أبو عبيدة بن الجراح.. أمين الأمة الذي مات بالطاعون وهو زاهد
يتناول موقع شبابيك في عدد من الحلقات اليومية خلال شهر رمضان المبارك، قصص وسير بعض العظماء من صحابة النبي محمد صلى الله عليه.
بطل قصة اليوم الثالث من شهر رمضان هو أمين الأمة الإسلامية أبو عبيدة بن الجراح.
ما هو نسب أبو عبيدة بن الجراح وما كنيته؟
أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، وأمه أميمة بنت غنم. ولد سنة 40 قبل الهجرة أي 584م.
كيف أسلم أبو عبيدة بن الجراح؟
أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر رضي الله عنه، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.
مناقب أبو عبيدة بن الجراح
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبو عبيدة بن الجراح في الجنة».
حب النبي صلى الله عليه وسلم له وثناؤه عليه؛ روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح».
أثر الرسول في تربية أبي عبيدة بن الجراح
في السنة الثامنة للهجرة أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى أرض بَلِيّ وعُذْرة في غزوة ذات السلاسل، ووجد عمرو بن العاص رضي الله عنه أن قوة أعدائه كبيرة، فأرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستمده، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص رضي الله عنه. فلما قدموا عليه، قال عمرو رضي الله عنه: أنا أميركم.
فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين.
فقال: إنما أنتم مددي.
فلما رأى ذلك أبو عبيدة رضي الله عنه، وكان حسن الخُلق، متبعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إن قدمت على صاحبك فتطاوعا» وإنك إن عصيتني أطعتك.
ومن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته أيضا؛ عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة رضي الله عنه يحيد عنه، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله فيه هذه الآية: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ملامح شخصية أبو عبيدة بن الجراح
-
الأمانة والقيادة
روى البخاري بسنده عن حذيفة رضي الله عنه قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنَّا، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال: «لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين». فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أمين هذه الأمة».
-
الثبات في الميدان
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: لما كان يوم أُحد ورُمي رسول الله في وجهه حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المغفر، فإذا أبو عبيدة بن الجراح يقول أسألك بالله يا أبا بكر إلاَّ تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر رضي الله عنه: فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره، وسقطت ثنيَّة أبي عبيدة رضي الله عنه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيَّةٍ أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.
-
زهد أبو عبيدة بن الجراح
أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه بأربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وقال لرسوله: انظر ما يصنع؟ فقسّمها أبو عبيدة رضي الله عنه، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة بالمال، قال: «الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا».
كان رضي الله عنه من القادة الذين يستشيرون رجالهم في كل خطوة يخطونها، وعندما تحتشد الروم لاستعادة أرض الشام استشار أصحابه، فأشار عليه الأكثرية بقبول الحصار في حمص، أما خالد فأشار عليه بالهجوم على جموع الروم، ولكن أبا عبيدة أخذ برأي الأكثرية.
موقف أبو عبيدة مع الصديق وخالد
بعث أبو بكر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة». فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: ما كنت لأتقدم رَجُلاً أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤُمَّنا.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة: «قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين»، يعني عُمر وأبا عبيدة.
لما عزل عمر بن الخطاب خالدًا وولّى أبا عبيدة، قام خالد بن الوليد وقال للناس: «بُعث عليكم أمين هذه الأمة»، وقال أبو عبيدة للناس عن خالد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة».
كلمات أبو عبيدة بن الجراح
قال يوم السقيفة: «يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغير».
ومن أهم كلماته في إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك: «عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله اصبروا؛ فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، لا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق (أي الدروع)، والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله».
وفاة أبو عبيدة بن الجراح
تُوُفي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في طاعون عَمْواس سنة 18 هجريا، عن عمر 58 عاما، وصلى عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه.