رئيس التحرير أحمد متولي
 عفيفة إسكندر.. حكايات مطربة العراق الأولى في ليالي القاهرة

عفيفة إسكندر.. حكايات مطربة العراق الأولى في ليالي القاهرة

يومها غابت مطربة الحفل، فتقدم منها مدير الصالة وسألها لو باستطاعتها أن تنقذ الموقف وتغني مكانها. صعدت إلى المسرح وغنت «زنوبة.. آه من زنوبة»، فصفق لها الجمهور مندهشاً، لتنطلق في عالم الغناء محققة نجاحات متوالية، وليزدحم جمهور الغناء على أبواب المسارح كلما غنّت بعد أن فُتن بجمال صورتها كما فُتن بسحر صوتها.

هي الفنانة عفيفة إسكندر التي حققت حضوراً متميزاً في العراق وبلاد العربية ودول أجنبية عديدة طوال رحلتها الطويلة مع الغناء، وحازت ألقاباً عديدة منها «معشوقة بغداد»، و«شحرورة العراق»، و«مطربة العراق الأولى»، والتي روى زياد عساف حكايتها في كتابه «المنسي في الغناء العربي».

عفيفة إسكندر.. زواج مبكر

مصادر عديدة تشير إلى أن عفيفة إسكندر (1921 – 2012) من مواليد سوريا من أب عراقي مسيحي وأم يونانية كانت من أهم حوافز وأسباب نجاح ابنتها في مشوارها الغنائي الطويل، فالأم كانت تجيد العزف على أكثر من آلة موسيقية، وكانت تغني في ملهى الهلال في ثلاثينيات القرن الماضي، ومن ثم ساهمت في تشكيل شخصية ابنتها الفنية بحثها على تعلم العزف على آلة العود، مع تقديم النصائح لها باستمرار.

لكن رغم ذلك تعرضت عفيفة لمطبات حياتية بدأت إرغام أهلها لها على الزواج من الفنان والعازف الأرمني إسكندر إسطيفان، والذي بدوره تابع الاهتمام بمسيرتها الفنية بعد والدتها، إلا أن الزواج لم يكن موفقاً لصغر سنها، إذ لم تكن تجاوزت 12 سنة وقتها وهو يكبرها بأربعة عقود على الأقل.

في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت تغني في ملاهي بغداد وكانت فرصة لها للشهرة وصقل موهبتها بتواصلها مع نجمات غناء العراق آنذاك، مثل منيرة الهوزوز وسليمة مراد وفخرية مشتت وصديقة الملاية.

صالون ثقافي

بعد شهرتها في عالم الغناء، كونت عفيفة صالوناً ثقافياً خاصاً بها فأسهم ذلك بشكل كبير في رفد مسيرتها الفنية بعد أن أصبح صالونها يضم شخصيات فنية وأدبية وسياسية، ومن خلالهم تذوقت الأدب والشعر فأهّلها ذلك لأن تكون صاحبة صوت مثقف فضلاً عن امتيازها بطريقة جميلة في إلقاء الشعر، حتى باتت من أوليات المطربات العراقيات اللواتي غنين القصائد الشعرية، فغنت من أشعار سناء الملك والبهاء زهير وبشارة الخوري وابن الفارض والعباس بن الأحنف والخطيب الإدريسي.

ومع الوقت أخذت تختار ألحانها بدقة ولا تقبل إلا باللحن الذي يتناسب مع أحساسها وشخصيتها، حتى بلغ رصيدها  من الأغاني 1500 أغنية أغلبها باللهجة الشعبية البغدادية، من أشهرها «الله يبين حوبتي بيهم»، «قلب قلب»، و«ما أنسى بعد وياك» و«إلك يومين»، و«طولي يا ليلة»، و«جينا من بغداد».

وتبقى الأغنية الأكثر تأثيراً في نفوس المستمعين «حرقت الروح لمن فارقهم.. بكيت ومن دموعي غرقتهم» والتي اعتادت عفيفة أن تؤديها بإحساس بالغ ، كونها تعبر عن تجربة خاصة عاشتها في الفترة التي تألقت بها وطغت بحضورها المؤثر.

القاهرة – بغداد

ولأن القاهرة كانت قبلة الفنانين العرب، فقد سافرت عفيفة إسكندر إلى القاهرة عام 1938 وعملت مع فرقة بديعة مصابني وفرقة تحية كاريوكا وفرقة عزالدين، وبأغانيها وصوتها حققت في مصر نجاحاً كان حيث الصحافة آنذاك وعقدت مع الإذاعة المصرية اتفاقاً لتقديم وبث أعمالها في الإذاعة، كما غنت على مسارح عديدة في مصر.

وفي السينما المصرية قدمت عفيفة بعض الأفلام ، كان أولها مع الموسقار محمد عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد» وغنت فيه، ولكن لم تظهر هذه الأغنية في الفيلم  بعد أن ارتأى المخرج محمد كريم حذفها نظراً لطول مدة العرض التي تجاوز الساعتين.

الفيلم الثاني الذي مثلت به «القاهرة – بغداد» إخراج أحمد بدر خان، مثّل فيه من العراق حقي الشبلي وإبراهيم جلال وفخر الزبيدي، ومن مصر مديحة يسري وبشارة واكيم، في أول إنتاج عراقي مشترك مع شركة اتحاد الفنانين المصرية. وعُرض الفيلم عام 1947 بأكثر من دار عرض سينمائي ببغداد، ليتمكن المشاهدون من رؤية الفنانين العراقيين في أول ظهور لهم من خلال السينما المصرية.

وأثناء تواجدها في القاهرة انهالت عليها العروض للمشاركة في أفلام عديدة ومعها كافة الصلاحيات في اختيار المخرج وأصحاب الأدوار الرئيسية في الفيلم، وكان من الممكن أن يكون لها دور في إيصال الأغنية العراقية من خلال الإنتاج السينمائي لكنها لم تكن تجيد التمثيل كما يظهر وآثرت التفرغ للغناء الذي تهواه وتفضله عن أشياء كثيرة في حياتها.

آخر المشوار

في أيامها الأخيرة عاشت عفيفة ظروفاً صحية صعبة وبراتب شهري ضئيل لا يكفي أجرة السكن وتكاليف الدواء، وتطوعت جارتها أم عيسى بالإقامة الدائمة معها لرعاية شئونها مع غياب الكثير من الأصدقاء والفنانين بعد أن كان منزلها ملتقى كبار نجوم المجتمع الذين كانوا يسارعون للتقرب منها.

عروض كثيرة جاءتها للعيش في بلاد عربية وأجنبية، ولكنها كنت ترفض وآثرت العيش في بغداد الذي تعلقت به لدرجة العشق، حتى فارقت الحياة في خريف 2012 عن عمر 91 عاماً في منزل بسيط ومتواضع  في منطقة الكرادة.

المصدر

  • كتاب «المنسي في الغناء العربي». زياد عساف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية