التهجير من سيناء ليس للأقباط فقط.. حكاية الفرار من أرض الفيروز
تهجير قسري تواجهه الأسر المسيحية في سيناء بعد تزايد استهدافهم من قبل العناصر المتشددة وضعف الحماية الأمنية. سبعة قتلى من الأقباط خلال الأسابيع الأخيرة دفعتهم للفرار إلى الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية بحثا عن الأمان.
قضية التهجير نفسها ليست وليدة اللحظة، ولم يذهب ضحيتها الأقباط وحدهم الذين ربما تم استهدافهم مؤخرا. لكن قبلهم بزمن ليس ببعيد كانت الأوضاع الأمنية في شمال سيناء تستهدف الجميع وتقودهم إلى التهجير جبرا أو اختيارا.
قصة التهجير
عمليات مسلحة كثيرة شهدتها محافظة سيناء بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، بدأت بتفجير خطوط الغاز في 2011 مرورا بمذبحة رفح الأولى التي أثارت ضجة إعلامية.
عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي كان توقيتا تزايد بعده هذا الهجوم كثيرا. وكان الهجوم المسلح على كمين «كرم القواديس» الذي استهدف قوات الجيش بالشيخ زويد وراح ضحيته حوالي 30 من القوات سببا كافيا لإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي فرض حالة الطوارئ في سيناء، وإقامة منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، لتكون بمثابة حائط صد ضد أي عناصر مسلحة.
المنطقة العازلة وتهجير المدنيين
إقامة المنطقة العازلة كان يعني شيئا واحدا وهو إخلاء هذه المنطقة الحدودية تماما، إخلاء المباني والبيوت وتهجير السكان جميعا.
بدأت محافظة سيناء في رسم ملامح المنطقة العازلة، 13.5 كيلو متر طولا، وعمق يصل إلى 1500 مترا، على أن تتخللها قناة مائية لمنع أي تسرب للعناصر المتشددة أو مهربي السلاح.
في سبيل هذه المنطقة العازلة، أُسر عديدة قد هُجّرت، ومنازل نسفت بالكامل. 837 منزلا للمرحلة الأولى و1220 منزلا للمرحلة الثانية، وفقا للمحافظ عبد الفتاح حرحور في تصريحاته لموقع «العربية».
وفي أسبوع واحد فقط ابتداء من 28 أكتوبر 2014 هُدِم 215 منزلا وفقا لموقع «أصوات مصرية». كان الإخلاء جبريا، ويتم بواسطة قوات الجيش، ومع أنه كانت هناك مهلة للمواطنين للبحث عن مساكن بديلة، والمحافظ نفسه وعد بتعويضات مالية للأهالي المهجرين. لكن الوقت لم يكن مسعفا، ولم يخلو الأمر من الكثير من الانتقادات.
ينقل موقع «أصوات مصرية» عن أحد السكان الشاهدين على التهجير قوله.. «لا يوجد لدينا سكن بديل، ولم توفره لنا المحافظة، والوقت لا يسعفنا إطلاقا».
قرار التهجير القسري نال اعتراضا واسعا ليس على مستوى الأهالي أو النشطاء السياسيين، بل امتد ليشعل هاشتاج «#التهجير_مش _حل» الذي انتقد فيه المغردون تهجير مواطني سيناء، بدلا من إعادة تعميرها.
لكن التهجير حظى بالتأييد كذلك، فاعتبر البعض إخلاء رفح حماية لسيناء كلها من تسلل العناصر المسلحة.
عواقب التهجير
تهجير أهالي سيناء ربما كانت فكرة مطروحة قبل تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وقد رفضها كوزيرا للدفاع آنذاك، واعتبر أن التهجير أو سقوط ضحايا أبرياء سيخلق عداوة بين المواطنين والجيش.
تهجير اختياري
التهجير بسبب الأوضاع الأمنية وهجوم المسلحين لم يكن من نصيب أهالي رفح أو الأقباط وحدهم؛ بعد أن استقر «عمرو». «اسم مستعار» في العريش، لمدة عشر سنوات حيث مقر عمله، ويعيش معه زوجته وأولاده داخل منزله. يحكي لـ«شبابيك»: «يوميا بنشاهد ضرب نار وانفجار كمائن شرطة، الوضع خطير وأولادنا ممكن يتصابوا في أي لحظة».
كان الصبر هو الوسيلة التي يقاوم بها الأوضاع هناك حتى اللحظة التي انفجر فيها صاروخ خلف بيته تماما.. قرر «عمرو» الانتقال من بيته إلى منزل بالإيجار بوسط حي المساعيد.. لكن الأمر لم ينته هنا.
يقول: «بعد ما عزلنا كمين اتضرب قدام البيت مباشرة وحالات الاختفاء القسري بدأت تزيد، حتى لو عديت في الشارع بالعربية قدام كمين أمني والنور عالي، بيضرب نار بدون ما يعرف هويتك».
في النهاية اتخذ قرار بالعودة إلى مسقط رأسه بمحافظة الشرقية. عاد الجميع، الزوجة والأولاد، وظل هو يتردد على عمله في العريش، حيث استراحة العمل مؤمنة جيدا.
لم تكن قصة «عمرو» هي الوحيدة التي تنذر بالخطر؛ فالتواجد في عقر دارك في محافظة شمال سيناء، أو وسط حشد من الناس، ليسا سببين كافيين لتأمين حياتك، فالمسلحون يهاجمون البيوت لاختطاف المواطنين وقتلهم بعد ذلك.
ومن ضمن الحوادث الأخيرة في فبراير 2017، اختتطاف المواطن «إسماعيل صبري عواد» من داخل بيته، فجر الخميس الماضي، واختطاف «محمد الخراط» أثناء تواجده بسوق رفح الأسبوعي.
1919.. حكاية ثورة عنيفة أشعلها الطلاب وخذلها الساسة
تهجير الأقباط
عندما جاء يوم الجمعة الموافق 24 فبراير 2017 كانت حوالي 40 أسرة قبطية قد هاجرت من العريش إلى الإسماعيلية بناء على دعوة للكنيسة الأنجيلية.
يقول«ميشيل أنتون» الخادم بالكنيسة الإنجيلية بالاسماعيلية، ومسئول الإعانات للأسر المُهجّرة: «لدينا في الكنيسة الإنجيلية 200 فرد قادمين من سيناء، يشكلون أكثر من 40 أسرة.. لكن هؤلاء ليسوا فقط كل من تم تهجيرهم، فهناك أسر أخرى تحركت لكنائس مختلفة».
الأمور بدأت تتحسن بالنسبة لهذه الأسر بنسبة 70%، هكذا يوضح «أنتون» في حديث خاص بـ«شبابيك».. فهذه الأسر تتلقى الكثير من المساعدات من «فاعلي الخير» أو من الدولة التي وفرت لهم سكن في بيوت الشباب، بالإضافة لمساعدات الأفراد الذين وفروا مساكل لهذه العائلات».
ربما يكون الخوف الشديد هو الذي يسيطر على هذه الأسر الآن بعد ما رأته من فظائع.. «هذه الأسر هاجرت بسبب أن أفرادها تعرضوا للهجوم والقتل.. هكذا يؤكد «أنتون» الذي ينفي بشدة ما تناقلته مواقع صحفية إلكترونية من أن تهجير الأقباط كان بسبب حالة الخوف التي انتابتهم بسبب فيديو منسوب لمفجر كنيسة البطرسية يتوعد فيه جميع الأقباط في محافظة شمال سيناء.
يحكي لـ«شبابيك» عن إحدى السيدات التي تتلقى الرعاية في الكنيسة الإنجيلية. «استهدفت العناصر المسلحة بنتها وقتلت زوجها وابنها، ثم أحرقت المنزل».. هذه السيدة هاجرت بعد اعتداء شديد وقع عليها.
هل الأقباط مستهدفون في سيناء؟
تقرير لـ«المصري اليوم» بعنوان « أقباط شمال سيناء.. الحياة في ظلال الرعب» نشر في 27 يوليو 2013 بعد أيام من عزل «مرسي» يروي قصة إصابة المواطن القبطي «كمال جون» المشرف العام لهيئة الإسعاف بطعنات من أحد الملثمين. لم تؤدِ هذه الطعنة إلى مقتله لكن «جون» يرفض أن يكون هذا الحادث طائفيا.
يحاول تقرير «المصري اليوم» أن يربط بين إصابة «جون» وبين مقتل كاهن العريش القس «مينا عبود» في إطلاق النيران على سيارته.
لكن «أنتون» خادم الكنيسة الإنجيلية يصف تهجير الأقباط بأنه الأول من نوعه الذي يستهدف الأقباط بالتحديد في سيناء.. «التهجير مشكلة وليدة اللحظة ولم تتربص العناصر المسلحة بالمسيحيين في سيناء كما يحدث الآن».
الهجمات المسلحة التي تعرض لها أهالي سيناء سابقا لم تفرق في رأيه بين مسلم ومسيحي.. «الجيش بدأ في تضييق الخناق مؤخرا على هذه الجماعات المسلحة، وهم عندهم اعتقاد خاطئ أن المسيحيين هم سبب تولي الرئيس السيسي للحكم، فنقلوا المعركة بينهم وبين المسيحيين»، لكننا نحن حولناها لقضية أمنية وقضية دولة.. وليس شيئا يخص المسيحيين وحدهم.
ليس التهجير الأول
لم يكن استهداف الأقباط وليد اللحظة في رأي الصحفي المختص في شئون سيناء، مصطفى سنجر. يقول لـ«شبابيك»: «الأقباط بدأت هجرتهم من رفح و الشيخ زويد عام 2012 بعد حوادث خطف بهدف الابتزاز المالي، ثم مقتل مواطن مسيحي لعدم دفع الفدية».. يرجح الصحفي أن هذه الحوادث كانت بسبب عناصر جنائية وليست مسلحة.
يشير «سنجر» إلى بيان نشر في رفح عام 2012 يطالب الأقباط بالرحيل من الشيخ زويد ورفح، بالفعل رحل الأقباط واتجهوا إلى العريش.
أسر أخرى قبطية قد هُجرت من بيوتها ومدنها بسبب تداعيات الحرب وبعد إصابة ومقتل مواطنين بالقذائف والرصاص العشوائية.
لكن «سنجر» يعود ويؤكد أن استهداف الأقباط بناء على الهوية الدينية قد اتضح فقط في شهري يناير وفبراير بعد مقتل 6 أفراد منهم، مما دفع الأقباط للرحيل خارج المحافظة».
دور الأمن
الأحوال الأمنية كانت هي المتهم الأكثر حظا في حوادث التهجير الثلاثة. يقول الناشط السيناوي همام الأغا، في حسابه على «تويتر» أن فرار الأقباط من سيناء، كان لغياب التواجد الأمني وتقصيره في حماية المواطنين، لكنه انتقد في الوقت نفسه أن تكون القضية تخص الأقباط وحدهم، فالتغطية الإعلامية تحاول أن تخلق كأنها قضية قبطية.
كما أن هذا التهجير الأخير يأتي بعد فترة شهدت فيها سيناء تراجعا في العمليات المسلحة وفق دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد شهد العام 2016 تراجعا ملحوظا في العمليات المسلحة حتى النصف الأول من العام، ليبدأ في التزايد من جديد في الثلاثة شهور الأخيرة، أكتوبر ونوفمبر وديسمبر التي سجلت 104 عملية مسلحة.
وفي بيان أصدرته وزارة الداخلية مساء اليوم السبت، تؤكد أن الأجهزة الأمنية لم تطلب من الأقباط المقيمين بشمال سيناء مغادرة منازلهم والتوجه إلى المحافظات المتاخمة.