بالعدس والختان وتعرية أجساد النساء للشمس.. احتفالات الأقباط بأعيادهم في عصر المماليك

بالعدس والختان وتعرية أجساد النساء للشمس.. احتفالات الأقباط بأعيادهم في عصر المماليك

عبر مظاهر وطقوس معينة، احتفل المسيحيون بأعيادهم الدينية في العصر المملوكي بحرية تامة، بل إن المسلمين شاركوهم في بعض الأحيان الاحتفال ببعض تلك الأعياد.

الأعياد الكبار

ويذكر الدكتور قاسم عبده قاسم في كتابه «أهل الذمة في مصر من الفتح الإسلامي حتى نهاية المماليك»، أن أعياد المسيحيين في مصر انقسمت إلى قسمين. الأول هو الأعياد الكبار، وعددها سبعة، أولها عيد البشارة أي بشارة غبريال (جبريل عليه السلام) للسيدة العذراء بمولد السيد المسيح، وكان موعد هذا العيد في التاسع والعشرين من برمهات سنوياً وفقاً للتقويم القبطي.

والعيد الثاني عيد الزيتونة أو الشعانين ومعناها التسبيح، في ذكرى دخول المسيح إلى القدس، ثم دخوله الهيكل راكباً الحمار، والناس بين يديه يسبحون وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وفي ذلك اليوم كان الناس في عصر المماليك يخرجون بسعف النخيل من الكنائس، ويذهبون إلى الأماكن الخلوية والمتنزهات خصوصاً ضاحية المطرية حيث بئر البلسم التي يتعقد المسيحيون أن مريم العذراء غسلت فيه ثياب المسيح.

والعيد الثالث من تلك الأعياد هو عيد الفصح، وهو بمثابة العيد الكبير لدى المسيحيين وهو يوم الفطر من صومم الأكبر، ويزعم النصارى أن المسيح عليه السلام قام بعد صلبه ودخل على تلاميذه وسلم عليهم وأكل معهم وكلمهم وأوصاهم وأقام في الأرض أربعين يوماً.

والعيد الرابع هو خميس الأربعين، ويقول التراث المسيحي أن السيد المسيح بعد أربعين يوماً من القيام خرج ومعه تلاميذه، حيث باركهم وصعد إلى السماء وذلك عند إكماله ثلاثاً وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، ورجع التلاميذ إلى بيت المقدس بعدما وعدهم باشتهار أمرهم.

أما العيد الخامس فهو عيد الخميس الذي كان يسمى أيضاً عيد العنصرة، وكان لاحتفال بهذا العيد في السادس والعشرين من شهر بشنس القبطي بعد خمسين يوماً من الصعود حسب اعتقادهم، ويعتقد المسيحيون أنه في هذا اليوم حلت روح القدس في حواريي السيد بعدما تجلى لهم روح القدس في شبه ألسنة من نار، وتفرقت عليهم ألسنة الناس فتكلموا بجميع اللغات، وذهب كل منهم إلى البلد التي يعرف لغتها يدعو الناس إلى دين المسيح.

والعيد السادس هو عيد الميلاد في التاسع والعشرين من كيهك، وفيه كان النصارى يوقدون المصابيح بالكنائس ويزينونها، ويلعبون بالمشاعل، ويقول المؤرخ تقي الدين المقريزي في وصفه لهذا العيد، أنه شاهد احتفالات هذا العيد بالقاهرة وسائر إقليم مصر وكان موسماً جليلاً، وكانت الشموع المزينة المصبوغة الألوان تباع في هذا العيد ويشتريها الناس على اختلاف طبقاتهم وأديانهم، وعُرفت هذه الشموع باسم الفوانيس وقد بالغ المعاصرون في الانفاق على تزيينها.

والعيد السابع من تلك الأعياد هو عيد الغطاس، وكان الاحتفال به يتم في حادي عشر طوبة في ذكرى تعميد المسيح عليه السلام على يد يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا عليه السلام) في مياه الأردن. وفي هذا العيد كان النصارى يغمسون أولادهم في الماء رغم شدة البرد اعتقاداً منهم أن ذلك يقيهم المرض طوال حياتهم.

الأعياد الصغار

وكانت أعياد المسيحيين الصغار سبعة أيضاً، أولها عيد الختان الذي كان كان يحل في سادس بئونة في ذكرى ختان المسيح، وكان الأقباط – دون غيرهم – يختنون أولادهم في ذلك اليوم تبركاً به.

وفي ثامن أمشير كان النصارى يحتفلون بعيد الأربعين احتفالاً بذكرى مباركة الكاهن سمعان للسيد المسيح في الهيكل بعد أربعين يوماً من مولده.

وكان ثالث الأعياد الصغار خميس العهد (خميس العدس) وهو قبل الفصح بثلاثة أيام، وفي هذا اليوم يغسل البطريرك أرجل الحاضرين من النصارى في ذكرى غسل المسيح لأرجل تلاميذه ليعلمهم التواضع.. وفي هذا العيد كان النصارى يطبخون العدس المصفى والسمك والبيض الملون ويهدونه إلى المسلمين، وكان هذا العيد احتفالاً كبيراً يشارك فيه المسلمون.

وفي سبت النور الذي كان يحل قبل الفصح بيوم، ويعتقد المسيحيون أن النور يظهر في هذا اليوم على مقبرة السيد المسيح بالقدس توقد منه كل مصابيح كنيسة القيامة.

وفي عصر المماليك كان المسيحيون يجمعون في أمسية ذلك العيد أوراق الشجر من الريحان وغيره ويبيتونه في إناء مملوء بالماء ويغتسلون به في اليوم التالي لأن هذا – في ظنهم – يقيم شر المرض والكسل والعين والسحر وما إلى ذلك، كما كانوا يكتحلون فيه بالكحل الأسود الذي اعتقدوا في أنه يزيد في قوة الإبصار، وكانوا يظنون أن شرب الدواء في هذا اليوم أكثر فائدة منه في أي يوم آخر، كما أن البعض منهم ممن يعاني من مرض جلدي كانوا يذهبون إلى شاطئ النهر في خارج القاهرة حيث تتعرى النسوة والرجال تماماً ويدهنون أجسادهم بالكبريت ويعرضونها للشمس معظم ساعات النهار وعند الغروب يستحم الجميع في مياه لنهر.

وخامس هذه الأعياد هو عيد الحدود الذي يحل موعده في أول أحد بعد الفطر، وفي هذا العيد كانت تنشط المعاملات الدنيوية لدى المسيحيين ويجددون فيه أثاث البيوت.

والعيد السادس هو عيد التجلي الذي كان يحل في الثالث عشر من شهر مسري القبطي، وتروى القصص الدينية المسيحية أن المسيح تجلى فيه لتلاميذه بعد أن رُفع في هذا اليوم، فتمنوا عليه أن يحضر لهم النبيين إيليا وموسى فأحضرهما بمصلى بيت المقدس، ثم صعد إلى السماء وهما معه.

وفي سابع عشر من شهر توت القبطي كان يحل عيد الصليب، وهو سابع الأعياد الصغار، وكان لهذا العيد احتفالاًت كبيرة في مصر قبل عصر المماليك، وفي سنة 402 هجرياً منع الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ذلك الاحتفال، وظل المنع سارياً حتى ذكر المقريزي أنه «.. لم يكد يعف اليوم بديار مصر البتة».

 

المصدر

  • كتاب «أهل الذمة في مصر من الفتح الإسلامي حتى نهاية المماليك». قاسم عبده قاسم.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية