هجوم 11 سبتمبر.. شهادات أهالي منفذي «غزوة منهاتن»
«سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، سورة «المدثر».
هكذا تصف الآيات الكريمة سقر أو جهنم، وتعدد لنا الملائكة الموكلين بهذا الجحيم الأخروي، فتصادف أن العدد نفسه كان للفرقة الموكلة بتنفيذ هجوم 11 سبتمبر. 19 انتحاريا نفذوا الهجوم بشكل «جحيم مصغر» معتقدين أنهم سيدخلون الجنة بـ«جهادهم»، فقتلوا أنفسهم و3000 من الأمريكيين غير آلاف الجرحى.
وعبر جهود عديدة من الصحافة والتحري، سطر لنا التاريخ شهادات مسجلة عن هجوم 11 سبتمبر، من أهل وذوي منفذي الهجوم ومن حولهم، وخاصة من جماعتهم، بمباركة زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، وقيادات التنظيم، قبل أن يسقطوا جميعًا في السنوات اللاحقة بين قبضات عدوهم. واليوم ينفي البعض هذه الرواية ويضمها لمؤامرة أخرى في الخفاء، ويعتبرون كل الأدلة والبراهين محض تلفيق آخر.
في هذا التقرير نعرض لكم شهادات تخص قادة الطائرات الأربع، بروايات مدنيين من رفاقهم وعائلاتهم، إلى جانب الشهادة الأهم من التنظيم نفسه في الواقعة التي عرفت بين المجاهدين بـ«غزوة منهاتن».
1- محمد عطا.. الأمير الصامت
قائد العملية وصاحب التفجير الأبرز بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، هو المصري محمد عطا، من مواليد كفر الشيخ.
نال «عطا» رسالة الماجستير في هندسة المعمار من ألمانيا لتفوقه الدراسي الملحوظ، وشهد له زملائه بالأدب والورع وقلة الكلام. التزامه أدى لضيق العائلة الألمانية التي استضافته كدارس مغترب في بيتها، ليتركها ويسكن في بيت للطلاب، وفي الجامعة يتقدم بطلب لإنشاء غرفة تجمع للمسلمين كي يتمكنوا فيها من الصلاة.
صفية العبد، زوجة أحد أصدقاء «عطا»، تحكي أنه السبب في إسلامها أصلاً حين استعان به الصديق، وكيف كان مهذبًا لا يتعمد إجبارها على الدين وإنما أجاب على أسئلتها بأمانة ووضوح.
أما أستاذ «عطا» في الجامعة والمشرف على رسالته، فلم يتوقف عن مدحه عندما سُئل عنه، فهو مجتهد وهادئ ذو مستقبل مشرق.
كل هذا لم يمنع «عطا» من الانضمام لتنظيم القاعدة منتصف التسعينات وأن يكني نفسه «أبو عبد الرحمن». بعدما أدى فريضة الحج ليعود لألمانيا ملتحيًا ويلاحظ أستاذه تغيرًا في طباعه، حتى أصدقائه لاحظوا صمته الزائد واختفاء ابتسامته.
انتقل «عطا» من أفغانستان لألمانيا، وأخيرًا لأمريكا كي يتعلم قيادة الطائرات هناك ويحصل على رخصته. تعترف القاعدة رسميًا أن «عطا» هو صاحب الفضل الأكبر في التنفيذ، فكل أهداف العملية من اختياره، فحرص على انتقاء أكبر الطائرات من طراز بوينج ليحقق أعظم الأثر، واستأثر لنفسه بالهجوم الأهم، حتى أنه أعطى رمزًا مشفرًا للبرج الشمالي باسم «كلية التخطيط العمراني».
2- زياد جراح.. ترك الحب لأجل التفجير
لبناني وسيم يملأه المرح وحب الحياة، رفض أهله رغبته في أن يصير طيارًا فاكتفى بتعلم هندسة الطيران، وفي ألمانيا التحق بمعهد للدراسة وأحب رسامة ألمانية من أصل تركي.
كل شيء كان على ما يرام لولا التحول المفاجئ في حياته. لقاءه بالمتشددين هناك ومنهم محمد عطا نفسه؛ تم هذا في مسجد القدس المشهور الذي اعتاد رواده على طرد الصحفيين.
جمال جراح عم «زياد»، أكدّ أن حياته كانت طبيعية بين الدراسة والحب كأي طالب عادي، وحتى أساتذته في مدرسة الطيران لم يتوقعوا أن هذا اللامع المحترف في كرة الشاطئ قد يستغل تعليمه لأجل هذا، ليتحول إلى «أبو طارق» الذي قاد الطائرة الرابعة في الرحلة 93، لكن مهمته لم توفق في إصابة مبنى الكونجرس الأمريكي الذي رمزوا له بـ«كلية القانون»، وهذا بسبب مقاومة ركاب الطائرة، فسقط بها في ولاية بنسلفانيا.
زياد جراح شهد له القاصي والداني، وتم عمل فيلمين عن قصته المميزة، أحدهما «خلية هامبورج» The Hamburg cell، عن كواليس لقاءه بـ«عطا» وأعضاء العملية قبل التنفيذ، والآخر «يونايتد 93» United 93 عن العملية الفاشلة نفسها.
هاني حنجور.. من الطائف إلى البانتجون
والده صالح حسن حنجور لم يكن مواطنًا عاديًا، بل من أعيان محافظة الطائف في السعودية، ويصفه جيرانه ومعارفه بالوسطية في الدين والاعتدال وإكرام الضيف، ولم يكن متشددًا مثل فعلة ابنه هاني حنجور. الواقع أن الأب أصيب بجلطة أودت بحياته حين قرأ اسم ابنه في قوائم المتهمين بالتفجير الإرهابي.
«هاني» نفسه لم يكن سوى دارس ضعيف للإنجليزية بغير أي نوايا ليصير «عروة الطائفي» الذي قاد طائرة الرحلة 77 ليصيب مقر وزارة الدفاع الأمريكي أو البنتاجون، وكما أسماه مع زملائه رمزًا بـ«كلية الفنون الجميلة».
مروان الشحي.. أصغر الراغبين في الفردوس
بعمر 23 عاما فقط، انضم مروان الشحي، الذي سمى نفسه بـ«أبي القعقاع» لمنفذي العملية. وقاد الطائرة الثانية التي استهدفت المبنى الجنوبي لمركز التجارة العالمي بجوار محمد عطا.
كان الإماراتي الشاب زميلاً لـ«عطا» في ألمانيا، يدرس في معهد اللغة في مدينة «بون»؛ كالعادة وصفه معارفه بالتدين وهدوء الطباع، إلا أن البعض الآخر شهدوا له بـ«إضمار نوايا متطرفة».
المدعي العام الألماني كاي نيم في أغسطس من العام 2002، عرض شهادة أمينة المكتبة في مركز الحساب بجامعة هامبورج التقنية، وذكرت مقولة «الشحي» لها متعصبًا بأن شيئًا ما سيحدث قريبًا، وأنه سينفذ عملية يسقط فيها الآلاف ليذكره الجميع وقتها.
شهد لهم الأهل.. وشهد الواقع بالعكس
بخلاف كل الأدلة الناتجة عن تتبع سير المنفذين، رمزي بن شيبة، ومحمد آل شيخ، العقلين المدبرين للهجوم كله بعد أسامة بن لادن، اعترفا صراحة في شرائط مسجلة بالفعلة كلها، مباركين عمل «الأخوة الأربعة» قادة الطائرات، وبقية الخاطفين الـ15، وأكدا أن الجنة بانتظارهم، بل طلبا منهم إيصال السلام للنبي والصحابة.
في الوقت الذي لم يصدق فيه الأهل والمعارف شيئًا وأبدوا صدمتهم، وحتى الآن لا يزال والد «أمير الغزوة» محمد عطا يتسائل عن مكان ابنه، ويناشد العالم الحر بمساندته، فابنه إما قُتل أو صُفي، ويقول بأن العملية مدبرة من قبل «اللوبي اليهودي»، لكن كلامه حتى الآن يبقى نظريًا ينضم لخضم النظريات المحتملة للعملية بلا حصر.