غانا.. «مصر فازت عليها من هنا، وهي عاشت في النمو الاقتصادي من هنا»
يتذكر المصريون جيدا فوز المنتخب الوطني على غانا في أخر كأس أفريقية حصدوها عام 2010 بهدف محمد ناجي (جدو)، وغير ذلك يعتقد كثيرون أن غانا دولة أفريقية فقيرة، يتردد اسمها فقط في مباريات كرة القدم؛ دون أن نعلم أنها مثال عالمي في الديمقراطية والنمو الاقتصادي.
فمع العام 1992 بدأت غانا في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، لتتحول من دولة فقيرة أنهكها الاستعمار والحكم العسكري؛ إلى أن تصنف كأسرع دولة أفريقية في النمو الاقتصادي، والدولة الأكثر في الاستقرار السياسي، فكيف حدث ذلك؟
الإصلاح السياسي
قبل أن يقرر الشعب أنه بحاجة إلى نهضة اقتصادية، أدركوا أن الإصلاح السياسي هو الأساس الذي سيحقق أي نهضة في البلاد أو يجعل الإصلاح الاقتصادي يؤتي ثماره.
- من الحكم العسكري إلى المدني
لم تكن غانا دولة فقيرة أبدًا؛ فمنذ أن دخلها الاحتلال البريطاني عام 1896 أطلق عليها «ساحل الذهب» فهي تحتل المرتبة الثانية في إنتاج الذهب بأفريقيا.
يمر ستون عاما حتى يتركها الاستعمار 1957 بعد نضال طويل من الشعب والحركات السياسية. لكن بريطانيا تسلم البلاد إلى حكم عسكري لا تذوق خلاله الاستقرار أبدا؛ فقد شهدت غانا خمس انقلابات عسكرية متتالية، في 15 عاما فقط.
يسيطر القادة العسكريون على كل مؤسسات الدولة، ويمنعون الأحزاب السياسية، إلا الحزب الحاكم، ويمكث الرئيس منهم في السلطة مدى الحياة؛ أو حتى ينقلب عليه قائد آخر من الجيش! حتى يجيء العام 1992 عندما أتاح الجنرال «رولينجز» صلاحيات مطلقة لم يسبقه إليها غيره من القادة العسكرين.
وهنا تزيد ضغوط الحركات السياسية الداخلية والدولية أيضا؛ حتى اضطر لتطبيق بعض الإصلاحات السياسية، لتشمل التعددية الحزبية، وحرية ممارسة النشاط السياسي، وتعديلات دستورية، والأهم تقييد الفترة الرئاسية بأربع سنوات فقط.
يصبح التزام الشعب بالديمقراطية صارما، حتى إن الرئيس الثاني «أتا ميلز» فاز بأقل أصوات يمكن أن يحصل عليها رئيس جمهورية في العالم وهي 50.25%، لكن السلطة تنتقل له بشكل طبيعي ودون اعتراض.
الإصلاح الاقتصادي
تلك الدولة التي عانت من انقلابات عسكرية متتالية، أصبحت مثالا عالميا للتحول الديمقراطي والاستقرار السياسي؛ كما يذكر «ياسر السبكي» في كتابه « التحول الديمقراطي في غانا».
ومنذ ذلك الحين وضعت الحكومة خطة للإصلاح الشامل، وإصلاح التعليم والرعاية الصحة، والإصلاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الخارجية.
- الإصلاح الاقتصادي خلال الحكم العسكري
في الواقع لقد بدأ الاتجاه إلى الإصلاح الاقتصادي خلال الحكم العسكري نفسه؛ والذي اعتمد على تشجيع الاستثمار وتقليل الإنفاق الحكومي والدعم المقدم لبعض الفئات، والاتجاه إلى خصخصة الشركات؛ عملا بإجراءات التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي؛ للحصول على قروض لدفع الاستثمار في البلاد.
النتيجة المباشرة لهذه الإصلاحات هي انهيار قيمة العملة، والتضخم الذي ارتفع إلى 17%، كما يذكر «السبكي». يربط «السبكي» هنا بين النمو الاقتصادي والسياسي؛ فقد أدت سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة إلى انخفاض العجز في ميزان المدفوعات عام 1992، وزيادة معدل النمو؛ وهو الأمر الذي أدى لنشاط الحراك السياسي والتحول الديمقراطي.
- الإصلاح الاقتصادي والديمقراطية
في فترة التسعينيات وبعد تحول غانا إلى الديمقراطية، أخذت الحكومة تفكر بشكل يخفف من أثر انهيار العملة وارتفاع التضخم بعد شروط صندوق النقد الدولي.
كان هناك سوء إدارة يجب أن يتغير يتمثل في سوء استغلال الدولة لمواردها الاقتصادية، وهنا اتجهت غانا إلى استغلال مواردها جيدا.
- الاعتماد على الزراعة
عرفت غانا كيف تستغل ثروتها الزراعية الضخمة التي تتمثل في إنتاج مجموعة من المحاصيل التي تشهد طلبا دوليا كبيرا؛ مثل الكاكاو والبندق والفول السوداني والأرز والموز والأخشاب.
وبعد عقود ظل فيها الاستثمار الزراعي مهملا بسبب نقص الموارد وانخفاض قيمة العملة؛ بدأت غانا تتجه إلى جذب الاستثمار لإجراء اصلاحات زراعية، وجذب مصانع وشركات الشوكولاتة العالمية، في تلك الدولة التي تحتل المركز الثاني عالميا في إنتاج الكاكاو.
الميزة هنا أن الإصلاح الاقتصادي لم يقتصر على المستثمرين؛ فقد تم إعفار صغار المزارعين من الضرائب الباهظة المفروضة؛ وبذلك تمكن صغار المزارعين من تحقيق دخل أفضل.
- الصناعة والتعدين
لم تعد أكوام الذهب في غانا تذهب إلى المستعمر أو الحكام المستبدين؛ فقد اتجهت الدولة إلى جذب الاستثمار في صناعة الذهب الذي أصبح يشكل 40% من الناتج المحلي.
هذا بالإضافة إلى الاتجاه إلى استخراج وتصدير المعادن التي تدخل في العديد من الصناعات؛ مثل الحديد والمنجنيز والألومونيوم. كما احتلت غانا المركز التاسع على العالم في إنتاج الألماس.
- اكتشاف البترول
ارتبط الإصلاح الاقتصادي في غانا بالتنقيب عن البترول، الذي اكتشف للمرة الأولى عام 2007. ونتيجة لهذا التنقيب اكتشفت غانا مصدرا آخر هائلا للثروة وهي حقول النفط الخام، إلى جانب حقول الغاز الطبيعي.
وبالعودة إلى التقارير الإعلامية في ذلك الوقت؛ فقد أثار اكتشاف النفط الكثير من القلق الدولي حول سوء إدارة حقول النفط، وغياب الشفافية، بما قد يجلب الفساد وليس النمو؛ وفقا لـ«BBC» في تقرير يعود للعام 2010.
لكن يبدو أن الإصلاح السياسي قد حال دون وقوع هذه التخوفات؛ فقد أدى اكتشاف البترول في غانا إلى جذب نظر الدول الكبرى للاستثمار؛ فقفز معدل النمو في خلال عام واحد إلى 15% في العام 2011.
ما نتيجة الإصلاح؟
منذ ذلك الحين استطاعت غانا أن تحقق متوسطا في معدل النمو بنسبة 7% سنويا؛ وفقا لتقرير «اليونسيف». كما تحولت غانا إلى دولة مصدرة بامتياز؛ يشكل الذهب والكاكاو والنفط 75% من صادراتها.
هذا كله قد ساعد الدولة على خفض معدلات الفقر بنسة 30% في مدة قصيرة، ليصبح متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي هو 4000 دولار سنويا؛ وهي نسبة تصفها التقارير الدولية بأنها حتى وإن كانت لا تزال ضمن الفئة المتوسطة الأدنى؛ لكنها تعبر عن دولة في طريقها للنمو.
مشاكل تعانيها غانا
تشهد التقارير الدولية لغانا أنها أصبحت أكثر الدول الأفريقية في الاستقرار السياسي، والأسرع في معدلات النمو الاقتصادي.
ولكن لا تزال غانا تواجه مشكلة اقتصادية كبيرة، فرغم أن معدل الفقر قد تراجع إلى 24.2% بما يعادل 6 ملايين مواطن؛ مقابل 51% في العام 1991؛ وفقا لإحصائيات جهاز الخدمة الإحصائية في غانا، كما ينقلها موقع «Ghana Trade».
كما تراجع معدل التضخم إلى 12.6% في العام 2017، مقارنة بـ18.4%، وفقا لإحصائية «Trading Economics».
لكن تقرير «اليونسيف» يقول إنه لا تزال نسبة كبيرة من الشعب تعاني الفقر المدقع، والتسرب من التعليم، وعمالة الأطفال دون 15 عاما؛ وعدم وصول الكهرباء إلى بعض المناطق.