتها قائلة، إنها كانت سيدة حازمة، فكانت تفرض على من يعيشون معها في قصر سعد زغلول ألا يلبون طلبات ابنيها إلا إذا سبقوا كلامهما بكلمة «من فضلك» وبعد أن يقدموا لهم ما يردوه لابد أن يكون الرد بـ «شكرا»، وفي حالة ما لم يلتزم الطفلين بهذه الصيغة لا يسمع لهما أحد.

وكانت رتيبة صارمة وحنون في نفس الوقت، حتى أنها عودت الطفلين علي ومصطفى، أن يقفا احتراما لها في حال إذا ما دخلت عليهما، حتى لو تكرر الأمر أكثر من مرة في اليوم، وكانت تصر على أن يركبا الترام في الدرجة الثانية وليس الأولى.


بعض المصادر التي تطرقت لعلاقة علي أمين ومصطفى بأمهما تشير إلى واقعة طريفة حدثت للأخير وهو في عمر 14 عاما، حيث ضبطته أمه وهو يتحدث لابنة الجيران بالإشارة، ويحاول مغازلتها، فأرسلت الأم المربية لتقول لهم: «بنتكم بتعاكس ابننا».

موقف آخر حدث عندما حصل مصطفى أمين على شهادة الثانوية العامة، وقتها طلب من أمه أن تشتري له سيارة، لكنها رفضت، وقالت له أن يؤجل حلمه هذه حتى يستطيع أن يشترى سيارة من ماله الخاص، ومن عرق جبينه.

كانت السيدة رتيبة تحاول أن تزرع في أبنائها أن يتحملا مصاعب الحياة وظروفها وتقلباتها، فرغم أنهما تربيا في بيت سعد زغلول، إلا أنهما اعتادا على العيش بأقل الإمكانيات، ولم تتأثر الأسرة كثيرا بإحالة الوالد إلى المعاش، وانخفاض دخل الأسرة إلى نحو النصف.

امراة ثورية 

كانت السيدة رتيبة من ضمن المصريات اللاتي شاركن في ثورة 1919، وكانت تخفي المنشورات السياسية في ملابسها، ليس هذا فحسب بل التزمت بقرارات الثورة التي طالبت المصريين بمقاطعة الإنجليز، ورفضت أن يكمل ابنها علي دراسته ببريطانيا تنفيذا للقرار، لولا وساطة شيخ الأزهر وفتواه.

في سفرها لأمريكا عندما عين زوجها وزيرا مفوضا هناك رفضت رتيبة أن تمر على إنجلترا، وطلبت أن يكون السفر عبر فرنسا.

لم ينسى عملاق الصحافة العربية مصطفى أمين والدته هو يطالب بتكريم الأمهات المصريات وعمل يوم لتكريمهن، فكان أول عيد أم رسمي في عام 1957 واقفا بباقة ورد أمام قبرها، ويومها أرسل للسيدة التي جاءت لتشكوا ابنها أيضا باقة من الزهور، كما أنه سمى ابنته الكبرى على اسمها.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية