نضال الطلاب ضد الإنجليز ورؤساء مصر.. هكذا واجهت الجامعات الاستبداد
على مر تاريخ مصر الحديث، كان للحركات الطلابية الدور الأبرز في صد الظلم الذي يطول المجتمع المصري عامة والطلابي بشكل خاص، بداية من الإنجليز ووصولا إلى الصدامات بين الأنظمة المتتابعة التي تولت قيادة الدولة.
نقدم في هذا التقرير مشاهد من التحركات الطلابية ضد ظلم الإنجليز واختلافاتهم السياسية مع الأنظمة الحاكمة، وكيف ناضل الطلاب ضد الاحتلال والأنظمة المتعاقبة.
عهد الاحتلال
تعد انتفاضة الطلاب عام 1935 ضد الانجليز الشرارة الحقيقية لعصر جديد من النضال وظهور وجه آخر للطلاب أمام الأنظمة الحاكمة.
في13 نوفمبر 1935 خرج ما يقرب من 2000 طالب بجامعة القاهرة متوعدين ومهددين القوات الإنجليزية التي عطلت دستور عام 1923 وأعلنت العمل بدستور 1930.
استمرت المظاهرات عدة أيام في القاهرة والأقاليم، بمشاركة طلاب الجامعات، الذين ازداد عددهم وحماسهم مع كل مظاهرة، واشتهرت تلك الانتفاضة بأحداث كوبري عباس الأولى.
الإجراءات التي اتخذتها قوات الاحتلال البريطانية متمثلة في حظر النشر حول هذه المظاهرات وإغلاق الجامعة أكثر من مرة لم تقف عائقا أمام حراك طلابي شارك فيه كافة الطوائف الوطنية، وأثمرت عن تكوين جبهة وطنية من كل الأحزاب في ذلك الوقت، استطاعت أن تتحدث بصوت مسموع في الأحداث التي تلتها، عوضا عن إرضاخ القوات البريطانية واستجابتها لمطالب الطلاب وأعادت العمل بدستور 1923 مرة أخرى.
انتفاضة 1946
وفي 9 فبراير توجه الآلاف من طلاب المدارس إلى جانب طلاب الجامعة، بعد ترتيبات واجتماعات مسبقة إلى كوبري عباس؛ للمطالبة بوقف التعامل مع بريطانيا بعد تجدد تبادل المذكرات بين الجانب المصري والاحتلال الإنجليزي، عوضا عن إلغاء معاهدة 1936.
وهناك حدثت اشتباكات عنيفة بين الطلاب وقوات البوليس التي فصلت المتظاهرين إلى قسمين بعد أن فتحت الكوبري؛ مما أسفر عن إصابة ما يقرب من 25 طالبا، إلا أن الطلاب لم ينهزموا.
اتبعت الحركة الطلابية اتجاها جديدا في النضال، وشكلت لجان مشتركة بين عدة أطياف في المجتمع، قبل أن يخرج طلاب جامعتي القاهرة والأزهر؛ مطالبين «بتحرير البلاد من العبودية وتشكيل اتحاد عام للطلاب»، كما اتسعت الاعتراضات لتشمل إضراب جميع الهيئات عن العمل بقيادة الحركات الطلابية، يوم 21 فبراير 1946.
وأسفرت تلك التحركات التي استمرت لأكثر من 10 أيام، عن مقتل 23 طالبا وإصابة العشرات، قبل أن تخضع السلطات لمطالبهم ومن بين نتائج هذا الصراع:
-
إعلان الحداد القومي.
-
سحب الموظفين الإنجليز من البوليس المصري.
-
مقاطعة اللغة الإنجليزية.
-
وقف التنازع بين صحف الأحزاب، وإلا قاطعها الطلاب.
إضرابات 1951
في أكتوبر 1951 شهدت الحركة الطلابية نشاطا كبيرا ونقطة تحول في وسائل النضال، فبعد أكثر من 15 إضرابا، تحولت الجامعة إلى معسكر تدريب على الأسلحة، وإرسال كتائب طلابية إلى منطقة القناة والذين عرفوا بـ«فدائيي الجامعة»؛ اعتراضا على إعادة فتح ملف معاهدة 1936.
عهد عبدالناصر
حاول عبدالناصر احتواء الطلاب؛ فقدم عددا من القيادات الطلابية إلى «طليعة الاشتراكيين» وخلق داخلهم فكرة أنهم رمز التغيير من داخل النظام؛ الأمر الذي أصاب الحركات الطلابية بشلل بعد تسييس الاتحادات وحرمان فصائل سياسية من التعبير عن آراءها، كما اعتبرتهم الحركات الطلابية سببا في الركود الذي أصابهم حتى اشتعلت مرة أخرى بعد نكسة 1967 في انتفاضة فبراير 1968.
واندلعت الانتفاضة في حلوان فور إصدار المحكمة العسكرية حكما مخففا على ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال، وكان الرأى العام يرى أنهم مسئولون عن جانب كبير من الهزيمة العسكرية في نكسة يونيو 1967.
تصاعدت الأحداث التى بدأت بهذا الاحتجاج لتتحول إلى انتفاضة جماهيرية واسعة شارك فيها الطلبة بدور فعال.
قدم الطلاب بيانا بالمطالب لرئيس مجلس الأمة الذي رفضه شكلا وموضوعا: «البيان كان عندي بالليل وقرأته.. مش هو ده البيان بتاع الحرية تؤخذ وتغتصب.. أنا بقولكم لا لا».
واستمر الطلاب في تطوير أساليب المواجهات مع نظام عبدالناصر، فتوجهوا نحو كتابة الشعارات والمطالب على جدران الكليات ومن بينها: «تسقط دولة المباحث» «يا جمال للصبر حدود 10 يونيو مش هتعود».
لم تكتسب الجامعات خلال فترة حكم عبدالناصر إلا مهارة في التعامل مع الأحداث، ومزيدا من القمع الذي وصل إلى حد محاكمة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس عسكريا والتدخل في اللائحة الطلابية بشكل أثار غضب الطلاب، إلا أنها خلقت حراك طلابي أكثر تمرسا وأصلب عودا في السنوات التالية.
عهد السادات
لم يشفع الانفتاح في المجتمع الطلابي الذي اتبعه السادات له أمام «خطاب الضباب» في يناير 1972 والذي اعتذر فيه عن الوفاء بوعده بجعل عام 1971 عام الحسم، بدافع أن الحليف السوفييتي لن يستطيع المساعدة؛ لانشغاله في الحرب الهندية-الباكستانية.
مجلات الحائط بالجامعات التي انتشرت كثيرا في عهد السادات كانت السلاح الأول في مسيرة نضال الطلاب في انتفاضة يناير، تبعها الدعوة لمؤتمر يحضره رئيس الجمهورية للاستماع لمطالب الطلاب.
وبعد محطات من التفاوض أثناء اعتصام الطلاب بالجامعة، انتهت هذه الاحتجاجات بالقبض على قيادات الاعتصام وهدأت الأمور بعد إعلان الرئيس السادات خوض حرب تحرير فلسطين قرارا لا رجعة فيه.
عاود الطلاب حراكهم بعد صدور لائحة طلابية جديدة عام 1976، حظرت أي عمل طلابي خارج نطاق الاتحاد، واعتبرت العمل السياسي أحد أشكال العمل الطلابي المتاحة، وأكدت على استمرار اتحاد طلاب الجمهورية واستبعاد وجود أعضاء هيئة تدريس في تشكيل الاتحاد، وهذه اللائحة اعتبرها البعض من أفضل اللوائح.
لكن مع أحداث انتفاضة الخبز في يناير 1977 والتي قاد فيها طلاب الجامعة مظاهرات احتجاجية ضد غلاء الأسعار وانتهت بالقبض على عدد منهم ومحاكمتهم، شعرت الحكومة أن الطلاب يشكلون خطرا حقيقيا من خلال قدرتهم على التأثير على الشارع المصري.
وجاء رد فعل الحكومة بصدور لائحة 1979 الأشهر والأطول عمرا في تاريخ اللوائح لتقييد الطلاب وأنشطتهم، وانتهت معها أشكال العمل الطلابي التي كانت متاحة وعلى رأسها العمل السياسي، وسمحت بالتواجد الأمني داخل الجامعة.
عهد مبارك
سار مبارك بعد توليه السلطة على نهج السابقين؛ فعدل اللائحة الطلابية التي حصرت دور اتحاد الطلاب في الأنشطة الفنية والحفلات والندوات، وحظر النشاط السياسي.
بعد تعديل اللائحة، أصيبت الحركة الطلابية بخمول إلا أنها سرعان مانتفضت مرة أخرى، شكل طلاب المعارضة اتحادا موازيا على غرار الاتحاد الذي عينه نظام مبارك في الجامعات، وبرزت الحركة الطلابية في عدد من الأحداث منها التضامن مع عمال مصانع المحلة الكبرى في إضرابهم في 6 أبريل 2008، اعتراضا على الغلاء وسوء أحوالهم، والذي تحول إلى إضراب عام في مصر بعد تبني بعض المدونين والشباب المصري الفكرة، وتمثل التضامن في تنظيم مظاهرات ببعض الجامعات.
عاد الطلاب مرة أخرى في 2009؛ للوقوف أمام سياسات مبارك، مطالبين بخروج الحرس الجامعي من الحرم، بع واقعة تعدي أفراد الأمن على طالبة بمحافظة الشرقية، ورددوا هتافات: «أول مطلب للطلاب.. أمن الدولة برة الباب»، وهو ما لم يتحقق حتى اندلاع ثورة يناير.
بعد ثورة يناير وعهد مرسي
سادت أجواء الحرية المجتمع الطلابي في أعقاب الثورة، وعرفت الاتحادات الطلابية الانتخابات بعد توقف دام 30 عاما، كما نجح الطلاب في إخراج الحرس الجامعي من الحرم.
وخلال فترة حكم مرسي، انتخب اتحاد طلاب مصر، الذي لم يستمر طويلا، بعد أحداث 30 يونيو ورحيل مرسي.
نشط الطلاب مرة أخرى داخل الجامعات، واستمرت المظاهرات أشهرا طويلة داخل الجامعات المختلفة؛ اعتراضا على القبض على زملائهم وتدخل الأمن في الجامعات، وأحكم قبضته ونجح في إخماد الحراك الطلابي المعارض.
عهد السيسي
وشهدت الأشهر الأولى لتولي الرئيس السيسي الحكم، اعتراضا طلابيا داخل الجامعات، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، وألقت قوات الأمن القبض على طلاب داخل الحرم الجامعي، كما توقف النشاط الطلابي لبعض الوقت، وتعاقبت لوائح طلابية عديدة، انتهت بإقرار لائحة 2017 التي أجريت على أساسها انتخابات اتحاد الطلاب بالجامعات المصرية في ديسمبر الماضي دون وجود لكيان اتحاد طلاب مصر الذي لطالما اتخذ موقفا معارضا للسلطة الحالية قبل عامين من الآن.