رئيس التحرير أحمد متولي
 هكذا انتقلت طرابلس من قبضة البيزنطيين إلى المسلمين بقيادة عمرو بن العاص

هكذا انتقلت طرابلس من قبضة البيزنطيين إلى المسلمين بقيادة عمرو بن العاص

لم تكد الأوضاع تستقر لجيش المسلمين في مصر عقب فتحها عام 641، حتى انطلق إلى الغرب متجهاً لفتح طرابلس التي كانت خاضعة آنذاك للسيادة البيزنطية. في كتابه «تاريخ الخلفاء الراشدين. الفتوحات والإنجازات السياسية» روى الدكتور محمد سهيل طقوش تفاصيل هذا الفتح. 

أسباب مختلفة لفتح ليبيا

من الصعب استنباط دوافع عمرو بن العاص التوسعية باتجاه الغرب في أعقاب فتح الإسكندرية، فقد يكون ذلك نتيجة لظروف طارئة واجهت القيادة العسكرية ارتأت ضرورة تأمين الغطاء الدفاعي للحدود الغربية بفتح مواقع أخرى تشغلها حاميات عسكرية ومراكز مراقبة، وربما يكون الاتجاه غرباً نتيجة مهمة التوسع لدى القائد المسلم.

وربما قدّر عمرو أن تكون للبيزنطيين قوات في برقة وطرابلس قد تغريهم بالتحصن هناك والتربص حتى تحين الفرصة للثأر والعودة إلى مصر لاستعادتها، فكان عليه فتح هذه المنطقة وتأمين مركز المسلمين في مصر.

على كلٍ، من الواضح أن الحملة التي قام بها عمرو بن العاص في هذا الاتجاه والتي أثمرت عن فتح برقة وطرابلس، لم تكن عملاً مخططاً له، إذ لم تكن هناك خطة مسبقة للفتح المنظم في ذلك الوقت تتعدى مصر.

الطريق إلى برقة

خرج عمرو بن العاص بقواته من الإسكندرية في عام 643، بعد أن اطمأن على استقرار الأوضاع في مصر، وتوجه نحو برقة التابعة للأمبراطورية البيزنطية، وتسكنها قبيلة لواتة البربرية.

لم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراوياً، بل كانت عليه سلسلة من المدائن والمنازل متصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع.

كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يصادفوا مقاومة تُذكر، فاستسلمت المدينة ورضي أهلها بدفع الجزية ومقدارها ثلاثة عشر ألف دينار سنوياً.

وتضمن الصلح شرطين ملفتين، الأول أنه أُبيح لسكان برقة أن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم ليؤمنوا الجزية المفروضة عليهم، ويبدو أن عادة بيع الأبناء كانت شائعة في أوساط هذه القبيلة فلم يحرّمه المسلمون إلا على من أسلم.

الشرط الثاني، أنه كان على سكان برقة أن يرسلوا الجزية إلى مصر، حتى لا يُسمح بدخول الجباة إلى بلادهم.

وبناء على ذلك، أرسل عمرو عقبة بن نافع حتى بلغ مدينة زويلة الواقعة بوسط الصحراء، فأضحى ما بين برقة إلى زويلة خاضعاً للمسلمين.

حصار طرابلس

سار عمرو بن العاص من برقة إلى طرابلس، وكانت مرفأ حصيناً فيه حامية بيزنطية قوية، فأقفلت أبوابها، واستعدوا للحصار الذي ضربه المسلمون عليهم، وأملوا في تلّقي إمدادات عن طريق البحر تساعدهم على الصمود. آنذاك، كانت الجهة البحرية مفتوحة وغير محصنة وذلك بفعل اعتمادها على قوة البحرية البيزنطية.

انقضت عدة أسابيع دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى إمكان وصول المساعدة المنتظرة، ما عرّض المدافعين عنها إلى التهلكة نتيجة الجهد في القتال وشدة الجوع.

وعلم المسلمون آنذاك أن الجهة البحرية خالية من الدفاعات وغير محصنة، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقتلت الحامية المكلفة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في طرقات المدينة وأزقتها.

ذُعر المدافعون عن المدينة، ودبّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وسعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولما رأى الحُراس فرار الحامية تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة.

وبناء على ذلك، أرسل ابن العاص فرقاً عسكرية جابت المناطق المجاورة، وسار هو على وجه السرعة إلى مدينة سبرت وهاجمها صباحاً على حين غرة، وذُعر السكان، وحيث كانوا يظنون أن المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس، واضطروا إلى فتح أبواب المدينة عند أول هجمة إسلامية، وحصل المسلمون على ما فيها لأنها فُتحت عنوة.

بعد ذلك، كتب عمرو بن العاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب يستأذنه في الزحف إلى تونس وما وراءها من شمالي إفريقيا، فلم يأذن له، وربما خشي ابن الخطاب من تفرق المسلمين في بلاد واسعة بدون أن تثبت أقدامهم فيها.

المصدر

  • كتاب «تاريخ الخلفاء الراشدين. الفتوحات والإنجازات السياسية». الدكتور محمد سهيل طقوش.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية