عماد عبد الهادي يكتب: الثقافة المضادة وآليات تغيير المجتمع
هناك ثلاث أنواع من الثقافات: الثقافة السائدة: وهي ثقافة النظام العام والمؤسسات والطبقات والعائلات الحاكمة ، إنها الثقافة العامة والعامة المشتركة والأكثر إنتشاراً. الثقافات الفرعية: وهي ثقافات خاصة ضمن الثقافة العامة ، وتتمثل في المجتمع العربي بشكل خاص ي البداوة والفلاحة والحضارة تتنوع بتنوع الطبقات وثقافات الأقليات والجماعة والأقاليم ، الثقافة المضادة : التي تتناقض مع الثقافة السائدة ، وتتدخل في صراع حاد معها ، وتتمثل خاصة بإتجاهات الفض المنتشرة في أوساط المثقفين المبدعين والثائرين السياسين..
تتصف الثقافة السائدة بنزعة سلفية غيبية ومتعنتة، شديدة التشبث بالنظام والمؤسسة وتنتمي دائماَ إلى الفكر الكلاسيكي لذا تأتي الثقافة المضادة بشكل وثاب متغير وتميل دائماَ إلى التجديد والإبتكار حتى أن جملة "التفكير برة الصندوق" الشهيرة هي أحدى مفاتيح حركة الثقافة المضادة، حيث أنها كانت دعوة للخروج عن خط التفكير المؤسستي المألوف ...
ورغم أهمية الثقافة المضادة وإنتشارها الواسع ومضاربتها للثقافة السائدة، فقد تم إهمالهما في مصر والوطن العربي ، ولم تخرج دراسات جادة أو أبحاث تتناول مفصلات تلك الثقافة وآثرها على توسيع مدارك الفكر، حيث أن الهيمنة الثقافية كانت النقطة الأولى، وأحياناَ الوحيدة، المسجلة على جدول أعمال كل حركة سياسية او دينية بل كل قوة إجتماعية تطمح إلى السيطرة أو تريد الحفاظ عليها .
وفي هذا الأطار كتب الدكتور محمد عابد الجابري في كتاب ( تكوين العقل العربي ) يقول : "ان أخذنا بعين الإعتبار الكامل العلاقة العضوية بين الإيديولوجي والإيبيستيمولوجي في الثقافة العربية ، على صعيد التكويني، جعلنا نستحضر في كل لحظة أطراف الصراع، الشئ الذي مكننا ، فيما خيل لنا ، من التحرر من التاريخ "الرسمي" للثقافة العربية لذي يُعنيّ فقط بالثقافة التي تشرف عليها الدولة أو تدور في فلكها ويهمل أو يغفل الثقافة "المضادة"، ثقافة المعارضة ، وفي أحسن الأحوال يعرضها منفصلة معزولة ، على هامش " التاريخ" ، هذا في حين أن الواحدة منهما إنما تحدد ، وفي كل لحظة ، من خلال علاقتها مع الأخرى . لقد كان لابد إذن من النظر إليهما معاَ من زاوية الفعل ورد الفعل".
والواقع أن إهمال الثقافة المضادة لم يقتصر على العالم العربي فقط، بل في الغرب أيضاَ أخذ الأمر فترة طويلة حتى يبدأ العالم الغربي الإنتباه لها وتنصنفيها ووضع تصورات ورداسات عنها . فعبر التاريخ كانت الثقافة المضادة موجودة بدون أسم أو شكل منهجي محدد، ولكنها كانت تتمثل في أشكال ثائرة في جميع المجالات الفكرية والأدبية والفنية .
فأروبا العصور الوسطى امتلئت بأشكل كثيرة من حركات التمرد والثقافة المضادة ضد النظام القائم، وحركات أصلاحية ثورية تمردت على النظم الملكية وسلطة الكنيسة ، وقد صاحب ذلك حركات أدبية وفنية مثل الحركة الرومانسية والحداثية التي تمردت على أشكال الأدب والفن الكلاسيكي .
وفي العالم العربي كانت أشكال التمرد والثقافة المضادة تأخذ منحنيات أخرى متمثلة أيضآ في الفلسفة والشعر والأدب ، ولعل أشهر حركات الثقافة المضادة في مصر في تلك الفترة أتت من انتشر الثقافة الشعبية متمثلة في حكاوي السير الشعبية والأبطال الشعبيين الذي رسمته العقلية المصرية في محاولة للهروب من إحباطهم من الممارسات الغاشمة للحكام، وحال البلاد والعباد الذي يرضخ تحت ضغط القمع .
لقد رسم المصريون في تلك الفترة أبطال من قلب البيئة الشعبية وعامة الشعب ، يحكون بطولتهم ويتغنون بشجاعتهم ودهائهم ضد سلطة الحاكم الغاشمة ، وكانت تلك التصورات أحدى النماذج المبكرة للثقافة المضادة في مصر .
شهد القرن العشرين بعد ذلك نفوذ أقوى وأشد تأثيراَ للثقافة المضادة في مواجهتها للثقافة السائدة . فلقد خرجت مدارس فنية ثائرة عن المألوف مثل التعبيرية، و السريالية التي كانت تعتبر أحدى أقوى اشكال الثقافة المضادة إطلاقاَ ، توازى الأمر مع تدشين مدرسة فكرنكفورت الفسلفية في ألمانيا و مدرسة علم الإجتماع الحديث في فرنساو إنجلترا ، الذين بدأو ينادون بالخروج من عصر الحداثة والإنتقال إلى عصر ما بعد الحداثة حيث بدأ الأنسان الغربي يفقد ثقته في الإنسان والمجتمع والحكومة بعد اهوال الحرب العالمية الأولى . وفي مصر والعالم العربي بدأت نهضة ثقافية قائمة على لاثقافة المضادة ونبذ الثقافة السائدة الكلاسيكية ، في محاولة للتجديد والإبتكار وإيجاد محرك للخمول الإجتماعي وانتشار الأمية والخرافة ومواكبة الحركة العصرية ..
لقد بدأث ثورة المسرح المتمثلة في جورج أبيض ونجيب الريحاني ويوسف وهبي ، تأخذ مجراها في عقول المصريين وتحدث صدى وهزة فكرية وصدمة إجتماعية ، وقد أفاق المصريون على غرابة أشعار بيرم التونسي، والكلمات غير المألوفة لبديع خيرى، وألحان سيد درويش وظهور مدارس شعرية متمردة مثل الإحياء والبعث والمدرسة الرومانسية وأدباء المهجر وشعر العامية . لقد بدا أن الثقافة المضادة تأخذ سطوتها وتنشنر معلنة تمردها على الثقافة الكلاسيكة السائدة .
إلى هنا كانت الثقافة المضادة موجودة في ثنايا التجديد والمفكرون الثائرون على الأوضاع ، وكانت لا تزال مجهولة ولا يوجد تعريف محدد أو ملامح واضحة لها، فقد كان ينظر إلى كل ما سبق على محاولات تجديد خارج الأطر المرسومة ومحاولات لمواكبة العصر الحديث وتمرد على القيود الفكرية التقليدية.
حتى جاءت فترة السيتينات من القرن العشرين ، تلك الحقبة الزمنية التي شهدت تشدين خصائص وملامح وأفكار الثقافة المضادة بحق ، شهدة تلك الفترة ثورة الشباب في الغرب و أجزاء ضخمة من العالم ، وتلك الثورة الشبابية الإجتماعية قدمت لأول مرة معايير وخصائص وأفكار " الثقافة المضادة" حكرة فكرية وإجتماعية ضد لئام الفكري والسياسي والإجتماعي القائم ، بل أن مصطلح "ثقافة مضادة" نفسه تم تقديمة لأول مرة والتعريف بيه سنة 1969 على يد الإكاديمي الأمريكي " ثيودور روزاك" في كتابه "صناعة الثقافة المضادة" والذي قدم فيه دراسة عن ذلك الهياج الإجتماعي الذي إجتاح العالم ، وتلك الحركات الإحتجاجية الواسعة التي إجتاحت الغرب والعالم ، ضد الثقافة السائدة والميديا والدراسة والفنون والادب والموسيقى والحروب والإمبريالية الغربية وثقافة الإستهلاك ، صاحب ذلك حركات إجتماعية وفنية وسياسية مثل الهيبيز والوبهيمين ، وفن الطليعة ، والحركة النسوية وحقوق المثليين والزنوج .
وشهدة تلك الحقبة أيضاً ، ولادة الفن الشعبي والبوب آرت ، وكان التحول الجري يتمثل في ميلاد الثقافة الجماهيرية ، لم يعد الفرد يريد ثقافة نخبوية وفرض رأي قادم من القصور ومراكز صنع القرار تحركهم مثل الدمى ، بل لقد أراد ان يصنع ثقافته ويعبر عن نفسه وآرائه ونظرته الإجتماعية والثقافية ونقده الجذري لأحوال مجتمعه ، فبدأت فنون الشارع في الظهور ، وتمثل ذلك في الميديا البديلة التي أسساها الشباب من صحف ومجالات ومنشورات كانوا يتبادلونها فيما بينهم، ووجد بعضها طريقة للنشر مثل المجالات العادية، ولعل أشهره الفنون الجماهيرية التي ظهرت في تلك الفترة ، فن الجرافيك ظن الذي ألفه زنوج أمريكا وصار يرون فيه تلبيه أنفعالية وإنعكاس لحاجات إجتماعية.
لقد صار الشارع ملكهم وحوائطه كتاب مفتوح يرسمون فيه أحلامهم ضد القهر والعنصرية ولقد أستجاب المثقفون والفنانين الشباب خير إستجابة للثورة الثقافية المضادة ، وصاروا يؤدون حفلاتهم في الشارع وسط الناس ، وظهرت فرق ، لعل أشهرها البيتلز، تقدم نوعية جديدة من الإغاني النقدية وتطور طريقة كتابة الأغاني وأساليب الموسيقى والعزف، بل لقد أدخلت معاني إستهلاكية وقيم مادية وإجتماعية غير مألوفه في أغانيهم..
وفي أروبا كان الوضع على أشده لقد صار الطلبة يطردون الداكترة والأساتذة من الجامعات ويطلبون بتجديد المناهج الدراسية العتيقة والمليئة بالأباطيل وأساطير القوميات والبطولات الزائفة .
وشهدت فرنسا منحنيات أشد قوة وتأثيراَ لقد تحولت الثورة المضادة إلى حالة عصيان مدني كامل وصل الى ثورة شاملة في مايو 1968 ضد الحكومة والرئيس، وقتها ، تشارل ديجول.
لم يبالي الطلبة والشباب بكونه أحدى أبطال التحرير في الحرب العالمية الثانية ، بل لقد ثاروا ضد نظامه العسكري البوليسي ، ومزق الطلبة باريس إلى أشلاء ، وتم تصعيد الحركة الطلابية والثورة المضادة في جميع أنحاء فرنسا .
لقد شهدت الثورة المضادة في السيتينات بلوغ مرحلة ما بعد الحداثة، وميلاد أفكار وفلسفات جديدة، أديولوجيات طازجة، أشهرها ربما، الليبرالية الحديثة وحركة اليسار الجديدة ، الذي كان أشهر فلسفتها ، هربرت ماركوز و كتابه "الإنسان ذو البعد الواحد " الذي اعتبره البعض الكتاب المقدس للثورة المضادة وقتها، ففيه تحدث ن أن الحاجات التي يلبيها المجتمع الصناعي هي حاجات وهمية من صنع الدعاية والإعلان وميديا، وكان المجتمع يلبي هذة الحاجات المصطنعة فقط لأنها شرط إستمراره ونمو إنتاجه فحسب، بل لأنها خير وسيلة لأنتاج الإنسان ذو البعد الواحد والمتكيف معه ، ما الإنسان ذو البعد الواحد الا الذي تخلى عن الحرية بوهم الحرية.
لم يبالي الشباب ومطلقي الثورة المضادة بأوهام الإستقرار والتقدم وتخويف الحكومة بأن ما بفعلونه سيؤدي إلى تمزيق اروبا والعالم وقد يشعل حرب غالمية ثالثة، بل لقد أرادوا التغيير ولقد نالوه .
في مصر كان الوضع في تلك الفترة مختلف ، لقد شعر الشباب ورأى وسمع الثورة الثقافية المضادة في الغرب ، وتأثر بيها فكرياَ ، يشاع أن كتاب " الإنسان ذو البعد الواحد" الذي ترجمه ( جورج طرابيشي) عن دار الأداب نفذت جميع طبعاته من المكتابات في مصر ، وصل الأمر أن جمال عبد الناصر أرسل مندوبين من الرياسة لجلب نسخة من أحدى المكتابات ، فوجودوا أن جميع الطباعات قد نفذت مما دفع صاحب المكتبة للتخلي عن طبعته الشخصية.
رغم أن الشباب شاهد وتأثر فكرياَ ، الا أن وضع المجتمع وقتها حال دون أن تتحول تلك الأفكار لأشكال ملموسة، لقد كان المجتمع يرزح تحت الحكم العسكري الشمولي ، ومتأثر بالفكر العسكري الذي يدعوا الجميع للتوحد تحت راية المؤسسة ، تمثلت تلك الأفكار والقيم الشمولية كأفضل ما يكون في أغنية " صورة " لعبد الحاليم حافظ ( هنقرب من بعض كمان ، و اللي هيبعد من الميدان ، اللي هيبعد من الميدان ، عمره ما يهبان في الصورة) .
ومع ذلك قامةالثقافة السائدة و العقلانية الحكومية بمحاولات إحتواء أفكار الثقافة المضادة وضمها تحت لواء المؤسسة ، فقامت حركة نسائية ( برعاية الحكومة ) ، وحركة أتحاد طلابي ( برعاية الحكومة ) ، وحركة عمال ( برعاية الحكومة ) وحركة ثقافة جماهيرية ( برعاية الحكومة) ونشر فلسفات اليسار والوجودية ( تحت رعاية الحكومة ) .
أنت حر داخل إطار المؤسسة وبرعاية حكومية. ورغم ذلك لقد شهدت الاحة الفنية والأدبية بعض المحاولات لكنها لم تنجح كثيرا َ وتحول بعضها مجرد صدامات ناشئة من حالة التفسح الإجتماعي والتحلل الثقافي ، لعل المجتمع والنقاد أندهشوا من كلمات أغاني مثل " على مين يا سيدي العارفين" ، و " نقشبندي دبح كابشة" وأحدثت تلك الإاني ثورة على منظومة الأغاني شديدة الكلاسيكية ، لكن الأمر تحول الى تسطيح كامل أدى الى ضهور الأغنية الشعبية الهابطة التي نتخر الجسد الفكري والإجتماعي حالياَ .. صحيح جرت بعض المحاولات الجادة في السينما والتلفزيون ، ولكنها كلها أنتهت تماماً بحلول فترة التسعينات من القرن العشرين الذي يعتبر أسواء فترة خمول إجتماعي وثقافي وفني في مصر .
وإحتاج الأمر فترة طويلة من الخمول الإجتماعي حتى تبدأ فترة تجديد تجد نفسها في أحشاء الفكر المصري. لقد أحدثت ثورة الإتصال والمعلومات هزة في المجتمع المصري تشبه ما أحدثته الحملة الفرنسية .
لقد بدأ الشباب يراى بعين ثالثة فضولية شبقه للمعرفة والتجديد وتغيير المجتمع ما أخفته عنه اعوام من الأكاذيب والأباطيل والأساطير الزائفة التي تراكمت عبر قنوات الثقافة السائدة للمؤسسة ، لقد وجد الشباب في السوشيال ميديا والمدونات اعلام بديل يهرب بيه من واقعه المرسوم داخل الإطار ، بدأت ألوان جديدة من الثقافة المضادة تظهر وتخاطب وجدان الشباب متمثلة في الفرق الشبابية وأغاني الأندرجراوند ، وبدأ الشباب يحارب في السينما ليجد مكانه وسط نجوم الأفلام الذي صاروا لا يقنعون الكثيرون بأفلامهم، بدأ عدد من الكتاب الشباب والمجلات والجرائد التي تعتمد على الشباب بالكامل في الظهور بدأت بعض الحركات السياسية والإجتماعية في التشكل والظهور لتضرب الإيدولوجية الحكامة والمتمثلة في الحزب الوطني .
لقد بدأ الشباب المصري، مثل الشباب الأروبي في السيتينات ، يشعر بالملل من حال المجتمع الخامد والخامل فارغ العقل والموجه بشدة، وبدأت بعد المصطلاحات الكلاسيكية تثير إمتعاضه ، مثل " الفن الهادف" " العمل والنظام" " أبونا الرئيس" . صاحب ذلك سقوط مدوي لأصنام الثقافة والفن والسيساسة، لقد صار الشباب لا يردون وثنية فكرية وسياسية ، بل حرية تعبير وعدالة إجتماعية . كان تلك الإنفعلات التي تتشكل في وجدان الشباب لابد أن يكون لها ، بشكل طبيعي واقع مادي هو الذي أدى لقيام ثورة ( 25 يناير) الذي قامت في المقام الأول كثقافة مضادة للثقافة السائدة والمؤسسة .
ومن ثم أخذت وقت لتجذب جموع الشعب بعد أن كانت مقصورة على الشباب في معظمها ، والحركات السياسية والإجتماعية المضادة .
شهدت بالطبع الثورة هجوماَ كاسحاً من كبار مريدي الثقافة السائدة من فنانين وأدباء الذي لم يعجبهم تحطم أصنامهم الفكرية وسيطرتهم على عقول المجتمع ، ولكن الشباب لم يتراجع وتصاعدت حدة الثورة ، صاحبتها أعمدة قوية من مأزرة الفنانين الشبابا والأدباء وميلاد أهم فن في الثقافة المضادة، فن الجلرافيك، وهياج الشباب ضد القيم الثابته المؤسساتية.
لقد بدأت الثورة المضادة بشكل صحيح وتحولت لثورة إجتماعية وسياسية بشكل يدرس، ولكن للأسف تراجعت الآن كثيراَ رغم أنها تركت إنطباعتها للأبد في عقول الشباب، الذي صار لهذة اللحظة يحملها في أحشاء عقله ونسه ، ولايزال يحارب بيها النظام القائم والثقافة السائدة ، لاتزال فرق الأندرجراوند تحارب ، ولا يزال الشباب يخلق الأعلام البديل ويصنع ثقافته ووعيه الخاص خارج الصندوق . لقد جائت الثورة المضادة لتبقى رغم كل الأسلحة التي تستخدمها المؤسسة والثقافة السائدة ضدها .
إضافة: المشكلة أن الثقافة في مصر لم تمر أبداً بمصفاة، وكل من كتب حرفاَ نشر كتاباِ، وكل من نشر كتاباَ أصبح مثقافاً ، وكل من أصبح مثقفاً جاز لله أن يفتي، وكل من جاز له أن يفتي كتب في جريدة وشارك في ندوة، ودعى مرة على الأقل إلى مؤتمر ، وكل من شارك في مؤتمر حق له أن يهرتل، وكل من هرتل استهبل ، وكل من استهبل كتب عند البعض صديقاً .
لذلك وجوب الثورة المضادة هامة لحمايتنا من الثقافة السائدة التي تدار بشكل يدفع الشعب للتخلف والجهل مع سبق الإصرار والترصد. صحيح أن هناك محاولات شارسة من الحكومة لعلقنتها وضمها تحت رايتها ، متمثلة في أكاذيب التنوير المصري الذي تديرة الحكومة ويجذب تحت رايته مئات العقول التي تظن نفسها يقظة واعية ، الا أن الثقافة المضادة الحاقة لا تزال تجد نفسها وسط تلك الهوجة في محاولة لإيجاد وميض أمل وسط كل هذا الظلام .