لماذا نحذف العائلة والأقارب من «فيس بوك»؟
لا يفضل بعض الشباب إضافة أفراد أسرتهم وعائلهم على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا «فيس بوك»، فتواجدهم يضيف قيودًا على هذا الواقع الافتراضي الذين يعتبرونه متنفسهم الوحيد للتعبير عن أفكارهم التي قد يرفضها المجتمع.
ولكن هل يؤدي هذا التصرف إلى مشاكل مع الشاب وعائلته في أرض الواقع، أو هل يتسبب في انعزال هذا الشخص عن المجتمع؟ أم أن له جوانب إيجابية لا يعلمها أحد؟ تحدث «شبابيك» في هذا التقرير مع عدد من الشباب ليحكوا تجاربهم، وخبراء علم النفس ليتناولوا إيجابيات وسلبيات هذا السلوك.
دوافع الشباب لاستبعاد الأقارب من فيس بوك
-
الخلاف في الآراء الدينية
كنت البداية مع ثورة 25 يناير 2011، وعندما بدأ صمويل رمسيس الموظف بشركة الكهرباء، في التعبير عن رأيه السياسي بوضوح ودون خوف، للدرجة التي وصلت لحد انتقاد المؤسسات الدينية لموقفها المخالف لشباب الثورة؛ كما يروي القصة لـ«شبابيك».
وفوجئ «صمويل» بهجوم غير عادي من الأهل والأقارب. ثم تطور الأمر للتدخل في كل صغيرة وكبيرة تخص صفحته الشخصية حتى لو كانت صورًا أو منشورات رومانسية، ومراقبة تعليقاته عند الأصدقاء. يوضح: «لأني ضيفت أقاربي كلهم، بدأت أكون متحفظ في نشر أي بوست أو حتى التعليقات بسبب مراقبتهم ليا».
وبعد أن يأس «صمويل» من تقبل الأقارب لآراءه المختلفة، اضطر لإنشاء حساب مختلف: «فيه أكونت تاني ميكونش فيه أي أقارب علشان أعلق على أي موضوع بحريتي».
-
الخلاف السياسي
الأمر وصل لـ«الخناق» والخلاف العائلي مع «بسمة» (اسم مستعار)، صحفية، وأسرتها، بسبب الآراء السياسية. وأصبحت في نظرهم السبب في خراب البلد وتدهور الاقتصاد وإفساد عقول الشباب. تقول: «للدرجة أني كل ما تقابل مع أقاربي كنا بنتخانق بسبب آرائي السياسية على الفيس».
ولجأت «بسمة» إلى حذف بعض أقاربها، أو التوصل إلى حل وسط بإخفاء منشوراتها عن بعضهم؛ لكن الخلافات لم تقف عند هذا الحد. تضيف: «أقاربي بقوا يتخانقوا معايا ويشتكوني لوالدي عشان بحذفهم من الفيس بوك، ووالدتي لما بتزعل مني جامد بتحذفني من الفيس!».
-
انتقاد الانفتاح مع الأصدقاء
«متبقيش منفتحة كدا أوي»، هذا هو التعليق التي تسمعه دائمًا ندى عثمان الطالبة بكلية إعلام، كلما التقت بأحد من أقاربها، فعلاقاتها مع أصدقائها على «فيس بوك» تصبح محل الخلاف الأكبر.
«على الفيس تلاقيهم بينتقدوا أي نقاش أو هزار ليا سواء مع ولد أو بنت، كأني المفروض أكون إنسان آلي ميتفاعلش مع الناس»، هكذا تستكمل حديثها لـ«شبابيك».
لم تلجأ «ندى» لحذف أسرتها وأقاربها من مواقع التواصل الاجتماعي بعد، فرغم كل هذا تعرف عائلتها أن شخصيتها في الواقع هي نفس شخصيتها بمواقع التواصل الاجتماعي. تؤكد: «عائلتي عارفين أني بحب أهزر مع أصحابي في الواقع، لكن اللي بيخوف هو المراقبة والانتقاد، لدرجة أن فيه حجات بخاف أشيرها بسببهم».
-
إظهار جانب مختلف من الشخصية
«الأهل والأقارب بيشوفوا فينا جانب غير موجود في حياتنا العادية»، هكذا يلخص مدرس الفلسفة وليد أبو بكر المشكلة كما يراها لـ«شبابيك».
قد يكون هذا الجانب آراء سياسية، أو دينية، أو علاقات بأشخاص بعينهم. يصبح إضافة الأقارب «وجع دماغ» فتسمع كلمات مثل: «أنت كتبت ده ليه.. إزاي تقول كدا.. ليه فلانة عملت لك إيموشن قلب؟!»
وإذا كنت شابًا وليس فتاة، فعدم الموافقة على طلب الصداقة من الأقارب وزملاء العمل سيفهم خطأ. ولهذا وجد سامح عبد الهادي مدرس الرياضيات ومدرب التنمية البشرية، نفسه مضطرًا لإضافة جميع أقاربه وأصدقاءه.
ولكن لكل شيء ثمن. يذهب «سامح» في العمل مثلا لليوم التالي، ليجد الجلسة كلها منعقدة مناقشة آراءه ومنشوراته وصوره التي لا تعجبهم!
«هي دي شخصيتي.. هو ده رأي.. هي دي حياتي مش هفصل حياتي على مزاج حد»، هكذا يؤكد «سامح» أنه يحترم جميع الآراء المختلفة وينتظر من الجميع أن يعاملوه بالمثل، خصوصًا أن نفس آراءه على مواقع التواصل الاجتماعي هي آراءه في الحقيقة أيضًا. لكن هذا لم يمنعه من حذف بعضهم في النهاية.
-
الفيس بوك المتنفس الوحيد للشباب
«جميع أقاربي في قائمة البلوك والحمد لله»، هكذا يبدأ أحمد صلاح الذي يدرس هندسة البرمجيات حديثه لـ«شبابيك» ساخرًا.
فـ«الفيس بوك» أصبح هو المتنفس الوحيد للشباب للتعبير عن آرائهم ومناقشتها بحرية، والتواصل مع أصدقاء يتوافقون معهم في الآراء أو على الأقل يحترمون اختلافهم، بعكس الأهل الذين يتعاملون مع أبنائهم بـ«فكر عسكري.. الأمر صدر ولازم تنفذ من دون مناقشة» كما يتابع حديثه.
لم يصل الأمر لخلاف مع عائلته بسبب منشورات «الفيس بوك»، ولكن انتقادتهم وقاعدهم لها تأثير نفسي سلبي عليه؛ وبالتالي يفضل أن يبعد بعض أقاربه عن واقعه الافتراضي ومتنفسه الوحيد.
إيجابيات وسلبيات استبعاد العائلة بـ«الفيس بوك»
يعلق استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز على القصص السابقة بأن هناك 3 أسباب شائعة لعدم إضافة الأهل بمواقع التواصل الاجتماعي.
الأول سبب إيجابي، فقد يستخدم أحد الأشخاص «الفيس بوك» كوسيلة للتواصل من أجل العمل فقط بعيدا عن العلاقات الشخصية، وإضافته لأقاربه تجعل الأمر محرجا له، عندما لا يرغب في خلط العمل بالعلاقات الشخصية.
والثاني هو الشخص الذي يستغل «الفيس بوك» في علاقات مع الجنس الآخر ولا يريد أن يعرف أهله أو زوجته بالأمر.
أما النوعية الثالثة، فهم الأشخاص الذين يجدون متنفسًا في مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم التي لا يستطيعون التعبير عنها في الواقع.
ففكرة التنفيس في حد ذاتها إيجابية، خصوصًا أنه بعد ثورة يناير أصبح الشباب يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة للتعبير عن آرائهم السياسية والدينية وانتقادهم للمجتمع؛ كما يوضح رئيس لجنة الصحة النفسية بالمركز القومي لحقوق الإنسان في حديثه لـ«شبابيك».
لكن هذا قد يؤدي أيضا لانغلاق الشباب في مجتمعاتهم وجروباتهم الخاصة بـ«الفيس بوك»، مع أشخاص يتوافقون معهم في الآراء، وشيئا فشيئا يشعر الشباب بالعزلة وأنهم مختلفون عن المجتمع. ويعيش هذا الشخص في «قوقعة» خاصة به في مواقع التواصل الاجتماعي؛ ويتوهم أن المجتمع هو الذي يرفضه.
والمشكلة الثانية أن آرائه تؤثر في الآخرين بشكل ما، فإذا كان يصدر الأفكار السلبية في منشوراته بـ«الفيس بوك» أو آراء مخالفة للمجتمع، فإن الآخرين يتأثرون بها، بينما يعيش هذا الشخص في الواقع حياة نمطية أو بشخصية مختلفة؛ كما يختم «فرويز» حواره مع «شبابيك».