علي الجرجاوي.. أزهري أسلم آلاف اليابانيين على يديه
سافر الشيخ المصري علي أحمد الجرجاوي إلى العاصمة اليابانية طوكيو عام 1906 على نفقته الشخصية، داعيًا الناس فيها إلى دين الإسلام، بعد قرون طويلة لم يعرف فيها أهل اليابان شيئًا عن هذا الدين. فكيف كانت ظروف رحلته الطويلة إلى أقصى الشرق؟ ولماذا اختار هذا الوقت بالذات للسفر؟ في هذه التقرير من «شبابيك» ستتعرف على قصة «الجرجاوي» كما وردت بقلم الشيخ نفسه في كتابه «الرحلة اليابانية».
الشيخ الجرجاوي
«الجرجاوي» من مواليد محافظة سوهاج بصعيد مصر، ولم يستطع المؤرخون تحديد يوم ميلاده بدقة، لكنهم حصروه بين عامي 1876 و1877. نشأ في مدينة جرجا التي نسب إليها باسمه «الجرجاوي»، وتعلم القراءة والكتابة في أحد الكتاتيب ثم أكمل دراسته بالأزهر الشريف في القاهرة حتى نال درجة في القضاء الشرعي.
وبسبب سيطرة الاحتلال البريطاني على البلاد بعد الثورة العرابية، اتجه «الجرجاوي» للعمل الحر بدلاً من الوظيفة الحكومية، فأسس صحيفة «الإرشاد» التي أصدرها وكتب فيها بنفسه، كما عمل محاميًا في المحاكم الشرعية، وأخيرًا شغل منصب رئيس جمعية الأزهر العلمية.
عن اليابان وقتها
في هذا الوقت من عام 1905، حقق اليابانيون نصرًا مهمًا على روسيا في معركة «تسوشيما»، وصارت اليابان حديث العالم كله لنهضتها العلمية وصعودها القوي في كل نواحي الحياة، لذا رأى الإمبراطور الياباني أن معتقداتهم الأصلية لا تتفق مع هذا التطور والنبوغ الباهر.
قرر الإمبراطور الياباني عقد مؤتمر كبير للأديان بالعاصمة طوكيو، لأجل اختيار الأفضل والأصلح منها ليكون الدين الرسمي للبلاد، فأمر رئيس وزراء اليابان بإرسال الخطابات لأهم الدول في العالم، إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وأمريكا، ومنها الدولة العثمانية التي أرسلت وفدًا إسلاميًا بجانب الوفود المسيحية وغيرها.
لا مفر من السفر
وصلت أنباء المؤتمر للشيخ الجرجاوي في مصر، فتحمس للفكرة ودعى في صحيفته «الإرشاد» إلى ضرورة تكوين وفد من علماء الأزهر للمشاركة في المؤتمر، ومحاولة إقناع الإمبراطور بالإسلام، لكنه لم يجد أي استجابة لكلماته، لذا قرر السفر على نفقته الخاصة للقيام بالمهمة.
أغلق الشيخ جريدته بعدما كتب في آخر أعدادها عن عزمه على الرحيل، وباع خمسة أفدنة من أرضه ليجمع تكاليف الرحلة، وقرر ركوب البحر في السفر، ليكون أول داعية للإسلام في اليابان في العصر الحديث.
يقول الأمين العام الأسبق للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف عبد الودود شلبي: «لو كان عمر الإسلام 14 قرنًا، فإن اليابان ظلت 13 قرنًا منهم لا تعرف شيئًا عن الإسلام قبل رحلة الجرجاوي».
الرحلة اليابانية
بدأ «الجرجاوي» رحلته الطويلة من الإسكندرية، راكبًا السفينة إلى إيطاليا ثم جزيرة صقلية، وأخيرًا إلى تونس التي غير فيها رأيه بعد أن كان ينوي السفر عبر الدوران حول إفريقيا، لذا عاد إلى السويس متجهًا إلى عدن، ومر بينبع وجدة، وصولاً لهونج كونج ومنها إلى ميناء يوكوهاما في اليابان، وأخيرًا إلى طوكيو.
وخلال الرحلة، سجل الشيخ طرائف عن كل البلاد التي مر بها في كتابه «الرحلة اليابانية»، خاصة ما يتعلق بالإسلام وأهله، وأحوال الناس والتعليم هناك، مع تفصيل ذكر تاريخ كل مكان، خاصة تونس التي عانت وقتها على يد المستعمر الفرنسي.
يوصف كتاب الشيخ بأنه من أطرف كتب الرحلات في القرن العشرين، لأنه جمع فيه بين الدعوة والصحافة، وكتبه بأسلوب يناسب الشباب، وإليهم أهدى الكتاب بقوله «أهدي رحلتي إلى كل عالم وأديب في مصر، خصوصًا الناشئة الحديثة التي هي موضع آمال الأمة».
مسيرة الشيخ
رافق الشيخ في سفره أحد أهل تونس، لكن المفاجأة الأفضل كانت لقاءه بشيوخ آخرين حضروا من أجل الدعوة، فقابل شيخًا من الصين، وآخر من الهند، والأخير من روسيا، وجميعهم حضروا على نفقتهم الشخصية بخلاف الوفد الذي أرسه الخليفة العثماني «عبد الحميد الثاني».
بدأت جلسات المؤتمر، لتعرض كل جماعة دينها، واعتمد الشيخ الجرجاوي وأصحابه على التبسيط والإيجاز في شرح مبادئ الدين، مع سرد البراهين والأدلة العقلية للإجابة عن الشبهات التي طرحها البعض في المؤتمر.
وجه الإمبراطور الياباني في النهاية شكره لكل الوفود، وأعلن أن حرية العقيدة في بلاده متاحة ومكفولة، فخرج الشيخ الجرجاوي إلى شوارع المدينة مع المترجم، وراح يحدث اليابانيين عن الدين في مدة بلغت الشهر.
نتائج الرحلة
يقول الشيخ في كتابه عن نتيجة دعوته بالبلاد: «لو كان المسلمون أرسلوا وفودهم إلى اليابان قبل هذا الأوان واستعملوا هذه الطريقة التي استعملناها لكان عددهم الآن يعدو بالملايين لا بالألوف، أما الذين اعتنقوا الإسلام على أيدينا فبلغ عددهم نحو الاثني عشر ألفًا».
ويفسر الشيخ سبب إعراض الإمبراطور عن الإسلام أنه خاف أن يفقد كرسي الحكم بمخالفة دين شعبه. وهكذا حققت رحلة الشيخ هدفها في وقت قصير حتى أن الأمين العام للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف عبد الودود شلبي قال عنه: «هذا الرجل لو ظل في اليابان، لاعتنق أغلب أهلها الإسلام».
بعد العودة
عاد الشيخ إلى مصر ليسجل رحلته ويستكمل عمله بالصحافة، فأصدر جريدة «الأزهري المعمور» عام 1907، وكتب مؤلفات أخرى عن الدين الإسلامي والرد على شبهات المستشرقين، منها كتاب «الإسلام ومستر سكوت»، وكتاب «حكمة التشريع وفلسفته فيه».
وظل رئيسًا للجمعية العلمية بالأزهر حتى توفي عام 1961، وله من العمر 85 عامًا، ويذكر أن بعض الباحثين شككوا في الرحلة نفسها، لوجود دلائل على تلفيقها في رأيهم، لكن الوثائق اليابانية القديمة وسجل الفندق الياباني الذي سكن فيه الشيخ ما زالت تحمل اسمه وختمه إلى اليوم.
يمكنك تحميل كتاب الرحلة اليابانية من هنا