حسام الدين فكري يكتب: أنت وحيد.. تبقى أكيد سعيد!
كُنتَ تجلس مُسترخياً على أريكة منزلك، تقزقز اللب والسوداني، مع كانز حاجة ساقعة، وتُشاهد مباراة مهمة في التليفزيون.. والحياة لطيفة وكله زي الفل، ثم اندمجت وأخذت تصيح مُشجعاً فريقك – الأحمر غالباً، والأبيض في حالات نادرة !! –، لكن صوتك جذب أسماع الآخرين.. فجاءت سيدة وجلست بجانبك – قد تكون أمك أو أختك أو زوجتك – ثم راحت تطالب بمشاهدة برنامج نسائي أو فيلم قديم أو مسلسل تركي !.. فلم يعد أمامك إلا أن تُضحي بـ«الماتش» من أجلها، أو تقوم بينكما خناقة ! لو مع زوجتك، فربما تُشاهد خلالها عرضاً رائعاً للأطباق الطائرة !! .
والنتيجة: ضاع الجو الجميل الذي صنعته لنفسك..ضاع استمتاعك بوحدتك !.. وهذا مايحدث طوال الوقت، طالما أنت لست وحيداً في منزلك.. فما دام هناك «ناس» يتحركون في مجالك الأرضي والجوي على السواء، فكيف تستطيع أن تستمتع بوحدتك ؟!! .
إنها متعة فريدة لا تشعر بقيمتها الكبرى، إلا وأنت بين الناس.. ناس كتير.. والهواء من حولك صار خانقا، ولا أحد يسمع أحدا، ولا أنت تجد نفسك حتى، فقد اختفت ملامحها في مزيج من ملامح الآخرين، ودائماً هم الآخرين هؤلاء.. كل الصخب والغباء والزحام يأتي منهم !
والوحدة عموماً أنواع: منها ما تختاره بنفسك.. ومنها ما يُفرض عليك !.. ومن الطبيعي أن تضجر من وحدتك الإجبارية، فحرية الاختيار نزعة إنسانية راسخة !.. أما وحدتك التي اخترتها، فأنت تحتاجها لأشياء كثيرة، منها : القراءة، الكتابة، قرض الشعر، المُذاكرة.. أو حتى الجلوس هادئاً تتأمل في الكون.. فكيف تفعل هذا كله وحولك ناس.. أو كائنات من أي نوع ؟!! .
إن الموهوبين والعلماء يفضلون الوحدة الهادئة، لأن السكون يُمثل وسطا مثاليا لانتقال الأفكار من العقول، إلى الأوراق أو اللوحات أو مفاتيح البيانو.. أو «الشخيص» أمام المرآة !! .
لكن الناس العاديين لايفهمون ذلك تماماً.. بل قد ينظرون إليك نظرتهم إلى كائن من المريخ، إن طلبت أن تبقى وحيدا بعض الوقت، فليس الذي في أدمغتهم هو نفسه الذي في رأسك.. ولا نظرتهم للحياة هي نظرتك.. ولا أهدافهم تتفق – أو حتى تقترب ! – من أهدافك.. فأنت عالم مستقل بذاته – وكل إنسان هكذا – له أفكاره ونظرته ورؤاه، لكن الذين يدركون ذلك حالات نادرة جدا !! .
ثم أن الوحدة أ... اتفضل يا سيدي.. أهو لسه بنقول.. وواحد جاي دلوقتي.. يضع عينيه في أوراقي.. ويشاركني الهواء الذي أتنفسه!!