موطن «مساخيط الله» في الأرض.. ما لا تعرفه عن وادي الحيتان
وادى الحيتان أو (قارة جهنم) كما كان يطلق عليه قديماً يقع داخل محمية وادي الريان والتي تغطي مساحة 1759 كيلومتر بمحافظة الفيوم على بعد 150 كيلو متر من القاهرة.
وربما لا يعلم كثيرون أن عمر هذا الوادي يتجاوز 40 مليون سنة، وأن محيط مائي ضخم كان يشغل مكانه الحالي.. فما هي حكاية وادي الحيتان؟
تراث عالمي
وفى العام 2005 صُنف وادي الحيتان كمنطقة تراث عالمي واختارتها «اليونسكو» كأفضل مناطق التراث العالمي للهياكل العظمية للحيتان لوجود حفريات حيتان كاملة كانت تعج بها المنطقة قبل 40 مليون سنة عندما كان الوادي يقع تحت محيط ضخم (بحر تيث)، بالإضافة إلى حفريات بحرية عديدة يمكن رؤيتها في المتحف المفتوح الذي يتيح للزائرين إمكانية رؤية الحيتان وعدم المساس بها لحمايتها.
وتمثّل هذه البقايا المتحجرة إحدى أبرز محطات تطوّر الحيتان من ثدييات بريّة إلى ثدييات بحريّة، ومن ثم يعتبر الوادي أكبر مواقع العالم الشاهد على هذه المرحلة من التطوّر حيث يعكس طبيعة الحيتان وحياتها في خلال فترة تحوّلها.
الاكتشاف الأول
اكتشفت حفريات وادى الحيتان في عام 1903 بواسطة العالم «بيد تل» من خلال المسح البيولوجي بمصر، حين عثر على حفريات للحوت المعروف باسم «باسيلوسورس إيزيس» والتي يصل طولها إلى 18 متراً وحوت «دوريودون اثروكس» وهو أقل حجماً.
وفي عام 1989 اكتشف فريق العمل المكون من علماء حفريات مصريين وأمريكييين أول عينيات مائية لهيكل الحوت «باسيلوسورس» و«دوريودون أثروكس» بأرجلها وأقدامها الصغيرة، وفي عام 1996 اُكتشف حوت آخر قديم يبلغ طوله خمسة أمتار هو «اتشيرنوس سيمونس».
وفي عام 2006 اكتشف العلماء أول حفرية من الثدييات البحرية وهي من أجداد الفيل وتعرف باسم «بيراثيرم»، وفي عام 2007 تم تسمية الحوت الذي يبلغ طوله 10 أمتار باسم «ماسوا سيتسي ماركجريف»، ثم رسم فريق البعثة خرائط بأكثر من 400 حوت وعجل البحر في الوادي.
التاريخ الجيولوجي
ارتبطت قصة وادي الحيتان بالتغيرات التي حدثت قبل وأثناء وبعد تكون الصخور في المنطقة. فمنذ 40 مليون سنة حدثت عمليتان جيولوجيتان غيرتا وجه الأرض. العملية الأولى أرست الشكل القديم للأرض والثانية أوضحت التغيرات التي طرأت بصورة مستمرة.
كان كل من البحر التيثي والبحر الأبيض المتوسط القديم يقعان بشمال أفريقيا ما بين 250-35 مليون سنة، وربط هذا البحر (البحر التيثي) ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي عبر ما يعرف الآن بالسعودية، ومنع الطقس الدافئ تكون الثلج بالقطب الشمالي والجنوبي مما تسبب في ارتفاع معدل المياه بالمحيطات.
استمر وجود البحر التيثي بشمال قارة أفريقيا لمئات الملايين من السنيين، وإذا استمر الحال هكذا لظلت مصر تحت سطح الماء يتراكم فوقها العديد من الرواسب.
بعد أن اختفت صخور وادي الحيتان تغير مناخ الأرض، وأدى ذلك إلى تكون الثلج بالقطب الجنوبي ما أدى بدوره إلى تحول الكثير من المحيطات إلى ثلوج وبالتالي جفاف البحر التيثي وظهور أرض مصر.
تعرضت الأرض بعد ذلك في عصور جيولوجية مختلفة لمناخ أكثر رطوبة من الذي نعيشه الآن، وهطول الأمطار الغزيرة تسبب في وجود الأنهار بشمال أفريقيا والتي أزالت الكثير من الصخور والرواسب ومن المحتمل أن تكون السبب في تشكيل مرتفعات وادي الحيتان.
تفسيرات خرافية
هناك تفسيرات أخرى طريفة لوجود الحفريات بوادي الحيتان، تقول أن هذه الكائنات هى بقايا لمجتمعات وأقوام متجبرة سخطها الله وخسف بهم الأرض، وترك سبحانه وتعالى هذه الشواهد لتدل عليهم.
والمؤكد أن هذه التفسيرات تدخل في سياق الأساطير والخرافات الشعبية التى يتداولها البسطاء والعامة من الناس لدرجة أن هناك من يطلق على هذا الوادى (وادى المساخيط).
حيوانات مهددة بالإنقراض
لا تتوقف أهمية وادي الحيتان على ما سلف ذكره، حيث يعتبر أيضاً بيئة طبيعية للحيوانات المهددة بالانقراض مثل الغزال الأبيض والغزال المصري وثعلب الفنك وثعلب الرمل والذئب، والطيور المهاجرة النادرة مثل صقر شاهين وصقر الغزال والصقر الحر والعقاب النسارى، وأنواع أخرى من الطيور المهاجرة مثل أنواع البط والسمان، وأنواع البلشون والعنز وغيرها.
ويحتضن الوادي أنواعاً عديدة من النباتات البرية مثل الأتل والرطريط الأبيض والعاقول والسمار والغاب والبوص والغردق والحلفا وغيرها.
جبل قطراني
وإلي جوار «جبانة الحيتان» الهائلة هناك تصور لضم منطقة اسمها جبل قطراني شمال محمية قارون إلي وادي الحيتان لتصبح محمية (طبيعية ـ ثقافية)، إذ أن فيها بقايا أشباه الإنسان الأول وهياكل أسلاف الفيل والحيوان الثديي ثنائي القرون المعروف باسم «أرسينوثيرام».
وطبقا للاتحاد الدولي لصون الطبيعة(IUUCNI) يعد جبل قطراني هو السجل الكامل للثدييات البائدة في إفريقيا، كما يعد تنوع البيئة الحيوانية به عاملاً أساسياً في فهم تطور العديد من المجموعات الثديية بالقارة (يحتوي علي40 جنساً و75 نوعاً).
وبالإضافة إلي جبل قطراني هناك ـ كذلك ـ مدينة ماضي الأثرية، وتلك المناطق الواقعة شمال وادي الحيتان تنتظر ـ هي الأخرى ـ قراراً دولياً بتحويلها إلي مناطق تراث عالمي ثقافي وطبيعي.
وقد اكتمل تمهيد مدقات وطريق ترابي بطول 38 كيلو متراً وترسيم الطرق المؤدية للوادي وتأمينها وإعداد اللوحات الإرشادية، وتوفير دورات مياه وكافتيريا تعرض منتجات تعبر عن الوادي يمكن للزوار اقتنائها، واستخدمت خامات المكان مثل الفخار والطمي وحبال من تيل النخيل في صنع لوحات إرشادية وترسم الطرق داخل الوادى وحول مواقع هياكل الحيتان.
كما صُممت هيكل مصغر لحوت «باسيلوسورس» وأسنان القرش، وإعداد متحف مفتوح لعرض الحيتان بصورة متميزة تتيح للزائرين رؤيتها وعدم المساس بها في آن واحد.
ورغم الغموض الذي يحيط بوادى الحيتان أو جهنم أو المساخيط، فإنه يبقى صندوق العجائب الذى ربما تكشف الأيام الكثير من كنوزه وخباياه.